قلم: إدريس الواغيش
………
نظمت مؤسسة “الإنماء” و”المغرب العربي” بشراكة مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية وجامعة السلطان مولاي سليمان “المناظرة الرابعة للإعلام”، بدأت يوم 15 نونبر، واستمرت إلى غاية ال17 منه في أبي الجعد وبني ملال، وحملت الدورة اسم العلامة الفقيه محمد السموني.
تمحور موضوعها حول الإعلام الثقافي وإشكالاته البنيوية والتكاملية بصفته قاطرة لمد جسور التفاهم والتعاون الاقتصادي والحضاري، وخصوصا بين المغرب وجذوره المتشابكة مع ثقافات شعوب كثيرة في القارة الإفريقية.
أبي الجعد، زاوية تحولت إلى مدينة:
الثابت في التاريخ، وفق كثير من المصادر، أن مدينة أبي الجعد تأسست سنة 1008ه على يد أبي عبيد الله الشرقي، وهو الذي قدم إليها أرضا خلاء موحشة، وغابات تسكنها بعض الوحوش، قبل أن تحولها زاويته إلى مركز حضاري ثم إلى مدينة. ولكنني سمعت من أفواه بعض الناس، وأنا أتجول بين أزقتها الموغلة في الضيق، كلاما عاما يحتاج إلى كثير من التدقيق والتحقيق.
قالت لي سيدة ونحن نجوب الأزقة المحاذية للمسجد والضريح، تدعي أنها من حفدة الولي الصالح، بأن أبي الجعد أقدم حاضرة بالمغرب. تأسست قبل أنوجاد مدينة فاس نفسها، وعثر على مراسلات مكتوب في مقدماتها:”من مدينة أبي الجعد إلى قرية فاس”. كلام قد لا تسمعه من سكان أبي الجعد وحدهم، ولكن يشاركهم في ذلك أهل تازة، كما يشاطرونهم هذا الادعاء أهل صفرو، وقد تسمعه كذلك في دبدو، وربما في مناطق أخرى من المغرب. وهو كلام يبقى في كل الأحوال عائما، ويحتاج إلى نبش أركيولوجي وتدقيق أنثروبولوجي وتحقيق تاريخي.
قال لي أحد حفدة العلامة محمد السموني الشرقاوي في دردشة قصيرة، أن الفقيه السموني ولد سنة 1899 بمدينة أبي الجعد. ولكنه ترعرع بين أخواله، ومنهم أخذ لقب “السموني”، ولكنه عاش في بيئة أسسها جده الولي الصالح أبو عبيد الله محمد الشرقي، الذي عرف بالورع والعلم والزهد والتصوف. وتقول مراجع تاريخية أخرى أن “الزاوية الشرقاوية” نشأت في القرن 10ه- 16م، وأشرف على استمراريتها أبناؤه وأحفاده من بعده، وجعلو منها منارة علم ودين إلى اليوم.
ويقول دكتور آخر أخبرني إنه أنجز أطروحته حول الزاوية الشرقاوية بأن “الفقيه السموني حفظ القرآن ودرس الفقه والتفسير والسيرة، وتوجه إلى فاس طالب علم بالقرويين وفيها حصل على العالمية، وهي أعلى شهادة علمية في ذلك العصر”. وبعد عودته إلى مسقط رأسه، “شرع في التدريس بالمساجد، واستطاع أن يكون من طلبته نواة هيئة التدريس في أول مدرسة عربية أنشأها من ماله الخاص، وبدأت تنافس مدارس الفرنسيين”. وأضاف قائلا: “زرع الفقيه روح الوطنية في كل من كان يقصدها من الشباب المتعلم، وبدأوا بعد ذلك في المطالبة بالإستقلال”.
وتقول رواية أخرى، سمتعها من أحدهم هناك أن “الفقيه السموني إكترى منزلا، استعمل غرفه أقساما للدراسة في البداية بدون طاولات وكراسي، ومع مرور الوقت تعددت الدور، وتم تجهيزها إلى أن تمكن من بناء مدرسة على أرض تبرع بها أحد الميسورين، وساهم في عملية البناء ساكنة المدينة..”. وتخرج من المدرسة الحسنية، التي لا زالت قائمة إلى اليوم، شباب متعلمون، وهم يعملون اليوم أطرا في مختلف دواليب الدولة المغربية.
تميز اليوم الأول من أشغال المناظرة في أبي الجعد بكل ما هو ديني وروحي وتاريخي، والنبش في مرجعيات الزاوية الشرقاوية، ودورها المتميز في نشر العلم والدين القويم والوطنية، وهو ما عمل حفدته على الاستمرار فيه من بعد مماته.
اليوم الثاني من أشغال المناظرة في بني ملال احتضنته جامعة السلطان مولاي سليمان، وحضر أشغالها عدة شخصيات علمية ووطنية، ومنها: وزير التعليم العالي وسفير المغرب سابقا في تونس الدكتور نجيب الزروالي الوارتي، سفيرة السودان بالمغرب، نائب رئيس جامعة بني ملال، الدكتور إبراهيم أقديم عميد كلية ونائب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس سابقا، الأستاذ محمد الدريج، المهدي العامري، عبد السلام الزروالي الخبير الإعلامي ومندوب وزارة الاتصال بفاس والعيون سابقا، عبد الكبير اخشيشن رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ادريس العادل الكاتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية فرع فاس، بالإضافة إلى شخصيات من عالم الصحافة والأدب وأساتذة من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال وجامعة محمد الخامس بالرباط، وعدد من الأساتذة الجامعيين والطلبة الباحثين ورجال ينتمون إلى مجال الثقافة والفكر والصحافة والإعلام.
وتم بهذه المناسبة تكريم المهندس محمد السموني مدير عام مساعد في المكتب الوطني للسكك الحديدية وأحد الأطر المغربية المشهود لها بالكفاءة في مجال تخصصه، ويرجع له الفضل مع مهندسين آخرين في تطوير شبكة السكك الحديدية بالمغرب، كما تم تكريم الدكتور نجيب الزروالي الوارتي عميد كلية الطب في الرباط، ووزير التعليم العالي وسفير المملكة المغربية في تونس سابقا، والدكتور إبراهيم أقديم عميد كلية فاس- سايس ونائب رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله سابقا، ورئيس مؤسسة لسان الدين بن الخطيب للدراسات والتعاون وحوار الثقافات حاليا، كما تم تكريم الأستاذ والإعلامي عبد الرحيم نجمي، واحد من الإعلاميين المخضرمين وأحد المؤسسين لفرع المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بفاس.
واستحسن الجمهور الحاضر هذه المبادرة، وانتبه بعض المتدخلين إلى حرص السفير والوزير السابق الزروالي الوارثي وعائلة السموني بمختلف مسؤولياتهم الرفيعة ومستوياتهم العلمية على حضور الندوة من أولها إلى آخرها، وهو تعبير ينم عن سلوك أخلاقي وحضاري رفيع، وهو نادرا ما نشاهده عند أغلب المسؤولين والشخصيات العامة في المغرب.
وفي كلمة مقتضبة بمناسبة تكريمه، قال الزروالي:”زرت هذه الجامعة، قبل أن تكون كذلك. واليوم أجدني في غاية السعادة، وأنا أراها تزخر بإمكانات تجعلها في مقدمة الجامعات المغربية، وها أنا أرى حلمي قد تحقق أمامي..”. وأضاف الوزير:”تأثرت كثيرا بما سمعته نن شهادات في تكريمي، وأنا في المقام الأول خادم للوطن والمواطنين، وقد كنت دائما أعطي أولوية خاصة للثقافة. واستطعت أن أكون في كلية الطب جوقا للطرب الاندلسي، كما احتفلت بالطالب الفنان في كلية الطب، واستقبلت طلبة من عدة دول يمثلون ثقافات بلدانهم الإفريقية وغيرها”. وأردف قائلا:”لا زلت أتذكر يوم همست لي في أذني رئيسة اللجنة، ولم تكن سوى الفنانة المرحومة نعيمة المشرقي قائلة: “معالي الوزير، هل أنت متأكد من أنهم طلبة؟”. وعن الفترة التي قضاها سفيرا في تونس، قال الزروالي:” نظمت سهرة بالعاصمة تونس، وكانت حفلة مشتركة بين فنانين من البلدين، كريمة الصقلي المغربية إلى جانب لطفي بوشناق التونسي، وكانت الفنانة نجاة عتابو بدورها حاضرة، كما أقمت معرضا للباس والطبخ المغربي الأصيل هناك في تونس”.
وقال شهود حضروا وآخرون عن بعد بأن الدكتور نجيب الزروالي كان مهتما بالثقافة، وأعطاها أهمية كبيرة بشهادة كثير من المثقفين أنفسهم، لأن الثقافة تبقى هي الهوية الحقيقية لأي بلد. كما أن الإعلام الثقافي بدوره، هو أحسن سفير يعبر عن تاريخ وهوية المغرب، كما جاء في كثير من مداخلات الحاضرين.
تلته بعد ذلك كلمة نائب رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان ونائب رئيس جهة بني ملال- خنيفرة، ركزا فيها على علاقة الثقافي بالإعلامي، وتحدثا عن تكاملهما، وعن ما يعرفه الحقل الإعلامي حاليا من تسيب، ومن استفحال تفاهة متمدنة تعاني منها الثقافة المغربية، كما في كثير من البلدان في العالم.
وخص اخشيشن رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية على النضال من أجل “حرية التعبير” وبناء “الدولة الأمة”، والحرص على “انتماء المغرب إلى ثقافة قارة إفريقيا، لأن جذوره ممتدة في أرضها ومتجذرة بين شعوبها”، مؤكدا على أن الثقافة “جزء صلب في مستقبل أي أمة”.
أما الأستاذ عبد الفتاح الإدريسي رئيس “مؤسسة الإنماء” للإعلام، بصفته أحد المنظمين للمناظرة، فقد أكد من جهته على أنه من حسنات هذه المناظرة “تزامنها مع عيدي الاستقلال والمسيرة الخضراء”، وأن “سبب اختيار هذه الجهة مقرا للمناظرة، راجع بالأساس إلى مكانتها المتميزة في مغربنا الحبيب”، مردفا في ذات الوقت على “أن اختيار تكريم العلامة محمد السموني، كان بسبب نضاله من أجل المنطقة والوطن، ولأنه أيضا كان أول من أسس مدرسة للغة العربية في أبي الجعد، والتي تشرفت بتدشنها من طرف المغفور له محمد الخامس”.
الأستاذ مصطفى مجبر ألقى كلمة كذلك، بصفته شريكا في تنظيم المناظرة، وتناول فيها نيابة عن اللجنة المنظمة دفوعات حول توزيع المحاور بين ما هو ثقافي وديني، سواء في حفل الافتتاح بمدينة أبي الجعد، والتركيز على محور الإعلام الوطني، التعدد والهوية والإعلام الرياضي في المناظرة، وعلى تفعيل تقارب الشعوب وتكريم شخصيات أعطت بسخاء للوطن في بني ملال.
أما سفيرة السودان بالمغرب، فقد تناولت
في كلمتها العلاقات السودانية المغربية، وقالت أنها كانت دائما”متميزة عبر العصور، من حيث بعدها التاريخي والديني. والقائمة على الثقافة العربية المشتركة بين البلدين، وعلى الدين الإسلامي والمذهب المالكي المنتشر في السودان والذي انتقل إليه عن طريق متصوفة من المغرب”، كما أكدت السفيرة في ذات الوقت على “تواجد عدد كبير من مريدي الزاوية النيحانية في بلدها”. وأوردت بأنها “سعيدة بأن تكون هذه الدورة باسم أحد الصوفيين، وأن عددا من الكتاب والأدباء والشعراء من بلدي درسوا بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، من أمثال عبد الله الطيب”. كما تناولت في كلمتها بكثير من الأسى”الحرب المنسية في السودان، والتي دخلت شهرها 19″، وقالت في خضم كلمتها، قبل أن تختمها:” أنا جد سعيدة، لأنه عندنا في بلدنا قبيلة شهيرة تسمى إلى اليوم “قبيلة المغاربة”.
محمد السموني المدير المساعد في المكتب الوطني للسكك الحديدية قال في كلمته: “تكريمي هو تكريم لأبي الجعد كلها، وهي مدينة الأولياء والعلماء الصالحين”. وأضاف:”قضيت أكثر من 35 في المكتب الوطني للسكك الحديدية، ونفتخر جميعا كمجموعة عمل أن المغرب من بين الدول الكبيرة التي يوجد بها قطار فائق السرعة. وهو مشروع بدأناه في 2007م”. واردف قائلا:” كان الملك الحسن الثاني رحمه الله سنة 1999 مسافرا إلى مراكش عبر القطار، وكنا معه كمجموعة من المديرين، وأتذكر جيدا حين قال لنا رحمه الله تعالى:” أنا ممتبع للنقل الحديدي، وحلمي أن يكون عندنا tgv في المغرب بحال أوروبا..”.
وختم السموني كلامه بالقول:”أنا مهندس تقني، ولكن لي مثلكم جميعا حلم بأن أنخرط في العمل الثقافي..”.
الدكتور إبراهيم أقديم عبر من جهته كواحد من المكرمين في هذه المناظرة عن سعادته الغامرة بالمناسبة، وقال في معرض حديثه أن”الفضل في دخول الإعلام إلى الجامعة المغربية يرجع إلى جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس”، منوها في ذات الوقت بأحد رجالات الإعلام بالمغرب، وهو مندوب الاتصال بفاس يومها الأستاذ عبد السلام الزروالي الحايكي، وأضاف أقديم:”حين اتصلنا في كلية سايس- فاس بالأستاذ عبد السلام الزروالي رحب بالفكرة، وقدم لنا كل ما نحتاج إليه من دعم في خلق شعبة الإعلام والتواصل”، وختم كلمته قائلا:”أنا سعيد اليوم للغاية بتكريمي، وبتكاثر شعب الإعلام والتواصل بالجامعات المغربية، بعد أن كان الأمر مقتصرا على المعاهد الخاصة”.
أما المكرم ابن زاوية الشيخ عبد الرحيم نجمي، فقال في معرض كلمته: “نتمنى في المستقبل أن يكون الإعلام الثقافي حاضرا، وأنا جد سعيد بالتكريم وسط هذه الكوكبة من خيرة رجالات المغرب”.
وفي اليوم الأخير من المناظرة، تقدم الأستاذ والخبير في الإعلام الأستاذ عبد السلام الزروالي بقراءة التوصيات التي خرجت بها المناظرة الرابعة للإعلام “دورة الفقيه محمد السموني” أمام الجمهور الحاضر، في انتظار تفعيل بنودها على أرض الواقع.