مداخلة الاستناد إدريس بوسباطة.
تأصيل كلمة الدبلوماسية يستمد وجوده ومفاهيمه من الفكر اليوناني، مغزاه يعني الحماية التي يحظى بها المبعوث خارج وطنه بموجب وثيقة رسمية توجه إلى صاحب السلطة في البلد المقصود، اتسع مضمونه في العصر الحديث فصار يعني إدارة الشؤون الخارجية للدولة ورعاية المواطنين وإدارة العلاقات الدولية والجهود المبذولة للتوفيق بين مصالح الأمم بموجب القوانين والمعاهدات الدولية والسعي لحل الخلافات بينها بطرق سلمية أساسها الفطنة والذكاء والمرونة لإبعاد خطر النزاعات المسلحة.
ووصف شيشرون الدبلوماسية عام ( 106- 43 ق.م ) بمعنى التوصية الرسمية التي تمنح لدخلاء البلاد الرومانية ليكونوا موضع رعاية خاصة، وانتقلت الدبلوماسية اليونانية إلى اللاتينية والى اللغات الأوروبية ثم إلى اللغة العربية، والدبلوماسية عند الاتينين شهادة رسمية أو الوثيقة التي تتضمن صفة المبعوث والمهمة الموفد بها، والتوصيات الصادرة بشأنه من الحاكم بقصد تقديمه وحسن استقباله وتيسير انتقاله بين الأقاليم وكانت هذه الشهادات أو الوثائق عبارة عن أوراق تمسكها قطع من الحديد (تسمى دبلوما)، وعند الرومان كلمة دبلوماسية تدل عن طباع المبعوث أو السفير وقصدت باللاتينية (بمعنى الرجل المنافق ذي الوجهين).
أما عند الفرنسيين فالمبعوث أو المفوض هو من يرسل في مهمة وبلقب يمنح فقط لممثلي الملوك، إلى أن استخدم الأسبان أول مرة كلمة سفارة أو سفير نقلا عن التعبير الكنسي بمعنى الخادم أو السفارة، فاتسع مفهوم الديبلوماسية فأصبحت تحمل معنى المهنة، معنى المفاوضات، ومعنى الدهاء والكياسة، ومعنى السياسة الخارجية، وفي اللغة العربية بالوثيقة التي يتبادلها أصحاب السلطة بينهم والتي تمنح حاملها مزايا الحماية والأمان، واستخدمت كلمة سفارة عند العرب بمعنى الرسالة بغية التفاوض، واشتقت كلمتها من سفر أو أسفر بين القوم إذا أصلح، والسفير من يمشي بين القوم في الصلح.
كما عرفها ارنست ساتو بقوله “إن الدبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة، وعرفها شارل كالفو وقال: الدبلوماسية هي علم العلاقات القائمة بين الدول كما تنشأ عن مصالحها المتبادلة وعن مبادئ القانون الدولي، ونصوص المعاهدات والاتفاقات ومعرفة القواعد والتقاليد التي تنشأ وهي علم العلاقات أو فن المفاوضات أو فن القيادة والتوجيه، وسماها هارولد نيكلسون بإدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات أو طريقة معالجة وإدارة هذه العلاقات بواسطة السفراء والممثلين الدبلوماسيين فهي عمل وفن الدبلوماسيين، وأكد الدكتور عدنان البكري أن الدبلوماسية هي عملية سياسية تستخدمها الدولة في تنفيذ سياستها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص الدوليين الآخرين وإدارة علاقاتها الرسمية بعضها مع بعض ضمن النظام الدولي، واقر مأمون الحموي أن الدبلوماسية هي ممارسة عملية لتسيير شؤون الدولة الخارجية وهي علم وفن علم ما تتطلبه من دراسة عميقة للعلاقات القائمة بين الدول ومصالحها المتبادلة ومنطوق تواريخها ومواثيق معاهدتها من الوثائق الدولية، في الماضي والحاضر وهي فن لأنه يرتكز على مواهب خاصة عمادها اللباقة والفراسة وقوة الملاحظة، وحصنها القانون الدبلوماسي حسب براديه فودريه “بوصفها فرع من القانون الدولي الذي يتناول بصفة خاصة تنسيق العلاقات الخارجية للدول”، وحسب جينيه “بكونها فرع من القانون العام يهتم بصورة خاصة بممارسة وتقنين العلاقات الخارجية للدول، وصيغ تمثيلها في الخارج وإدارة الشؤون الدولية وطريقة قيادة المفاوضات”، وهدا حديث قصير عن تاريخ الدبلوماسية الطويل الذي يرجح عند البعض إلى الكرسي البابوي حيث كانت الخطوة الأولى للدبلوماسية في ايطاليا وقد عرفت بدبلوماسية المدن الإيطالية وقيل إن بدايتها بدأت عام 1451 في نهاية حروب المائة عام، وهناك من وطن بدايتها مع القرن العشرين أي مع مرحلة الدبلوماسية العلنية.
وفي الزمن المعاصر حيث تتفاعل عناصر لا حصر لها في ولادة الأحداث، وحيث عولمت العولمة كل شيء حتى الأحلام والكوابيس، السلام والحرب، التقدم والتخلف، التعايش والإرهاب، تعددت العلاقات الدولية وتعدد الفاعلون فيها، وتنوعت المصالح والقضايا والأزمات كما تنوعت القنوات المؤثرة في ملامح وتوجهات البرامج والأهداف التي تسعى الدول إلى بلورتها وتحقيقها بالوسائل المشروعة، فخرج المجال الدبلوماسي عن الشأن السيادي الممارس كلاسيكيا عبر الآليات الرسمية، طلبا لعقلنة أكبر وانفتاحاً أوسع، تدعيما وخدمة للمصالح المتوخاة، وهنا فتح المجال الأوسع لنشأة وتطور الدبلوماسية الموازية بوصفها جهودا غير رسمية في مجال الدبلوماسي، و التي تعنى بها الفواعل الغير الرسمية من منظمات غير حكومية، وهيئات المجتمع المدني، وسائل الإعلام، وجماعات الضغط، بفلسفة ملكية تجسد التعلق بالعرش وتاطر الأمن والاستقرار بمختلف فاعليها من مجتمع مدني كأحد تجليات الممارسة الديمقراطية التي يفرزها مناخ التعددية والحرية داخل المجتمع، وجامعات، ومراكز بحثية، وإعلام، وجماعات، وجاليات، وأحزاب سياسية، والهيئات التشريعية للدول (البرلمانات) بصلاحياتها المرتبطة بالشأن الدبلوماسي، مساهمة في تدبير الصراعات والأزمات، وجلب الاستثمار، وتوضيح ودعم المواقف الخارجية الرسمية للدولة إزاء قضايا وطنية ودولية وإقليمية، لدالك فالدبلوماسية الموازية في زمننا أصبحت فناً وعلماً، لا تحتاج إلى أساس قانوني داعم فقط، بل إلى كفاءات تستوعب مجمل التحولات والمتغيرات الدولية الراهنة أيضاً، لكفاءتها ولأدائها الاحترافي في التعريف بحضارة المغرب، ودورها الريادي في الدفاع عن القضايا الكبرى للمملكة وإسماع صوت المغرب في المحافل الدولية، وطرح المقترحات والحلول والبدائل، وتنظيم الملتقيات والمؤتمرات حول مختلف القضايا والإشكالات التي تواجه صانع القرار، وإصدار الكتب والتقارير بمختلف اللغات، وتعزيز التبادل العلمي مع مختلف المؤسسات الجامعية والعلمية في مختلف دول العالم.
والمملكة المغربية مند سنة 2000 عرفت تغييرا جذريا في إدارة شانها الدبلوماسي تماشيا مع طبيعة التحديات الجهوية والدولية، حماية للمكتسبات وضمانا لمكانتها الدولية للمغرب، بعدما كانت مجالا محفوظا للمؤسسة الملكية حيت كان للقائمين عليها دور تنفيذي محض لا يحتاج لكبير من المناورة في اتحاد القرار بالرغم من أن الوزارة وزارة سيادة حيث تتراجع النكهة الحزبية لصالح التكنوقراط، لكنها بفضل الشخصية المتميزة للحسن الثاني اكتسحت صدارة التوازنات الدولية إقليميا وعالميا “بناء المغرب العربي (معاهدة مراكش 1989)+دعم الجامعة العربية+تطويق النزاعات الكبرى (النزاع العربي الإسرائيلي)+المواقف المعبر عنها في قمة مجلس الأمن+استضافة تأسيس منظمة التجارة العالمية+المساهمة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
فالاحتضان الملكي والرعاية السامية للدبلوماسية الموازية المجسدة في شعار “مساهمة المجتمع المدني في تفعيل الدبلوماسية الموازية” زاد تأهيل أدوار المجتمع المدني في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد حيث تم تحويل 240 من التوصيات التي نسجت في إطار الحوار الوطني حول المجتمع المدني إلى مشاريع قوانين جعلت من الجمعيات شريكا حقيقيا للدولة في القيام بأدوارها في تكامل مع الدولة في كافة المجالات.
وبفضل التزكية الملكية أضحت الدبلوماسية الموازية رقما صعبا في المعادلة الدولية، إذ فرضت على اعتي الدول التراجع عن تمرير أجنداتها، وحدت من الأطماع المتوخاة من توظيف الأزمات (قضية أمنتو حيضر، مخيمات اكديم أزيك، زيارات انفصالي الداخل لمخيمات تندوف، محاولات الجزائر توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الإنسان، أحداث الداخلة والعيون…) برؤية استباقية تأكد التمسك بالوحدة الترابية، وهذا ما عبر عنه الأستاذ عدي الهيبة رئيس المنتدى الإفريقي للحوار والسلام حينما أكد على “ضرورة تولي المجتمع المدني المغربي إنتاج دبلوماسية موازية قادرة على مواكبة التطورات الداخلية والخارجية نصرة لقضيتنا الترابية تجسيدا للخطاب الملكي الأخير”.
فالدبلوماسية الموازية لا تقل أهمية، ففي هذا الإطار سبق أن شارك زعماء الأحزاب السياسية في العديد من البعثات الدبلوماسية التي كان جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله قد أرسلها للحصول على الدعم الخارجي في قضية الصحراء، وللحفاظ على الإجماع الوطني كمشاركة زعماء الأحزاب السياسية في الحملات الإعلامية في صيف 1974، والقيام بزيارات للعواصم الأوربية والآسيوية والإفريقية لشرح الموقف المغربي من القضية الوطنية التي كانت وما تزال إلى الأبد محط إجماع وطني.
****دعم الدبلوماسية السياسية :
بالاستثمار الأمثل للتطورات الايجابية الني شهدتها قضية الصحراء، وتدعيم مبادرة الحكم الذاتي التي حضيت بدعم دولي واسع، تناغما مع الرسالة الملكية المركزة على أهمية الاستمرار في نفس النهج، والتصدي بكل حزم للمناورات والمحاولات اليائسة، القائمة على الافتراء والتضليل، بكل حزم ويقظة إلى أن يتقن أهل الأطروحة الانفصالية أنهم في ظلال مبين.
****دعم الدبلوماسية الاقتصادية :
بإعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة، قادرة على تعبئة الطاقات، بغية تطوير الشركات وجلب الاستثمار، وتعزيز الجاذبية الاقتصادية، وكسب مواقع جديدة، وتنمية المبادلات الخارجية بتنسيق مع الفاعلين الاقتصاديين للقطاع العام والخاص،
****دعم الدبلوماسية الاقتصادية :
تجندت الدبلوماسية الموازية للنداء بإقامة المصالح الثقافية وتعزيز دورها ودالك بتنظيم المعارض للتعريف بالرصيد الحضاري والثقافي العريق للمغرب، وتعزيز إشعاعه الدولي، والتعريف بهويته الموحدة الأصيلة والغنية.
****انخراط الدبلوماسية الموازية في السياق الإفريقي :
وفاء لانتماء المغرب الإفريقي، وصيانة لروابطه الروحية ومصالحه الإستراتيجية، تحتل معادلة تطوير العلاقة مع دول جنوب الصحراء صلب أجندة الدبلوماسية الموازية، مرجعيتها في دالك الزيارات الملكية مند بداية سنة 2000، داعمة قيم التضامن والايخاء، مساندة تطوير العلاقات الثنائية في مهام جديدة خاصة منظمات إفريقيا الغربية والوسطى، تماشيا مع الدعوة السامية في الرسالة الملكية إلى تفعيل أنشطة مؤتمر الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي كمنظمة جهوية والتي تعد الرباط .
كل هده الأدوار للدبلوماسية الموازية جعلت من المملكة المغربية بلدا آمنا مستقرا وقويا بمؤسساته، متميزا بالتناسق والتكامل بين الدبلوماسية الرسمية وأجندة الدبلوماسية الموازية وطنيا ودوليا، مغربا منفتحا على العالم، وعلى التعاون مع الشركاء على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، ملتزما باختياراته الكبرى المبنية على تعزيز دولة سيادة القانون، في انسجام تام مع المثل الكونية تحت شعار الله الوطن الملك.