قصة طريفة حول إحصاء عدد المعطيات المتضاربة بين الحكومة المغربية والمندوبية السامية للتخطيط بعنوان: تناقضات واقع مرير

0

بقلم: محمد أمقران حمداوي

في صباح يوم مشرق جلس أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، في مكتبه المطل على المدينة الصاخبة. وأمامه كانت أوراق التقرير الشهري مترامية، مليئة بأرقام تبدو وكأنها خارجة من رواية غامضة. البطالة ترتفع نحو السماء وكأنها تسابق الريح. الأسعار تتسلق مثل قط يبحث عن طريق للهروب من كلب شرِس. ابتسم الحليمي وقال في نفسه: “إذا كانت هذه الأرقام في سباق، فربما عليّ تسليم الجوائز قريبا!” وفي الجهة الأخرى من العاصمة كانت الحكومة تستعد لمؤتمرها الصحفي. وزيرة الاقتصاد والمالية وقفت بملامح واثقة أمام الميكروفونات، وقالت بنبرة مفعمة بالتفاؤل: “البطالة في انخفاض مستمر، والأسعار مستقرة وكأنها تماثيل لا تتحرك. نحن نقترب من تحقيق المعجزة الاقتصادية!” خلفها كانت شاشة كبيرة تعرض رسوما بيانية مشرقة بالألوان، وكأنها لوحة فنية من عصر النهضة.
لم يكن الحليمي غافلاً عن هذا المشهد. في كل شهر كانت الحكومة تعلن عن أرقام متفائلة تكاد تنطق بالحياة، بينما الأرقام التي تظهرها تقاريره كانت تروي قصة مختلفة تماما، وكأن المغرب يعيش في عالمين متوازيين. مع نهاية الأسبوع خرج تقرير المندوبية السامية للتخطيط، وكان كعادته كفيلا بإثارة الجدل. البطالة ارتفعت بنسبة غير متوقعة. الأسعار قفزت وكأنها في سباق حواجز. العناوين الصحفية في اليوم التالي كانت لاذعة: “حكومة الأرقام الوردية أم مندوبية الواقع القاسي؟”، “المغاربة بين جنة الحكومة وجحيم الأرقام!” … في مقهى شعبي على رصيف حي مزدحم، كان شابان عاطلان يتحدثان حول هذه الأرقام المتضاربة. الأول قال وهو يحتسي شايه: “الحكومة تقول إنني سأجد وظيفة قريبا، وكأنها توزع الوظائف كالحلوى. أما الحليمي، فيقول إنني سأظل أبحث حتى تصبح اللحية بيضاء!” ضحك الآخر وأجاب: “ربما نحن نعيش في مسلسل تلفزيوني اقتصادي، في كل حلقة أرقام جديدة ومغامرات جديدة. لكن النهاية لا تزال بعيدة!” الجميع كان يتابع هذا التناقض كأنه حلقة من مسرحية كوميدية. كلما أصدرت الحكومة تقريرا، ردت المندوبية بتقرير آخر يناقضه تماما. المواطنون، من جهتهم، وجدوا في هذه الأرقام المتضاربة مادة دسمة للمزاح. حتى في المقاهي أصبح الناس يتحدثون عن “أرقام الحليمي” و”أرقام الحكومة” وكأنهم يتحدثون عن فريقين رياضيين يتنافسان في دوري الأرقام الوطنية.
في أحد الأيام قرر الحليمي الظهور في برنامج تلفزيوني لتوضيح الموقف. صعد إلى المنصة بابتسامة هادئة، وألقى التحية على الجمهور. وقال بابتسامة مرحة: “يبدو أن هناك الكثير من الجدل حول أرقامنا المتضاربة مع الحكومة، أليس كذلك؟” الجمهور ضحك بحذر، ثم أردف المندوب السامي: “لكن الأمر بسيط جدا. نحن فقط نقوم بإحصاء الأرقام كما هي، بدون مكياج أو تلوين. الأرقام لا تكذب، لكنها قد تكون غير محبوبة أحيانًا.” المذيع ابتسم وسأل: “إذن، هل تقول إن الحكومة تضع المكياج على أرقامها؟” ضحك الحليمي وقال: “لن أقول ذلك بصراحة، لكن ربما الأرقام عندهم تحب الذهاب إلى الصالون قبل الظهور في المؤتمر الصحفي!” الجمهور انفجر ضاحكا، لكن الجميع فهم الرسالة. الحليمي كان يقول الحقيقة، لكن بروح من الفكاهة التي جعلت الموقف أقل حدة. في اليوم التالي تداول الناس تصريحاته في المقاهي والشوارع وكأنها نكتة جديدة، حتى أن أحد الرسامين الكاريكاتوريين رسم لوحة تظهر فيها الأرقام وهي تجلس على كرسي في صالون تجميل، بينما الحكومة تضع عليها أحمر الشفاه وتصفف شعرها. ومع استمرار التناقض بين الأرقام، أصبحت العلاقة بين تقارير الحكومة والمندوبية أشبه بحكاية طريفة يتداولها الناس. كل شهر كان الجميع ينتظرون الحلقة الجديدة من “مسلسل الأرقام”. الحكومة تخرج بتصريحاتها المشرقة، والحليمي يرد بتقاريره الواقعية، والمواطنون يضحكون، وإن كان بعضهم يضحك بحرقة. أحد المواطنين قال مازحا لصديقه في أحد المقاهي: “ربما علينا تقديم الأرقام في برنامج للمواهب. الحكومة تغني بأرقامها السعيدة، والمندوبية تلعب دور لجنة التحكيم القاسية! ” ضحك الجميع في المقهى، لكن كان هناك شعور مشترك بأن هذه الفكاهة تخفي وراءها واقعا لا يمكن تجاهله. وفي نهاية المطاف، كان الحليمي يواصل عمله بلا اكتراث كبير للتناقضات، عارفا أن الأرقام ستظل كما هي، سواء أعجبت الحكومة أم لا. وكالعادة، كان يختتم يومه بابتسامة وهو يراجع تقاريره، متأكدا أن الأرقام الصادقة ستظل صامدة أمام كل الألوان الوردية التي تحاول الحكومة أن تضفيها على الواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.