فاطمة سهلي طنجة
يعد بالآلاف الأبرياء الذين تُزهق أرواحهم سنويا جراء العنف الإرهابي الذي يحركه التطرف العنيف. وسواء كان ذلك على أسس دينية أو عرقية أو سياسية، فإن الإيديولوجيات المتطرفة تمجد تفوق مجموعة معينة، وتعارض تواجد مجتمع أكثر تسامحا وشمولا. وقد أحدثت رسالتها المتمثلة في التعصب الديني والثقافي والاجتماعي دمارًا هائلاً في العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم
ويستهدف الإرهاب، بكل أشكاله وتكتيكاته، أسس مجتمعاتنا ويتحدى مباشرة قيمنا المشتركة المتمثلة في السلام والعدالة والكرامة الإنسانية. كما يسعى إلى تفكيك حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية، ويهدد سلامة أراضي الدول وأمنها، ويزعزع استقرار الحكومات الشرعية
وللتصدي لهذا التهديد، يتعين على المجتمع الدولي تعزيز التعاون في منع الإرهاب ومكافحته. وفي حين تتطلب مكافحة الإرهاب تدخلات للحفاظ على أمن الناس وحماية الأصول، فإن منع التطرف العنيف يتطلب النظر إلى أبعد مما يتعلق بالمخاوف الأمنية الصارمة بشأن أسباب التنمية وحلولها. وللمنظمات الدولية والمجتمع المدني والأكاديميون والزعماء الدينيون ووسائل الإعلام دوراً حاسماً في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف الذي يمكن أن يغذيه
وفي هذا الصدد ونظرا للدور الطلائعي الذي يلعبه المغرب في مجال مكافحة الإرهاب في إفريقيا
اختتم المغرب ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أشغال أول حوار استراتيجي رفيع المستوى، بنيويورك، باتخاذ إجراءات ملموسة تهدف إلى تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب في إفريقيا
حيث ترأس ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ونائب الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف يومه الخميس 26 شتنبر الجاري
وذلك على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة
ويُعد هذا الحوار مُبادرة محورية ضمن الجهود المشتركة للمملكة والأمم المتحدة من أجل مكافحة الإرهاب في أفريقيا
ويُمثل مرحلة هامة في تعميق الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، لا سيما لدعم الدول الأفريقية في جهودها الرامية إلى مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف
كما يشكل مرحلة جديدة في إطار تعميق التعاون بين المغرب ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات أفريقيا في مجال التصدي للتهديدات الأمنية الناشئة. وفي هذا الصدد، يلتزم المغرب ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب باستكشاف شراكات مبتكرة مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، بغية الإستجابة للتهديدات الأمنية الجديدة
وبالمناسبة، أشاد “بوريطة” بالجهود المتواصلة التي يبذلها مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من أجل دعم الدول الأفريقية الأعضاء في التصدي للإرهاب والتطرف العنيف. مجددا تأكيد التزام المملكة الراسخ بالنهوض بالتعاون الإستراتيجي ومتعدد الأطراف، وفقا لمبادئ وقرارات الأمم المتحدة
وتأتي هذه الشراكة في إطار التزام المغرب بالمساهمة في الأطر الأممية متعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب، تنفيذا للتوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، لتعزيز التعاون مع الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما في أفريقيا. كما تعزز مكانة المملكة بصفتها فاعلا رئيسيا في النهوض بالسلام والأمن الإقليمي في القارة
كما مكن هذا الحوار من تجديد التأكيد على الالتزامات المتبادلة بين الجانبين، وتحديد الأولويات الاستراتيجية برسم السنوات المقبلة.
واتفق المغرب ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب على إضفاء الطابع المؤسساتي على هذا الحوار الاستراتيجي السنوي، مما يتيح التتبع المنتظم للمبادرات المشتركة والتقييم المستمر لاحتياجات الدول الإفريقية في المجال الأمني. ويعكس هذا القرار الأهمية التي يوليها الجانبان للتعاون على المدى الطويل من أجل الاستقرار الإقليمي.
كما سلطت المناقشات الضوء على الدور المحوري لمكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في الرباط، والذي سيواصل تقديم تكوينات متخصصة لقوات الأمن الإفريقية، بفضل دعم متعدد الأبعاد يقدمه المغرب للمكتب. وأعرب الجانبان عن ارتياحهما لأثر هذا المكتب على بناء القدرات في إفريقيا والتزما بتوسيع نطاق عمله.
كما أسفر الحوار عن الاتفاق على تنظيم مؤتمرين رئيسيين: يركز الأول على الأمن البحري ومكافحة الإرهاب على طول الساحل الأطلسي الإفريقي، والمقرر عقده في دجنبر 2024. ويندرج هذا الحدث في إطار مسلسل الدول الإفريقية الأطلسية، وهي مبادرة ذات رؤية استشرافية أطلقها المغرب لتوطيد التعاون بين البلدان المطلة على المحيط الأطلسي بشأن قضايا الأمن البحري.
ويتمثل الحدث الثاني في منتدى المستفيدين من المساعدة التقنية الذي سينعقد في نونبر المقبل بالرباط. وسيجمع بين المستفيدين والمانحين لتقييم فعالية برامج المساعدة وتعزيز التعاون التقني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.
ويأتي اختيار الرباط لاستضافة هذا الحدث ليؤكد مجددا الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب في النهوض بالأمن والاستقرار الإقليمي، والتزامه بتعبئة الموارد والخبرات اللازمة لدعم الجهود الجماعية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في إفريقيا.