الحد من مخاطر الكوارث وتعزيز الوعي بحدوثها وكيفية تعزيز قدرة المواطنين على مواجهتها

0

فاطمة سهلي طنجة

يتعلق الحد من مخاطر الكوارث بإنقاذ الأرواح وسبل العيش من خلال تغيير عقليات الناس ويرتبط الأمر بالتحول من الاستجابة للكوارث إلى إدارة مخاطر الكوارث من أجل الحد من الهشاشة في مواجهتها. لذلك يلعب الإعلام دورًا في خلق ثقافة الوقاية وليس مجرد ثقافة رد الفعل، وذلك من خلال التوعية بالمخاطر والإنذار المبكر بها لتحسين الاستجابة لها، حيث يحتاج الناس إلى تزويدهم بالمعرفة والمهارات والموارد اللازمة لحماية أنفسهم من مخاطر الكوارث
ونشر ثقافة الوقاية لا يُمكّن من إنقاذ الأرواح والتقليل من الخسائر البشرية فحسب، وإنما التخفيض من كلفة الكوارث بصفة عامة سواء البشرية والمادية، على المستوى القريب أو البعيد، لأن لعدم الاستعداد الجيد لمقاومة الكوارث كلفة عالية تؤثّر على مجهودات التنمية المستدامة
لذلك لابد من تسليط الضوء على مكامن الضعف في استراتيجيات الدولة للتصدي للكوارث يدعونا لطرح الأسئلة عن الإجراءات اللازمة لمنع حدوث الكارثة أو للتقليل من آثارها بغض النظر عن الموقع الجغرافي وخصوصياته الجيولوجية
والمغرب من أكثر البلدان تعرضا للمخاطر الجيولوجية والمتعلقة بالمناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والمملكة على وجه الخصوص معرضة بشدة للزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية وموجات الجفاف. ويجسد زلزال الحوز في سبتمبر 2023 شدة هذه المخاطر فقد تضرر منه ما لا يقل عن 300 ألف شخص، ودمر 60 ألف مبنى، وأودى بحياة ما يقرب من 3000 شخص. وتشير تقديرات
البنك الدولي إلى أن الكوارث تكلف المغرب أكثر من 575 مليون دولار سنوياً
ومن المتوقع أن يؤدي لتوسع الحضري والعمراني وتغير المناخ إلى تفاقم مخاطر الكوارث في المغرب، لا سيما بسبب زيادة تواتر وشدة أخطار الأرصاد الجوية المائية
على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، ساند البنك الدولي الحكومة المغربية في إجراء تغيير جذري في نظام تدبير مخاطر الكوارث تمويل التصدي لمخاطر الكوارث، والتحول من أسلوب رد الفعل الذي يركز على الاستجابة اللاحقة لحالات الطوارئ، إلى نهج وقائي مسبق لبناء القدرة على الصمود. ويعود هذا التطور بالنفع على جميع سكان المغرب. وتشمل النتائج المحققة مجالات رئيسية
الحد من مخاطر الكوارث بين عامي 2016 و 2024، ساند
البنك الدولي تمويل وتنفيذ أكثر من 230 مشروعاً للحد من مخاطر الكوارث، بقيمة 304 ملايين دولار، من خلال إعادة تصميم الصندوق المغربي لمكافحة آثار الكوارث الطبيعية، وتحويله من أداة للاستجابة في حالات الطوارئ إلى صندوق وطني لتعزيز القدرة على الصمود. وتشمل هذه المشروعات، على سبيل المثال لا الحصر؛ استثمارات في أنشطة الحماية من الفيضانات، وأنظمة الإنذار المبكر، ورسم خرائط لمخاطر الكوارث. وحتى الآن، استفاد من المشروعات المنجزة نحواربعمائة ألف شخص بصورة مباشرة، وأكثر من 33 مليون شخص بصورة غير مباشرة في جميع أنحاء المملكة في عام 2020، أنشأت الحكومة المغربية مديرية جديدة لتدبير مخاطر الكوارث بوزارة الداخلية، وحددت مسؤولياتها بوضوح. وقد زادت القدرات المؤسسية لها تدريجياً ويعمل في المديرية

الآن أكثر من 80 موظفا بدوام كامل وفي عام 2012 اعتمدت الحكومة أول إستراتيجية وطنية لتدبير

مخاطر الكوارث
2021-2030 وقد تُرجمت هذه الإستراتيجية إلى خطة عمل ذات أولوية 2021-2023 وخطة عمل تنفيذية 2021-2026 تغطي 18 برنامجاً و57 مشروعاً قيد التنفيذ حاليا (بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، حملات التوعية بالكوارث، ودعم الاستثمارات العمومية والخاصة في مجال الحد من المخاطر، وتدعيم قدرة الشبكات العمومية الحيوية على الصمود
تعزيز القدرات المؤسسية
في عام 2016، اعتمدت الحكومة نظاماً مبتكراً للتأمين ضد مخاطر الكوارث القانون رقم 110-14 دخل حيز النفاذ في يناير 2020. واستحدث هذا القانون خطة تأمين خاصة تغطي أكثر من 17 مليون شخص. واستكمالا لهذا البرنامج، أنشأت الحكومة أيضا صندوقاً للتضامن العام ضد الوقائع الكارثية لتغطية باقي السكان غير المؤمن عليهم، بما في ذلك الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا وغير القادرة على تحمل تكاليف التأمين الخاص. ويجري تمويل عمليات واحتياطات هذا الصندوق من خلال فرض رسوم شبه ضريبية على عقود التأمين بخلاف التأمين على الحياة، وقد تم تحصيل أكثر من 90 مليون دولار في السنوات 2020-2023. وفي أعقاب زلزال الحوز الذي وقع في 8 سبتمبر/أيلول 2023، أتاح صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية ما يقرب من 300 مليون دولار لتغطية الخسائر المؤهلة، منها 275 مليون دولار جاءت من وثائق إعادة التأمين السيادية التي تم طرحها في عام 2020 وتم تجديدها في عام 2023

يعمل نظام الإنذار المبكر ضد مخاطر الفيضانات الذي تم إنشاؤه حديثاً منذ عام 2023 في أربع مناطق تجريبية المحمدية، والغرب، ووادي أوريكا، وكلميم ، ويستفيد منه بشكل مباشر ما يقدر بنحو 240 ألف شخص. وقد دأب نظام الحماية المدنية على تعزيز موارده البشرية من خلال تحسين برامج التدريب والتعليم وزيادة عدد الموظفين وأخيرا، تم إعداد مسوّدة توجيه وطني ودليل عملي لتعزيز قدرة البنية التحتية الحيوية والخدمات الأساسية على الصمود، من خلال التعاون بين أكثر من 30 مؤسسة حكومية على مستوى الوزارات
فهم المخاطر في عام 2012، وضع المغرب نموذجا لمخاطر الكوارث، وهو نموذج تقييم الأخطار الطبيعية، وهذا النموذج يسمح بتقدير الآثار الاقتصادية للكوارث الزلازل والفيضانات والتسونامي والجفاف والانهيارات الأرضية ومنذ عام 2021، يبذل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية جهوداً إضافية لإعداد نماذج لتقدير مخاطر الكوارث، وخاصةً التكاليف المالية للزلازل والفيضانات والانهيارات الأرضية. وقامت الحكومة أيضا بإعداد دراسات تشخيصية وإستراتيجيات تجريبية لبناء قدرة المناطق الحضرية في مدن فاس والمحمدية/عين حرودة على الصمود، وهو نهج يمكن تكراره في بلديات أخرى. ويجري حاليا تدعيم مرصد وطني للمخاطر داخل مديرية تدبير مخاطر الكوارث ويعمل بشكل كامل
في ما يلي النقاط الرئيسية للاستراتيجية الوطنية الجديدة للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية 2020-2030
الأهداف الإستراتيجية
تحسين المعرفة وتقييم المخاطر
تعزيز الوقاية من المخاطر لبناء القدرة على الصمود
تحسين التأهب للكوارث الطبيعية من أجل انتعاش سريع وإعادة بناء ناجعة
المبادئ التوجيهية
استراتيجية منسقة وشاملة وتشاركية
الوقاية كممارسة ثقافية
المسؤولية المشتركة ومبدأ التكامل
تجميع وتحسين الموارد المرصودة
الالتقائية القطاعية من أجل التنمية المستدامة
الدينامية والانفتاح على البيئة الإقليمية والدولية
إدماج الطابع الهيكلي لتغير المناخ
السلاسة
المحاور الاستراتيجية
لتحقيق الأهداف المسطرة، يعمل الفاعلون على خمسة محاور استراتيجية محوران عرضيان وثلاثة محاور موضوعاتية ، مقسمة إلى 18 برنامجا ومشروعا
تعزيز الحكامة المتعلقة بتدبير المخاطر الطبيعية
النتائج المنتظرة: تعزيز التنسيق على المستويين المركزي والترابي وتحسين نظام التمويل والتدبير المالي
تحسين المعرفة وتقييم المخاطر الطبيعية
النتائج المنتظرة: إنشاء قاعدة بيانات جيدة التوثيق ومحينة لجميع العناصر التي تشكل المخاطر الطبيعية التي يواجهها التراب الوطني، والسماح لجميع الفاعلين المعنيين بالولوج إلى معلومة موثوقة في الوقت الفعلي وإتقان الجوانب العلمية والتقنية للظواهر الطبيعية من أجل سير أفضل لعملية اتخاذ القرارات ذات الصلة
الوقاية من المخاطر الطبيعية وتطوير القدرة على الصمود
النتائج المنتظرة: تقليص الهشاشة وتعزيز صمود التراب الوطني ضد المخاطر الطبيعية
التأهب للكوارث الطبيعية من أجل انتعاش سريع وإعادة بناء أفضل
النتائج المنتظرة: إعداد الإنذار والاستجابة للطوارئ، وضمان انتعاش سريع لضمان استمرارية الأنشطة والخدمات ووضع عمليات إعادة البناء وآليات تمويل عادلة وشفافة وفعالة للحد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية، وكذا استيعاب حدود وهوامش تقدم المقاربة المعتمدة فيما يتعلق بتدبير المخاطر الطبيعية للحد من الهشاشة وتعزيز الصمود في المستقبل
تشجيع البحث العلمي والتعاون الدولي وبناء القدرات في مجال تدبير المخاطر الطبيعية
النتائج المنتظرة: النهوض بالبحث العلمي وإشراك وتعبئة المنظومة العلمية، وإنشاء منصات وقنوات لتبادل الخبرات والتجارب الدولية، ونقل المعرفة والتكنولوجيا، فضلا عن إشراك كافة الفاعلين المعنيين من خلال تعزيز قدراتهم على تدبير المخاطر وتشكيل شبكة واسعة من الكفاءات المتخصصة
ولتنفيذها، تم تقسيم الاستراتيجية إلى خطة تشغيلية على مدى خمس سنوات وخطط عمل يغطي المخاطر الطبيعية الرئيسية، وهي الفيضانات والزلازل والانهيارات الأرضية وأمواج التسونامي
ويهدف المخطط التشغيلي إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية، لضمان تماسك المحاور والبرامج وتلاقيها مع الرؤية، وكذا ترجمة البرامج المذكورة إلى مشاريع ينفذها مختلف الفاعلين، في حين أن مخطط العمل يسلط الضوء على مختلف الإجراءات التي يعتبر استكمالها ضروريا في غضون أجل لا يتعدى ثلاث سنوات
في صلب الاستراتيجية الوطنية للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، يشكل نظام التتبع والتقييم مكونا رئيسيا لتحقيق رؤية الاستراتيجية من خلال خمسة أهداف
تقديم تقرير مفصل عن التقدم المحرز في المواقع
ضمان الشفافية والحفاظ على انخراط الفاعلين
تقييم أثر مكونات الإستراتيجية
الاستفادة من الخبرة المكتسبة
تيسير اتخاذ قرارات متبصرة
وبسبب ازدياد المخاطر يوماً بعد يوم، أصبحت الكوارث مترابطة ببعضها أكثر فأكثر، لاسيما مع تفاقم آثار التغير المناخي
تتطلب التغطية الجيدة لمسألة الحد من مخاطر الكوارث
قبل الكارثة حتى يستطيع الصحفي أن يلعب دوره الاستباقي في الإخبار عن الكارثة وتحذير الجمهور من وقوعها، يجب أن يكون على تواصل مستمر مع الجهات المختصة في الأرصاد الجوية وفي رصد الكوارث الطبيعية ومعاهد المسح الجيولوجي والخبراء في التغير المناخي كي تستطيع هذه الجهات أن توفر له المعلومات اللازمة حول توقع حصول الكوارث قبل مدة زمنية معقولة، ليتمكّن بدوره من إيصال رسائل التحذير المبكر من الكوارث ومن إعداد محتوى إعلامي توعوي يُعرّف بالكارثة وأسباب حصولها وبسبل التوقي منها
أثناء وقوع الكارثة خلال وقوع الكارثة، من المهم أن يقوم الصحفيون أو هيئات البث بإيصال معلومات سريعة حول حجم الخسائر في الأرواح البشرية وفي الممتلكات، وأن يقوموا كذلك ببث النصائح اللازمة للجمهور لإيجاد سبل النجاة، وذلك بالتعاون مع فرق الانقاذ والحماية المدنية. ولكن من المهم أيضًا أن يحاولوا أن يفسروا للجمهور كيف حصلت الكارثة ولماذا وما الذي تسبب في تفاقم نتائجها ليفهم إذا ما كان من الممكن تفاديها وتخفيف الأضرار
بعد الكارثة لا يجب أن ينتهي اهتمام الصحفيين بالكارثة بعد وقوعها، وإنما لابد من العودة إلى الحديث عنها من وقت لآخر للتأكد من مدى استقاء الدروس اللازمة من الأخطاء التي حصلت في الماضي للتصدي لها، ومن أن الوعود التي أُعطيت من قبل السلطات والجهات المسؤولة لتفادي الأضرار قد تم الإلتزام بها، من قبيل تحسين البنية التحتية، وإصلاح الطرقات، وتطبيق الرقابة على معايير البناء، وضع سياسات للتصدي للتغير المناخي وهنا يأتي دور الصحفيين في تحميل المسؤوليات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.