الشَّاعرة والمسرحية المغربية ” حياة نهاري” تكتب عن التَّجربة الفَنِّية المسرحية للمسرحي والمبدع الرَّاحل ” محمد بنقدور”  رحمهُ الله.

0

تقول الْمُبدعة والشَّاعرة ” حياة نهاري” عن تجربة المسرحي الرَّاحل ” محمد بنقدور”:

(( من المؤسف جدا، أن نفتقد الفنان الذي يحملُ سِجلاًّ دهبيا مَنْقُوشاً بالْعَطاءِ المُتدفِّقِ، والفكر المتحمِّسِ المُنطَلِقِ، الشَّاهق بحثاً وقراءةً، المسكون بهاجس الكتابة والتحليل والنقاش المسرحي؛ المسرحي الذي كرس حياته للمسرح ..فكان خبزه وحِكمته.
أنجز ” محمد بنقدُّور” مسرحيات من بينها : ” صبر أيوب” ومسرحية ” صمت الْمِيم” سنة ٢٠١٥م؛ التي كانت سببباً في معرفتِي به لأولِ مرَّةٍ، كان قلبي ينبض بحبِّ الفن، وكنت أتمنَّى من الله أن أحتكَّ بجمعية أختبرُ فيها قدراتي، وفي يوم من الأيام التقيت في طريقي شخصا يعمل بالاتحاد المغربي للشغل(( umt))، فسألته هل لديه دراية بهذا المجال، قال لي أنه يعرف فنانا قد عاد من فرنسا، ودرس المسرح هناك، وهو متمكن يمكنني الاعتمادُ عليهِ، قدمت له امتنانِي وشُكري.
وهنا فُتحت باب معرفتي بالفنان المتألق العملاق الْمحترم ، الصديق المخلص الودُود الذي سحرني بنظراته النَّاطقة بحب الحياة، والتأقلم معها بآلامها ومساراتها ، إحساسه يرتدي ثوب الأمل، ضحكته كانت حَنِينا للمُستقبلِ.

كان يمشي بخطوات “بريستيجية”.كنت أحَدِّق في مِشيته الواثفة،فخلصت إلى أن الفن؛ هو الطاقة التي يحيا من أجلها تحرك طاقته الخبيئة وتجعله كفرس يصهل فوق الخشبة؛ كان كلامه عسلاً، يُحيي بدواخلنا الأمل ويحفزنا على العمل بحب وكلفٍ.
محمد بنقدور ، عصفور متسلح بأجنحة الحياة، يتنقل من مكان لآخر، باحثا عن الاستقرار، مرآته الحلم في تحقيق حياة أفضل.

في التَّدريب كان يلقي دروسه المسرحية؛ وكأننا في معهد، وفي نفس الوقت يحرص على الجانب التَّدريبي، كان أستاذا بمعنى الكلمة..
و قد كان أول عمل لي معه مسرحية: ” صمت الميم”؛ تدربت لمدة ثلاثة أيام رغم صعوبتها، فيما بعد شاركت في مهرجان دولي للضّحك سنة ٢٠١٥م.
تشجيعاته، وتحفيزاته في التركيز فقط في العملِ، وعدم الخوف والبساطة والانضباط في التداريب المسرحية .. يسرت أمامنا الكثير من المصاعب من قبيل: كيفية الوقوف أمام الجمهور بكل ثقة.
لقد عمل ” محمد بنقدور ” رحمه الله، على إحياء الأمل بقلبي ..فغدوت أتمتع؛ وأنا أتقمص الدور المنوط بي .. وكانت تغمرني روح المتعة فأنخرط في الدور ؛ وكأنني أشارك في سباق للظَّفر بالمرتبة الأولى.

كُلِّلَ العمل بالنَّجاح، فكان الفرح ينحني بأضحوكة في حضرته ، والحياء يستحيي من وجنتيه احمرارا، ..بعد عدة أشهر عرفني بفنان مقتدر، اسمه “محمد حفيان”، رحمه الله، كان يترأس جمعية اسمها ” المسرح العُمَّالي”، عرض علي العمل معهم، سُرِرتُ بالقيام بتجربة أخرى، قضيت سنوات في العمل، لكن للأسف، لم أتمكن من الاستمرار بسبب عوائق كثيرة ، مما أفضى إلى إفشال العمل.
اُنهكت قواي؛ حتى أنني كتبت شعرا وسمته بعنوان ؛” بكاء” ..كرهت كل شيءٍ يتعلق بالفنِّ، لأجد بركاناً يستعر بداخلي من جديدٍ..رقم يرن على هاتفي ليبشرني بعمل جيد وممتازٍ ؛ مسرحية بعنوان :” الملك لير ” مجهودات قيمة قمت بها، مع أنني لا أملك فِلْساً واحداً دهابا وإيابا، لأنني أقدسه و هو جزء مني.
كان العمل دَؤُوبا، وما يزال مستمرا حتى بعد رحيله؛ وذلك يعزى لأشخاص لا علاقة لهم بالفن والفعل الثقافي بتاتا.
لا يحضرون في الوقت، وتعوزهم المسؤولية وحِس الالتزام والانضباط..بالنِّسْبة لي كنت أفكر في إنجاح العمل..ودائما أقول : ” الفن مبثوث بداخِلي، والنَّقص مرض يُلاحِقُ النجاح وسرعان ماينتهي..واصل “محمد بن قدور “في تحقيق هذا الأخير، لكنه أصيب بمرضٍ عضالٍ ..ظل أسيره حتى الممات.
“محمد بنقدور”؛ كان فقيرا، لكنه كان غنيا بثروة الكتابة، والتَّأليف، والنقد، والتمثيل، والإشراف على الإخراج، ..عموما إنه كان فنانا شاملا..يلبس مرة عباءة الممثل، وتارة يدخل جُبَّة المخرج، وكثيرا ماكان يخيط بيديه ملابس الممثلين..” السينوغرافيا “.

وهنا يحضرني سؤالا ملحا :

_ لماذا يتم تهميش مثل هاته الطاقات ، وهذه الكفاءات؛ ويمارسُ في حقها الإقصاء والتَّهميش .. ويتم تمرير الإمتيازات لغير أهلها ..ولا تكرم إلا بعد مماتها ..؟!.

وختاما لا أملك من الأمر إلا أن أقول ..رحمَةُ الله عليك أيّها الفنان المحترف العارف بدهاليز الفن ..الذي عاش ومات لأجل الفَنِّ ..رحمك الله أيها الفنان المقتدر الذي مات، وفي قلبه حب المسرح وعشق الخَشبة ..لقد كنت مثالا للفنان المناضل الَّذي يؤمن بأن المسرح بوثقة الحياة وميلاد الفَرحِ ..”.

إعداد : عاشقة المسرح والفن ” الشاعرة حياة  نهاري”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.