خديجة قرشي
عضو رابطة كاتبات المغرب
أصبح معظم الفرنسيين يهتمون بعاداتهم الغذائية، إذ يفضلون استهلاك مواد صحية ذات جودة ومعروفة المصدر، لذلك كانت الصدمة شديدة حين اكتشف المستهلك الفرنسي والأوروبي عموما أن وصفات النوتيلا (Nutella) ومشروب الكوكاكولا ومسحوق الشوكولا نسكويك (Nesquik) تختلف من بلد لآخر. فقد تم اختبار 22 منتوجا غذائيا في سلوفاكيا وتبين أن العناصر المُكونة لوصفاتها تختلف من منطقة إلى أخرى قد لا تبتعد إلا ببضع كيلوميترات، الشيء الذي دفع سلوفاكيا وهنغاريا لإثارة هذه القضية أمام اللجنة الأوروبية وفضحا بذلك إحدى الظواهر المنتشرة التي تلجأ إليها بعض شركات الصناعات الغذائية التي تختار مكونات أقل جودة لمنتوجاتها، إلا أنها تعلل هذا الاختلاف باحترامها لخصوصية وأذواق كل بلد، وهو ما يتنافى مع مبدأ الشفافية الذي يطالب به المستهلك على الدوام.
ولعل تكرار الأزمات الصحية (حليب الأطفال الملوث Lactalis) جعل المستهلكين في فرنسا يفقدون ثقتهم في المنتجات الغذائية، بحيث أثبت استطلاع للرأي قامت به مؤسسة Kantar Worldpanel أن 67 % من الفرنسيين قلقون بخصوص أمنهم الغذائي، و 79 % منهم يؤكدون احتمال خطورة المواد الغذائية المصنعة التي يستهلكونها، وهو ما يفسر انتظارات ومتطلبات المستهلكين فيما يتعلق بالجودة.
تغير المستهلكون وأصبحوا أكثر خبرة
ترى إحدى مؤسسات اتجاهات الغذاء والاستهلاك والاستشارات الاستراتيجية والتسويق الغذائي أن المستهلكين في فرنسا أصبحوا متطلبين وأكثر خبرة ومعرفة ويتجهون لتغيير عاداتهم الغذائية بتفضيل مواد صحية وأصلية، لذلك تعمل مجموعة من الشركات على إعطاء الأولوية للمنتجات الطبيعية أو الأقرب إليها والابتعاد ما أمكن عن استعمال المواد المعدلة وراثيا (OGM) والدهون النباتية المهدرجة جزئيا والملونات الصناعية ومحسنات الذوق، إضافة إلى زيوت النخيل إلا عند الضرورة.
وقد عرف استهلاك المنتجات الطبيعية العضوية (Bio) ارتفاعا مهولا خلال سنوات قليلة، بحيث تجاوزت نسبة تسويقها 20 % سنة 2017 (113,2مليار أورو( مقابل 7 مليار أورو سنة 2016 في السوق الفرنسية، حسب إحصائيات بوابة statista التي تضيف أيضا أن الفرنسيين لا يفكرون في استهلاك المنتجات الطبيعية فقط من أجل الحفاظ على صحتهم، ولكنهم يريدون أيضا الاستمتاع بما يستهلكون. ويمكن تفسير الحاجة إلى الإحساس ب”الأمن الغذائي” من قبل المستهلك، بالبحث عن مواد ومنتجات معروفة المصدر، الشيء الذي يدفع شركات الصناعات الغذائية إلى الإشارة والتأكيد على العلامات المميزة للمنشأ والجودة.
مفارقة
تبدو الاتجاهات الكبرى للاستهلاك في المجال الغذائي بفرنسا واضحة، خاصة أن المستهلكين يريدون غذاء صحيا ومتوازنا وجيدا ويفضلون العمل بمبدأ “كل أقل، لكن أفضل”، وهم بذلك ينتبهون أكثر فأكثر لما تحتويه صحونهم.
ويظل الابتكار والبحث عن أفكار جديدة وسيلة لتطوير الصناعات الغذائية وفقا لمتطلبات المستهلكين وأخذا بعين الاعتبار شروط السلامة الصحية ومبادئ الشفافية والمصداقية.
خديجة قرشي
عن مجلة Inter Média بتصرف