صدام الثقافات: دراسة في التحولات الحضاري
فاطمة لمحرحر
الثقافة تغمر وجود الانسان، وتأثيراتها ظاهرة في جميع مناحي حياته، حتى لو بدا في أغلب الاحيان غير واع بذلك. إنها ما يطبع نمط سلوكه وحياته في المجتمع، ويشكل نسيجا لمعتقداته وتقاليده وتاريخه ولغته وفكره وآدابه وفنونه. ولقد غدا الاهتمام بإشكالية الثقافة في العالم اليوم، رهانا كبيرا بالنسبة إلى جميع المجتمعات، سواء فيما يرجع إلى ارتباطها بقضايا جديدة مثل: الديمقراطية وحقوق الانسان، التنمية والتحديث، أو فيما يخص مسألة العلاقات بين الدول والشعوب والثقافات. و الظاهر أن مفهوم الثقافة كما يتداول حاليا في فضاء الفكر المعاصر، ينحو تدريجيا للاحتلال مكانة مفهوم الايديولوجيا الذي ظل مهيمنا على ساحة الفكر السياسي والفلسفي فترة طويلة تجاوزت القرن. ولكن يبدو الان أن نجمه بدأ يأفل، وذلك منذ نهاية ما سمي بالحرب الباردة وانهيار الانظمة الشمولية في أوروبا. فالوجود التاريخي والحضاري لا يقوم إلا على مبدأ التعدد فالشمال لا يمكنه أن يستمر في الحياة بتحقيق تواصل بالآلات والبضائع والكلام السياسي الفارغ، وإنما يجب أن ينخرط في مشروع تواصل ثقافي وحضاري مبني على احترام القيم الانسانية ومبدأ التعدد الحضاري.
يختزل العنوان مصطلحات ذات دلالات مشكلة وعميقة، فهو يجمع بين مصطلح ثقافات وصدام والتحولات والحضارة والترابط بينها يعني مطولات من الكتابات الفلسفية الممهدة لأجل أن نجمعها في سياق منطقي، لكن دواعي وجودها في هذا السياق وفي موضوع واحد جاء بسبب أحداث ومجريات واقعية أملت علينا وضع مقاربات تصورية يمكن من خلالها فهم هذا الواقع، وما ترتب عنها من تحولات حضارية. حيث بدأت الكتابات عن صدام الثقافات أو الحضارات تشغل تفكير الكثير من الاستراتيجيين والمهتمين بالشأن الدولي والعلاقات الدولية على الخصوص، حيث صار يأخذ نصيبا كبيرا من المساحات الاعلامية، خاصة بعد أحداث 11 شتنبر وما نتج عنها من انعكاسات وتحولات مست مختلف أرجاء العالم كان محورها صدام الثقافات. وكما قال المهدي المنجرة، فنحن نواجه صراعا جديا في مجال القيم، وقد أصبح في دخول نادي الدول نوع من المقاومة من جانب الاعضاء القدمى، فهم يقيمون الحواجز حتى لا يتعرفوا بالهوية الثقافية للأعضاء الجدد. ويوجد نوع من التحمل ولكن لا يوجد تقبل صاف أو ترحيب مخلص بقيم الجنوب، ذلك لأنه لا يوجد جهد جاد لمحاولة فهمها. وهذا لب الخيبة التي تصيب الحوار بين الشمال والجنوب. و أما السبب في كون الصدام الثقافي أساسيا لهذا الحد، وفي كون التغير يقتضي عملية ضخمة في مجال التعلم الفردي والجماعي، فإنه يمكن إرجاعه إلى مشكلتين إحداهما مشكلة الاستقطاب وثانيهما مشكلة إعادة التوزيع. إن التحول الحضاري قد يكون تلفيقيا شكليا ويتسارع حدوثه في البيئات المقلدة والناقلة وليس في البيئات الفاحصة والناقدة، والنقل الاعمى والمندمجة الكلية لحضارات أخرى. مختلفة شكلا ومضمونا، يجعل هذه الحضارة في مهب الريح. لكن هناك من قد يدعي بقاء مضمون صدام الثقافي، بينما الشكل والمظاهر العامة وتحكم جوانب التغير المجتمعي كلها، من اللغة إلى الثقافة إلى الاعلام إلى الاقتصاد. كما أن هناك أشكال أخرى على المستوى الفردي وردة فعلهم من تلك التحولات، حيث تأتي كثير من الاحيان أسبق من وعي الناس بها فينتج عن مجال التأثير من هذا التحول فئتان في المجتمع الفئة الهامشية التي تروقها الاشكال والظواهر وغالبا ما تذوب بسرعة في ذاك المعطى الحضاري الجديد الفاتن، والفئة الاخرى الت لم تتواكب مع قبول هذه السرعة من التغير الاجتماعي فتعمد إلى الانكفاء والمواجهة أو الهجرة، لأجل البعد عن واقع التحول الجديد.
وبالتالي ما يمكن قوله أنه مع دخول الالفية الجديدة كانت هناك أمال كبيرة في ان الامور سوف تتغير للأفضل من حيث السلام وتحقيق الامن البشري والتنمية للمجتمعات نتيجة لموجات التحول الديمقراطي في العالم، وخلافا فقد أفرزت تلك الامال أقل النتائج توقعا فبدلا من أن تهدأ العواطف القومية والاثنية، أصبحت في أيامنا محددا مستمرا، فالصراعات المعاصرة غدت تغديها الابعاد الثقافية والحضارية والدينية، تمثل الشكل الرائج للعنف الجماعي وسبب اللاستقرار في العالم وهو ما يثبت أن الصدامات الثقافية والحضارية من الاسباب الرئيسية لتهديد الامن في العالم.