فاطمة سهلي ابي الجعد
ولما كان دأب مؤسسة الانماء تنظيم عدة مناظرات مساهمة منها في خدمة هذا الوطن واستكمالا لمسلسل المناظرات السابقة المساهمة في تعزيز دور الإعلام الثقافي، تحليل الواقع الإعلامي والثقافي في المغرب وفي البلدان الإفريقية، وتشخيص مكامن قوته وتحدياته وفرص تنميته، في ظل التحولات التي تعرفها القارة في الوقت
تنظم جريدتي الانماء ممثلتا في شخص رئيسها عبد الفتاح الادريسي والمغرب العربي ورئيسها مصطفى مجبر وبشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الاتصال والنقابة الوطنية للصحافة والمدرسة العليا للتربية والتكوين ببني ملال
فعاليات المناظرة الرابعة للإعلام تحت عنوان الإعلام الثقافي.. قاطرة لمد جسور التفاهم والتعاون الاقتصادي والحضاري بين الشعوب الإفريقي
وحيث ان هذه المناظرة أضحت تقليدا وبمثابة منصة لتعزيز صفوف وسائل الإعلام ودعم قضية الصحافيين في أفق جعل القطاع الإعلامي فاعلا رئيسيا لنشر رسائله النبيلة التي تحترم أخلاقيات المهنة
تروم نسخة هذه المناظرة تكريم روح الفقيه العالم محمد السموني الشرقاوي، وهي مناسبة لتسليط الضوء على هذه الشخصية التي ولدت من رحم مدينة ابي الجعد الغناء بطابعها الديني الأصيل واشرافها الميامين وخيراتها الدفينة وتنظيم هذا اللقاء على مدى ثلاثة أيام بجهة بني ملال-خنيفرة نابع من قيمة هذه الجهة التي تتوفر على عدة مؤهلات، وتسلط الضوء على التعددية الثقافية لمدينة أبي الجعد التي تعد ملتقى ثقافيا بامتياز
منذ ظهور الإسلام وإلى يومنا هذا، تميزت الساحة الدينية بظهور علماء وفقهاء يَدعُون إلى الإسلام ويُعرِّفون بمكارمه وأحكامه ومقاصده، حيث يخاطب كل واحد منهم الناس بوسائل متنوعة، ومقاربات متباينة، بعضها تقليديٌّ صِرْفٌ، وآخَر مستحدَثٌ يواكب العصر، وبينهما مقاربات وَسَطية تنهل من الماضي والحاضر في قالَب معتدِل. وللغوض بين ثنايا نفحات ذاكرة متصوفة متشبعة باليمان والتقوى تاتي هاته مبادرة جريدتي الانماء والمغرب العربي لتنظيم هاته النسخة لتبرزالتحفة الثمينة والقيمة الدينية وتضهرها إلى عالم النور
ولان للعلماء في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة، لانهم وَرَثةُ الأنبياء، وحاملوا مشعل هذا الدين، وحُماتُه الفكريون من كل زَيْغٍ أو تحريف أو تزوير. وقد ذَكَرهم الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: [إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ]. والعالِم كما يرى أهل الشرع هو المشتغِل بالعلم الشرعي، المُلِمُّ بأحكام الكتاب والسنة، العارف بقواعد اللغة، المُطَّلِع على أقاويل السلف، المُدرِك لما أجمعوا عليه واختلفوا فيه. وهو الذي لا يَقطع العلمَ عن نفسه، ولا ينقطع عن الناس علمُه. وقد ورد في الأثر أن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك أعلم؟ قال: الذي لا يشبع من العلم.
يناقش هذا المقال الشخصية البارزة المتدينة التي بصمت التاريخ المغربي الصوفي انه ذلك الشخص الذي فاقَ درجة العالِم وتخطَّاها، ويشهد له بغزارة العلم وسلامة الدِّين، وحصافة الرأي، وفصاحة اللسان، والإلمام بأحكام الدين قديمها وحديثها، ظاهرها وباطنها، واضحها ومتشابهها. ومن الإشارات الدالة على علو مرتبته لفظه بلفظة العلاَّمة التي اطلقت عليه وجائت مبنية على صيغة المبالغة بوزن (فعَّالة)، لذلك يقتصرإطلاق هذا اللقب على صنف مخصوص من أهل العلم يفترض فيهم أن يكونوا متبحرِّين في شتى أنواع المعرفة
وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا
والعلامة المغربي محمد السموني الشرقاوي من العلماء العارفين بمختلف فنون العلم وضُروبِه كالنحو والفقه والقراءات والحديث ونحو ذلك ترعرع في بيئة أسسها جده الولي الصالح أبو عبيد الله محمدالشرقي الذي عرف بالورع والعلم والتصوف، حيث أَنشأ ما سمي فيما بعد بالزاوية الشرقاوية حوالي القرن العاشر والسادس عشر الميلادي و التي أشرف على استمراريتها أبناؤه و أحفاده وجعلوها منارة للتعلم والتدين يحج إليها طالبو العلم من مختلف المدن المحيطة بأبي الجعد
وهو من الذين كانوا في الولاية التكوينية مرآةً تامّة للجمال الالهي و الجلال الأزلي، و اللؤلؤ المنير المفيض لنور الأحدية على عالم ما سواهم؛ و في الولاية التشريعيّة باب الشريعة و منهلَ الإلهام، و الأخذَ للأحكام من مصدر التشريع و الحقائق
إمام الأئمة، ومفتي الأئمة، بحر العلوم، وشمس الفهوم، سند المجتهدين الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، نادرة الدهر، شيخ الإسلام، علامة الزمان، ترجمان الحديث والقرآن، علم الزهاد، أوحد العباد، قامع المبتدعين، رأس الموحدين، تاج المتبعين، صاحب التصانيف المطلع على حقائق الشريعة ومواردها، العارف بغوامضها ومقاصدها، رحمه الله حفظ القرآن ودرس الفقه والتفسير والسيرة وبعد ذلك توجه إلى فاس حيث التحق بالقرويين أقدم جامعة في العالم و حصل على العالمية وهي أعلى شهادة في ذلك العصر. بعد عودته إلى مسقط رأسه، شرع في التدريس في المساجد بعد صلاة الفجر وبين العشائين وهكذا استطاع أن يكون من طلبته نواة لهيئة التدريس في المؤسسة التي راودت حلمه لإنشاء أول مدرسة عربية تنافس مدارس المستعمر الفرنسي وتزرع روح الوطنية و التضحية في شباب المدينة للمطالبة بالإستقلال
وحمداً أزلياً و ثناءً لا ينفد و لا يتناهى مختصّاً بالله عزّ و جلّ، وحيث اختار بني آدم من بين تلك العوالم بجامعيّة منطق العقل و الإحساس، فشرّفهم لذلك بشرف التكليف و المسئولية كانت بداية التاسيس ان إكترى منزلا استعملت غرفه أقساما بدون طاولات و لا كراسي و مع الوقت تعددت هذه الدور وتم تجهيزها إلى أن تمكن من الشروع في بناء مدرسة على أرض تبرع بها أحد الميسورين وشارك في هذه العملية لجنة خاصة قامت باكتتاب ساهمت فيه ساكنة المدينة وهكذا بعد ما كان مستوى التعليم يتوقف عند الشهادة الإبتدائية أصبح بإمكان التلاميذ الحصول على الشهادة الإعدادية حيث تخرج العديد من الشباب الذين عملوا كأطر في دواليب الدولة
وتضمن البرنامج ندوات حول التعددية الثقافية والإعلامية، بالإضافة إلى زيارات ميدانية لمواقع بارزة، مع الإعلان عن إطلاق مؤسسة تحمل اسم “العلامة السموني”، لتعزيز الهوية الثقافية لمدينة أبي الجعد. وركزت الجلسة الافتتاحية على ترسيخ القيم الإنسانية والدينية في مواجهة التحولات الحالية
وشهد الحدث تكريم شخصيات بارزة تركت بصمات في مجالات الإعلام والثقافة، مما يعكس التزام المنظمين بتعزيز المشترك الثقافي ودعم التنمية المستدامة عبر وسائل الإعلام
نرجو من الله عز شأنه التوفيق لمن مكن لخدمة الدين والوطن
ويوفقه لنشر معالم الدين وإحياء آثار الأئمة الطاهرين وأتباعهم من العلماء