خديجة قرشي عضو رابطة كاتبات المغرب
كانت تحتفل بعقد قرانها حين سقط جدار برلين، ولأنها كانت من دعاة الحرية وحقوق الإنسان، احتفلت وزوجها بهذا الحدث أيضا، فتوحيد الألمانيتين كان له طعم خاص لا لشيء إلا لأنه كان حدث الساعة، تناولته الصحف اليومية وقنوات الإذاعة والتلفزة الوطنية والدولية بالدراسة والتحليل.
رافقهما الحدث خلال شهر العسل، كانت سعيدة لتزامن زفافها مع سقوط حاجز فرق طويلا بين الألمان في الغرب والشرق، لذلك اعتبرته حينئذ بشرى خير بالنسبة لزوجين حديثين وإن كان الأمر لا يعنيهما في شيء.
مرت السنة الأولى سريعا كحلم جميل واحتفلت بعيد زواجها كما احتفلت بذكرى سقوط الجدار، دون أن تدرك أن الصرح الذي بنته وإياه بدأ ينهار شيئا فشيئا حين نما بينهما جدار أبعدهما عن بعض.
كانت تجلس بهدوء، تستحضر الذكرى وسط غرفة مرتبة، مطلية جدرانها بلون أزرق، في تناغم شديد مع أثاث حديث داكن الزرقة وأمامها على الطاولة، الخشبية الصغيرة كأس شاي بالأعشاب لم تستسغ مذاقه.
لم تعر اهتماما لأصوات الشغب المنبعثة من أنحاء البيت ولا لصراخ الصحفي الذي كان يدير حوارا على القناة التلفزية الوطنية، محاولا توجيه ضيوف البرنامج وتنظيم تدخلاتهم دون جدوى. كل هذه الأصوات النشاز كانت تمر كنسمة ريح باردة، تلفح وجهها قليلا، لكنها لا تترك عليه أثرا.
تبتسم، تتذكر سقوط الجدار، كما تذكر مساء بعيدا توافقا فيه على أن يكون جميلا لا خصام يطبع سماءه ولا حتى عتابا يحول دون احتفالهما بعودتهما إلى بعض بعد جفاء.
كانت مرتبكة، تخشى أن يفضحها توترها. تزيغ نظراتها يمنة ويسرة، كلما التقت عيناهما، تلامس خصلات شعرها، تلاعبها بيد مرتجفة تخفي ملامحها وتعفيها من حرج السؤال.
هل تسامحه؟ هل بإمكانها النسيان؟
كانت تسائل قلبها حين رن جرس الهاتف وساد بينهما صمت رهيب، وفي لحظة، لمع في عينيه فرح طفولي وقفز نحو الهاتف قبل أن يتراجع المتصل على الخط الآخر ويقطع الاتصال. نبس بكلمة ثم حمل معطفه وغادر بشكل سريع لم تتوقعه ولم تتقبله.
مندهشة كانت، في داخلها كتلة من المشاعر المتناقضة. هل تفرح؟ هل تغضب؟ هل تنسى الغدر؟
أحست بالألم يزحف نحوها، يغرقها في دوامة من اليأس، وقبل أن تتشكل صورة ما وقع أمام عينيها، لملمت أشياءها الصغيرة بسرعة كأنها تسابق القدر ورحلت حتى لا تتعثر أو تسقط كما سقط الجدار.