سياسة وفئران
بقلم : عزيز لعويسي
بعد “العفاريت والتماسيح” و”ما فوق الحمار ودون البغل”، يأبى ا ألمين العام لحزب العدالة
والتنمية، عبد اإلله بن كيران، إال أن يقتحم مرة أخرى، خلوة القاموس السياسي، وهو يدخل “فئران
السويرتي” إلى “رحبة” السياسة، بعد ما وصف – في إطار نشاط حزبي – ” العمل السياسي ” ب ما يشبـه
“فئران السويرتي“، و المتأمل لهذا الخطاب “الفئراني”، قد يخرج بانطباع أولي مفاده أن بن كيران
وصحبه، ال ناقة لهم وال جمل في حلبة السويرتي، ويكتفون فقط، بترقب حركات وسكنات
الساسة/الفئران، وهم يتربصون لبعضهم البعض، و لعابهم يسيل بحثا عن الجحر الذي يتواجد فيه الطعم
السياسي ، والمدقق فيما صدر عن الرجل من توصيف فئراني، يظن أن المشهد السياسي والحزبي
بالخصوص، بيمينه ووسطه ويساره، بات رهينة الفئران، إال حزب بنكيران؛
إذا ما قبلنا بنظرية “فئران السويرتي”، فهي تسري على جميع الساسة، وعلى جميع األحزاب
السياس ية، بما فيها حزب البيجيدي، الذي طبع واقع الممارسة السياسية طيلة عقد من الزمن، وبالتالي
ف مسؤوليته قائمة بدرجات ومستويات مختلفة، في ” سياسة فئران السويرتي ” ، وهو الذي ترأس الحكومة
في مناسبتين، تذوق خاللها حالوة السياسة، وما تجود به من مناصب وكراسي وريع وبهاء وإشعاع ،
وتموقعه اليوم، في خندق “المعارضة”، لن يطهر ه من نجاسة سياسة فئران السويرتي، مهما جاد
الوضوء السياسي؛
استنجاد بن كيران بالفئران، قد ي رى فيه البعض خرجة من خرجات زعيم المصباح، التي
غالبا ما تترك خلفها زوبعة من اللغط والجدل، وقد يرى فيها البعض اآلخر، ضربة ناعمة موجهة نحو
الخصوم السياسيين، أو ربما نحو سياسيين حزبيين بذاتهم، وقد يرى فيها البعض الثالث، مجرد محاولة
من محاوالت النـ هوض واستجماع القوى ، بعدما تحول الحزب إلى مجرد “قزم سياسي” بعد السقوط
التاريخي، وتسخينات سياسية مبكرة، لما هو قادم من االستحقاقات، وقد يرى البعض الرابع، أن الدفع
بالفئـران إ لى رحبة السياسة ، معناه أن الحزب لم يتحرر بعد من عقدة الهزيمة، ولم يستوعب بعد ليلة
السقوط الكبير، ولم يعد أمامه من أوراق سياسية، سوى التمادي في القصف العشوائي ، والظهور بمظهر
“التقوى السياسية”، بحثا عن موجة عابرة ، قد تعيد سفينة الحزب إلى عالم ” الفئران ” بلغة بن كيران؛
وإذا ما تركنا هذه الرؤى والمواقف جانبا، فالظاهر أن “فئران السويرتي”، ما هي إال مرآة
عاكسة لمشهد سياسي، لم يعد فيه للقيم موضع قدم وال لاللتزام والمسؤولية مكان، بعدما سيطر على
كرته، العابثون والمتهورون والفاسدون، تحول فيه الشاطر إلى من يجيد اللعب باألوراق، والماهر من
يتقن المناورة والمراهنة ، والبارع من له القدرة على التربص واالنقضاض ، والذكي من يستطيع النهوض
من تحت الرماد، ويعود إلى “الفيترينا السياسية” عودة الفاتحين، باستعمال كل األساليب القدرة وغير
القدرة ، في حلبة سياسية، بات فيها تغيير األقنعة مب احا، ومحاكاة سلوك الحرباء مشروعا، في غياب
الضبط والردع والمحاسبة والعقاب؛
“الفئران” التي استنجد بها بن كيران، ال تعرف المناورة وال الم راهنة وال التربص وال
ال كذب وال البهتان وال تغيير القناع وال سلوك الحرباء، وبدون شك، لن تقبل هده الفئران، أن يتم الدفع
بها نحو مياه سياسية متعفنة، يسبح فيها الكهنة والسحرة ممن يتقاسمون طقوس العبث والجشع والطمع،
ويتناوبون على الحلب والسلب والنهب ومص الدماء ، أما الساسة – مع وجود االستثناء – من القساوة
توصيفهم بفئران “مغلوب على أمرها”، ألن من حول السياسة إلى وكر لممارسة العبث ، ومن يصر
على عرقلة عجلة الوطن ويتمادى في حرمانه من فرص النهوض والتحرك واالزدهار، ومن يكرس
بسلوكه القدر، ثقافة اليأس واإلحباط في أوساط المجتمع ، ويؤسس لمفهوم للسياسة مقــرون باألنانية
والج شع والطمع والحلب والنهب، ومن يقوي بممارساته الوضيعة، اإلحساس بانعدام دولة الحق والعدالة
والمؤسسات، هو خارج الوصف و فوق التعبير؛
المصباح بعد السقوط الكبير، من حقه النهوض ومن حقه العودة إلى رحبة سياسية لم يعد
فيها للقيم معنى وال لألخالق مغزى ، لكن ليس من ح قه حسب تقديرنا، البكاء أمام األطالل أو ادعاء
المظلومية أو تحريك عجلة المؤامرة، أو العزف على أوثار الدين وعود التقوى والورع، البد له أن
يؤمن بواقع الهزيمة، ويبحث داخل البيت، عن أسباب السقوط الكبير بعد أن قاد سفينة الحكومة لعقد من
الزمن، كان كافيا إلظهار معدنه الحقيقي، في واقع سياسي “ليس في قنافده أملس”؛
ما يعيشه المواطنون من اختناق اجتماعي وتنموي، وما تعيشه الساحة السياسية من مشاهد
العبث واالستهتار واللغط والجدل واألنانية المفرطة، هي عالمات تشويـر، دالة على بؤس السياسة،
وفشل أو على األقـل ، تواضع األداء السياسي لجل األحزاب السياسية الكبرى، التي تحملت وتتحمل
مسؤوليات تدبير الشأن العام من موقع الحكومة والمعارضة و الجماعات الترابية، في ظل واقــع ممارسة
سياسية، يعيش أزمة قيم وأخالق ومواقف، بات يتعذر معها، التمييز بين اليمين واليسار والوسط، ما عدا
الرمــوز الحزبية ، التي لم يعد لها معنى إال في مواسم االنتخابات، حيث ال صوت يعلو على “التبوريدا
الحزبية”؛
رهانات النموذج التنموي والتحديات المرتبطة بالوحدة الترابية للمملكة، واألوراش التنموية
الكبرى التي يقودها جاللة الملك محمد السادس أيده هللا، كلها مبررات من ضمن أخرى، تفرض أحزابا
سياسية حقيقة وملتزمة ، تتحلى بما هو ممكن من القيم واألخالق والمواقف، وساسة تتوفر فيهم شروط
المواطنة الحقة، وما يرتبط بها من مسؤولية والتزام وانضباط وتضحية وتفان ونكران للذات، خدمة
للوطن وقضاياه المصيرية، ال إلى أحزاب سياسية رهينة األنانية والمصالح ، باتت أقرب إلى “الدكاكين
السياسية ” إن لم تكن كذلك فعال ، أو سياسيين، شغلهم الشاغل المناورة والمراهنة والتربص بالكراسي
والمناصب ؛
مغرب اليوم، يحتاج إلى أحزاب مواطنة وذات مصداقية، قادرة على التأطير المجتمعي،
وعلى صناعة ما تتطلبه المرحلة، من كفاءات وخبرات مشهود لها بالنزاهة واالستقامة وحب الوطن ،
غيـر هذا لنتعود من اآلن، على خطاب “الفئران”، وقبله “البغال” و”الحمير” و”التماسيح والعفاريت” ،
و”الديبخشي” و”البليكي” و”القرد الشارف” و”جش هش عش …” ، وغدا ربما نسمع “الجرذان”
و” القطط” و”الدجاج” و”الفلوس” و”الحولي” و”الحولية”. اتقوا هللا أيها الساسة في الوطن، فسيل عبثكم
أو على األقل بعضكم، بلغ الزبـى، وطين اإلحباط زاد بلة، تحملوا مسؤولياتكم أمام “هللا” و”الوطن”
و “الملك”، واستحضروا دوما أن ما تتحملونه من مهام ومسؤوليات، ليس بمعزل عن “الضبط”
و”المحاسبة” و”العقاب”…
ونختم المقال، بأن نتمنى الخير كل الخير لهذا الوطن البهي، الذي نتمنى من هللا عز وجل، أن
ي جنبه شر الحاسدين والمتربصين والعابثين في الخارج والداخل على حد سواء ،… وأن يتبوأ ما يستحقه
من بناء ونماء ورخاء، تحت القيادة الرشيدة لقائد األمة ومهندس تنميتها، جاللة الملك محمد السادس
حفظه هللا وسدد خطاه، لما فيه خير للبالد والبالد … ، وهذا الوطن هو حزبنا السياسي الكبير ، الذي لن
ندخر جهدا، للدفاع عن حقه المشروع في النهوض واالزهار والبهاء واإلشعاع، ولو بسالح الكلمة
الصادقة ، المتحررة من قيود الوالءات واالنتماءات ، إال والءات الوطن وانتماءات األمة وثوابتها.