قصة طريفة بعنوان: فوضى الجزائر

0

بقلم : محمد أمقران حمداوي

في إحدى الثكنات العسكرية بالجزائر، وفي يوم خريفي ماطر، اجتمع سبعة ضباط جزائريين لمناقشة قضية تشغل الشعب الجزائري، وربما العالم كله حسب رأيهم: قضية الصحراء المغربية. بدأت الجلسة بهدوء لكن سرعان ما ارتفعت الحماسة، وبدا أن الحديث قد يطول ويصبح عاصفا كأمواج المحيط.

الضابط الأول، المعروف بروحه المرحة، فتح النقاش بلهجة لم يعتدها زملاؤه، إذ قال بجدية:
“يا جماعة، المغرب كان يسعى دائما إلى ربط علاقات طيبة مع الشقيقة والجارة الجزائر بحكم القواسم المشتركة التي تجمع بين الشعبين. وا أسفاه! كلما اقترب المغرب من الجزائر ذراعا، ابتعدنا أذرعا وكأننا في منافسة قفز عالٍ! وبدل أن نكون الجيران الطيبين، أصبحنا محققين في ملفات وهمية.” ثم رفع يديه بالدعاء: “اللهم اهدهم فيمن هديت!”، ما جعل البقية يقاومون ضحكاتهم بشق الأنفس.

الضابط الثاني لم يستطع أن يكتم غيظه، وقال بلهجة تتضمن لوما:
“يا أخي، إن العسكر الجزائري يجعل قضية الصحراء المغربية قضية أساسية في كل جدول أعمال اجتماعات الوزراء! الجزائر تدعي أن قضية الصحراء المغربية تشغلها، وهي بعيدة عن اهتماماتنا أصلا! انظروا إلى “تبون”، يجعل قضية الصحراء موضوعا حاضرا في كل خطبه وكأنه ديباجة لا بد من ذكرها. إنه يخدر الشعب بهذه القضية وهو يعلم أن الحل هناك على طاولة العالم، لا في خطب شعبوية.”

أما الضابط الثالث، فكان يرى أن المغرب يسعى للصفح والعفو والسلام حقا، لكنه وجد أن كل خطوة تقابلها الجزائر بردة فعل غير مفهومة. وقال بعبوسٍ ساخر:
“كأن الصلح سيُفقدنا مصالحنا الشخصية، رغم أن الصلح خير كما علمنا رسولنا الكريم!”

الضابط الرابع، لم يُطق السكوت، وقال بنبرة تأنيب:
“العالم حسم في مسألة الصحراء منذ زمن والدول العظمى حسمت اليوم في أحقية المغرب بصحرائه، لكننا هنا نكرر أسطوانة العداء وكأننا فرقة موسيقية فقدت نوتة التوافق! حتى الشيطان تبرأ منا، والشعب المسكين يتفرج على قيادته التي تُعيده إلى عصر مظلم، كإسبانيا حين عاشت تحت ظل فرانكو.”

الضابط الخامس بدأ يعاني من ألم مفاجئ في معدته، أو هكذا بدا الأمر. قال بغصة:
“الجزائر تستضيف عصابة في أرضها، فتقابلنا الدول بعتاب وتجاهل. نحن نرعى أفعى في أكمامنا! لا عجب أننا أصبحنا غير محبوبين، لا عربيا ولا إفريقيا.”

الضابط السادس، بتأنٍ ووقار، قال:
“فرنسا نفسها، التي استعمرت المغرب، اعترفت بحق المغرب في صحرائه! نحن نسينا تاريخنا، ونعيش في وهم قضايا مفتعلة.”

وأخيرا، تحدث الضابط السابع بصوت واهن متأمل، وقال بنبرة حزينة:
“تُرى، متى نتوقف عن الاصطياد في مياه عكرة؟ نحن نعلم كيف نلنا استقلالنا. نلنا استقلالنا بمقتضى ميثاق الأطلسي الذي نص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، أما المغرب فقد ناله بفضل مقاومة شرسة جمعت بين الكفاح المسلح والنضال السياسي والنقابي والثقافي. لكن للأسف، أمجاد الماضي غلب عليها غبار الأيام، وصرنا نحن البعيدين عن التنمية وعن ركب التقدم.”

وبعد ساعة من النقاش، خرج الضباط السبعة بقناعة مريرة: الجزائر ضيعت سنوات من عمرها في صراعات مفتعلة. أرادوا الحل، لكن وجدوا أنفسهم تائهين بين أوهام ومصالح شخصية، وأدركوا أن هذه الفوضى لم تجلب للبلاد إلا التأخر عن مواعيد التنمية، فغادروا الاجتماع وكلٌ منهم يحمل هموما أكبر من تلك التي دخل بها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.