تاونات تحتفي بفنــــون العيطة الجبلية

0

 

اعداد الباحث :

يوسف بنوار

 

عرف مختبر التواصل الثقافي وجمالية النص تنظيم محاضرة تكوينية لفائدة طلبة الدكتوراه والماستر في موضوع الذاكرة الأندلسية الموريسكية – الشعر العبري المورسكي نموذجا- وذلك يوم الجمعة 24 ماي 2019  بكلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز بفاس, حيث أطر هذا الحدث الأستاذة الدكتورة سناء الراشدي.

حضر هذا الحدث ثلة من الأساتذة الباحثين وطلبة سلك الدكتوراه والماستر وعدة فعاليات أخرى متعددة التخصصات, وذلك في سبيل اتباع مراجع المعرفة العلمية والأخذ من تجاربها وامكانياتها.

 

استهلت هذه المحاضرة بتمهيد عام حول الموضوع, وكذلك تبيان التصور العام الذي سيتم تناوله, والتي اتاحت الفرصة للحضور لمعرفة ما تحمله الذاكرة العبرية الموريسكية من مخزون فكري وثقافي من خلال الأدب والشعر والعلوم المتعددة الأخرى.

في هذا الاطار استهلت الدكتورة المحاضرة تقديم السياق التاريخي للذاكرة الأندلسية الموريسكية في الأدب والشعر العبري الأندلسي الذي ضم فكرتين رئيسيتين:

 

  • احتكاك اللغة العبرية بقرينتها العربية جعلتها تنسلخ من قداسة اللغة التي كانت حكرا على الحاخامات أو رجال الدين, والتي يعتبرونها ” لغة مقدسة ” وتنطق بالعبرية  “لاشون هاقوديش” والتي لا يمكنها أن تقرأ لأجناس أدبية أخرى غير النص الديني.
  • اعتبار أن العصر الأندلسي هو العصر الذهبي للغة العبرية, ومن تم أعطت متنفسا لانبثاق الشعر من خلال احتكاكه بالأوساط اللغوية العربية التي أغنته بأسلوبها, فأخذ اليهود من العربية البحور الشعرية, وكذلك ظهرعلم النحو في العبرية التي لم تكن مقعدة آنذاك خاصة منه في الجانب المتعلق بقوانين النظم وأسسه ذات المنحى الايقاعي والدلالي, ذلك أن اللغة العبرية كانت تشكو من فقر مدقع من حيث معجمها, سواء على مستوى الكم أو النوع مما كان يحول بينها وبين تجربة الخوض في أي حقل ثقافي أو معرفي, الا أنها استطاعت أن تتجاوز هذا العائق من خلال انفتاحها الشامل على المعجم العربي الغني بدلالاته ومرجعياته الضاربة في أغوار ذاكرة الحضارة الانسانية, وبذلك أثبتت أهليتها في اقتفاء أثر الأعلام العرب من شعراء وكتاب فبرعت اللغة العبرية في تدبيج الخطب والمراسلات كما هو معبر عنه في تنويه ” موسى بن عزرا[1] ” ب “ابن النغريلة” باعتباره نموذجا متقدما من نماذج الأدباء الكتاب اليهود. كما أنه برز في العصر الموريسكي من يهود الأندلس بعض الكتاب الذين ألفوا كتبهم باللغة العربية, والذين تأثروا بالثقافة العربية والحضارة الاسلامية, فعرفت هاته الكتابات باسم “Judio-Arab”, ولا يفوتنا في هذا السياق أن نذكر ببعض الشعراء اليهود الذين كانوا سباقين الى توظيف الأوزان العربية في الشعر العبري, مثل “دوناش بن لبراط”, الفاسي المولد والنشأة البغدادي التعليم والثقافة, الى جانب يهودا بن داوود وحيوج المشهور عند العرب بأبي زكرياء يحي, ويونا بن جناح القرطبي المعروف بأبي الوليد, وشلومو بن جبريل بأبي أيوب سليمان بن يحيى[2]. هؤلاء ساهموا بنهضة لا مثيل لها للغة العبرية في مجال الشعر والأدب.

 

انتقل حديث الدكتورة المحاضرة الى تناول دور الكتاب والمؤلفين والفلاسفة ومساهمتهم في بلورة هذه الذاكرة الموريسكية الأندلسية ضمن السياق العبري, والذين كانوا موسوعي الثقافة فكانوا يجيدون اللغات والترجمة  خصوصا الترجمات العبرية العربية, فكان من أبرز هؤلاء الشاعر موسى بن عزرا الذي كتب “الحقيقة في معنى المجاز والحقيقة” وكذلك “المحاضرة والمذاكرة” التي سرد فيها التسامح بين الثقافات الأندلسية, أيضا ابن جناح القرطبي اليهودي الأصل الذي ألف كتاب ” التنقيح” واليه يرجع الفضل في نشوء علم النحو. أيضا تم ذكر أعلام أخرى ساهمت في تطوير الأدب والشعر العبري فكان من بينهم أيضا سعديا الفيومي, أبرهام بن داوود, والفيلسوف موسى بن ميمون, اسحاق الفاسي وغيرهم كثير.

 

جاء الشق الثاني من هذا العرض تحليلا لمقتضيات هذا الموضوع وذلك من خلال معالجة ذلك التداخل الثقافي لليهود ضمن الحكم الاسلامي الأندلسي ومدى تأثيره على المستوى اللغوي للشعر والأدب واللغة العبرية, حيث كان هناك عدة استعمالات لكلمات عربية في الشعر العبري والتي أبانت عنه الدكتورة المحاضرة بعدة من القصائد العبرية التي تأثرت باللغة العربية.

 

هذا وقد تم تناول عدة قصائد شعرية عبرية مجدت دور الثقافة الاسلامية في دعم الأدب اليهودي, الذين أقرو في بعض من قصائدهم أن الشعر البديع كان مقتصرا على بني يعرب, كما قامت الدكتورة بسرد عدة نماذج للشعر العبري باللغة العبرية مع شرح لمضامينها – بحكم اختصاصها وتمكنها من اللغة العبرية – مما أتاحت الفرصة للحضور الاضطلاع على محتوى الشعر العبري بشكل حصري مع سماعه بلغته الأصلية.

ومن خلال تأملنا في معطيات هذا العرض يمكننا استخلاص العناصر التالية:

  • تلقائية تمازج الشعب اليهودي بالشعوب الاسلامية, على أساس أن التواصل اللغوي هو الذي يؤدي الى التواصل المعرفي وهو ما يعني تمرس الأدباء اليهود بقواعد كتابة اللغة العربية وآدابها. في هذا السياق, سبق وأن أشارت الدكتورة المحاضرة سناء الراشدي من خلال كلمتها التي ألقتها ضمن أعمال الندوة الدولية[3] بعنوان: المكون العبري في الثقافة الأندلسية: الأندلس وحوار الحضارات الى أن ظاهرة نظم الشعر العبري بدأت تتبلور في عصر الأندلس على غرار الشعر العربي شكلا ومضمونا, معتمدين في ذلك على احتذاء العناصر المعتمدة في نظم القصيدة العربية مقلدينها في المدح كما في الغزل والرثاء والفخر وباقي الأغراض الشعرية, مع الاشارة الى أن هذا التقليد لم يعد خصوصية شعرهم المتمثلة في تشبع نصوصهم بروح الحنين الى أرض الميعاد, مع التنبيه الى أن هذا الشعر النموذجي لم يصرفهم عن الاستمرار في كتابة قصائد تستمد مادتها من الألغاز والأحاجي, وفي هذا الاطار نستحضر شهادة حاييم شرمان, والتي يقول فيها:” لقد أخضع الشعراء اليهود الشعر العبري للقوالب الفنية التي كانت عليها القصيدة العربية وذلك التي أدخلها دوناش بن لبراط الى القصيدة العبرية”. ومن بين النماذج التي تعتبر في نظر الباحثين والمتخصصين الأكثر تمثيلا للشعراء اليهود بالأندلس نجد هناك يهودا هاليفي, وأبراهام بن عزرا, وموسى بن عزرا.
  • الاعتراف الصريح بتمدرس الشعراء اليهود على الشعراء العرب المسلمين.
  • الذاكرة العبرية هي خليط بين ثقافتها الأصلية ومثيلتها العربية في عصر الأندلس, والتي يعتبر عصر اعادة بناء المكونات المعرفية اليهودية.

ونخلص في نهاية هذا العرض الى التأكيد على أن الأندلس كانت بمثابة فضاء نموذجي شاهد على عمق حوار ثقافي وحضاري, كان قائما على قناعة راسخة مفادها البحث عن تلك الأجوبة الشافية لأسئلة متعددة ومتشعبة كانت تشمل الشعر والأدب, كما كانت تشمل الفكر والفلسفة والعقيدة, فلم يترددوا اليهود – كعنصر أساسي من هذا المزيج الحضاري المتعدد – في النهل من منابع اللغة والثقافة الاسلامية الغنية بالعطاء, دون أن يضطرهم هذا الاقبال الى التنازل القسري عن هويتهم أو الدخول سجلات صدامية تهددهم في قناعاتهم أو مواقفهم.

اختتمت فعاليات هذه المحاضرة بفتح باب طرح تساؤلات ونقاشات في اطار الموضوع, فكان تفاعل الحضور مترجما لنجاح هذه المحاضرة القيمة الذي أحالتنا على معرفة الآخر العبري انطلاقا من أدبه, لغته والأعلام التي ساهمت في تطويره.

[1]  هو موسى بن يعقوب بن عزرا: المولود بغرناطة سنة 1055-1138م والذي يعد من أشهر شعراء عصره, على أساس نبوغه في جل الأغراض الشعرية, كما يعرف بإحاطته بكثير من العلوم والفنون التي كان يعتبر المام الشاعر بها مكسبا أساسيا يؤشر على عمق ما يتوفر عليه من زاد معرفي وثقافي.

[2]  انظر كتاب: أعمال الندوة الدولية: المكون العبري في الثقافة الأندلسية: الأندلس وحوار الحضارات, تنسيق الدكتورة سناء الراشدي. آنفو-برانت, 2017, ص: 77

[3]  المرجع نفسه, ص 74

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.