في مشهد ثقافي فريد من نوعه خلال شهر رمضان ببني ملال تتحول مقاهي المدينة في نهار الشهر الفضيل، على الرغم من الارتفاع المفرط لدرجات الحرارة، إلى فضاءات لمطالعة الكتب وتصفح الجرائد اليومية والأسبوعية.
ويحرص عدد كبير من الزوار الأوفياء للمقاهي بالمدينة صباح كل يوم رمضان على ارتياد هذه الفضاءات لتصفح الجرائد الوطنية وقراءة الكتب في أجواء تجعل الناظر يشعر وكأنه بإحدى الدور الثقافية أو المكتبات الوسائطية.
وقد اعتادت هذه المقاهي، خاصة تلك التي تقع بوسط المدينة، في نهار شهر الصيام، على فتح فضاءاتها الخارجية وتأثيثها بكراسي ومجموعة من الطاولات توضع عليها أعداد مهمة من الجرائد والصحف الأسبوعية والمجلات وبعض الكتب، وذلك رغبة في تمكين روادها من حصتهم الصباحية من قراءة الجرائد اليومية.
ويشد مشهد فضاء هذه المقاهي، خاصة تلك التي توجد بأحد الشوارع الرئيسية للمدينة، انتباه المارة، للعدد المهم من الكراسي المرتبة بإحكام لاستقبال المزيد من الزبناء الراغبين في أخذ قسط من الراحة رفقة الأصدقاء ولتصفح الجرائد بحثا عن موضوع ينال اهتمامهم من أجل تخصيص حيز من الوقت لقراءته والتعليق عليه وتجاذب أطراف الحديث حول مضامينه.
بدون فنجان قهوة ولا كوب شاي أو ماء وفي غياب النادل وبائع الفواكه الجافة، يتجمع رواد هذه المقاهي على طاولات فارغة ضالتهم الوحيدة تصفح الجرائد والكتب وتركيز اهتمامهم على الأخبار التي تهم المدينة والنواحي حيث تتحول المقهى في بعض الأحيان إلى “أغورا” يفتح فيها النقاش حول القضايا والمواضيع الوطنية تارة، وحول الفوائد والعادات الإيجابية والسلبية منها المرتبطة بشهر رمضان الأبرك تارة أخرى.
ويجد المولعون بالمطالعة ضالتهم في هذه الفترة لقراءة عدد أكبر من الكتب كوسيلة ناجعة لتعزيز ملكاتهم الفكرية، فضلا عن كونها تمكنهم من الاطلاع ومسايرة المستجدات التي يعرفها الشأن المحلي والجهوي والوطني والدولي على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية. وترتقي هذه المقاهي، التي يحرص عدد لا يستهان به من الأشخاص على ارتيادها صباح كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك، إلى مصاف الأندية الثقافية، من خلال تأثيث فضائها لاستقبال روادها الراغبين في القراءة، وهو ما من شأنه أن يساهم في تعزيز ونشر هذه الثقافة داخل المجتمع.
وعلى الرغم من تأثير هذه الظاهرة على مبيعات الجرائد الوطنية والنسيج الاقتصادي المحلي وتراجع دخل أصحاب الأكشاك وبائعي الصحف الذين يشتكون في هذا الشهر من تراجع دخل تجارتهم وتفاقم مشاكلهم مع شركات التوزيع حول العدد الكبير للمرجوعات من الجرائد، تبقى هذه العادة على العموم وسيلة للتشجيع على القراءة وتغذية الفكر بأشياء إيجابية تساعد على تنوير أفراد المجتمع.
ويقدم رواد مقاهي “نهار رمضان” تصورات ومبررات متباينة، حول ظاهرة القراءة وخاصة الجرائد المجانية، من قبيل أن أغلبية الصحف الوطنية تحظى بدعم من الجهات الوصية، واعتبار قراءة الجريدة بالمقهى أضحت من السلوكات الاعتيادية ضمن أجندتهم اليومية، فضلا عن أهمية الإطلاع على مستجدات القضايا المحلية والوطنية، وتحبيب القراءة والمطالعة لدى عامة الناس، واعتبار شهر رمضان مناسبة مواتية للاهتمام أكثر بالمطالعة سواء تعلق الأمر بالجرائد أو المجلات أو الكتب.
وعبر أغلب مرتادي هذه الفضاءات عن تأييدهم لفكرة فتح مقاهي في النهار خلال شهر رمضان على اعتبار أنها تتيح الالتقاء بين الأصدقاء في فضاء مناسب للقراءة والاستراحة وتعزيز وترسيخ ثقافة القراءة بالفضاءات العمومية، وجعل الشباب، على الخصوص، يدركون أن المقاهي، ليست فقط مكانا لاحتساء المشروبات وتدخين السجائر، بل يمكنها أن تكون بمثابة نواد ثقافية بامتياز.
وفي المقابل يرى الرافضون للفكرة أن فتح وقراءة الجرائد بالمقاهي في واضحة النهار يشكل سلوكا سلبيا قد يؤثر على مبيعات سوق الجرائد، ومناسبة للتداول في أعراض الناس كسلوك منهي عنه خاصة في الشهر الفضيل، إضافة إلى النقاشات التي تتحول في بعض الأحيان إلى مشادات كلامية تفسد صيام أصحابها.
ومع استمرار ظاهرة قراءة الجرائد في المقاهي بصفة عامة وفي شهر رمضان بصفة خاصة، يبقى تطبيق الاتفاق بين وزارة الاتصال والمكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف خاصة الشق المتعلق بمنع القراءة المجانية للصحف من بين الأدوات العملية لتشجيع سوق بيع الجرائد وتشجيع عموم الناس على القراءة والمطالعة كوسيلة من وسائل خلق مجتمع متنور يسوده التسامح والتعايش والحوار المبني على الإنصات للآخر.
يذكر أن وزارة الاتصال كانت قد أصدرت بلاغا حول لقاء جمع وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة السيد مصطفى الخلفي والفيدرالية المغربية لناشري الصحف، خصص لتدارس الأزمة الاقتصادية التي تعرفها المقاولات الصحفية المغربية، سواء الورقية أو الإلكترونية، وشهد الاتفاق على مجموعة من النقاط، منها تضمين مشروع الصحافة الجديد مادة تمنع القراءة المجانية للصحف.
ووفق دراسة أنجزتها مؤسسة لاستطلاع رأي لفائدة الفيدرالية، فإن حوالي 47 في المائة من قراء الجرائد هم من يقتنون الجرائد اليومية، بمعنى أن أزيد من نصف قراء الجرائد لا يقتنوننها، ويعود ذلك إلى انتشار ظاهرة القراءة المجانية، خاصة في المقاهي التي تشتري عددا أو عددين من العنوان الواحد وتوفرها مجانا لكل زبنائها.