الاجندة المغربية للتنمية الوطنية المستدامة نحو اقتصاد أخضر شامل ومندمج في أفق 2030

0

فاطمة سهلي : طنجة


تلتزم المملكة المغربية بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة وتضعها في مقدمة أولوياتها بما يتفق مع خصوصيتها وثوابتها وتستند هذه الرؤية على محاور مهمة منها  المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح لتحقيق بيئة مرنة ومستدامة
واستنادا لهذا وبدعوة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، تم تكليف لجنة وطنية مؤلفة من عدة قطاعات حكومية بإعداد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي  تمت بلورة مشروعه بمساهمة وانخراط جميع المواطنين المغاربة ، أينما كانوا حول العالم، واعتماد نهج تشاركي بقيادة الوزارات المعنية، ومشاركة عدة جهات من القطاعين العام والخاص والجمعيات والمؤسسات من أجل تحقيق الأهداف المتوخاة منه
و قد جاء في كلمة صاحب الجلالة في خطابه إلى الأمة في 30 يوليوز 2009

“فإن المغرب، وهو يواجه، كسائر البلدان النامية، تحديات تنموية حاسمة وذات أسبقية، يستحضر ضرورة الحفاظ على المتطلبات البيئية”. و إن مواجهة هذه التحديات تحتم ضرورة التشاور و الانخراط الفعلي للشعب المغربي قاطبة
كما قال صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله :

“…. وفي هذا الصدد، نوجه الحكومة إلى إعداد مشروع ميثاق وطني شامل للبيئة يستهدف الحفاظ على مجالاتها ومحمياتها ومواردها الطبيعية، ضمن تنمية مستدامة. كما يتوخى صيانة معالمها الحضارية ومآثرها التاريخية، باعتبار البيئة رصيدا مشتركا للأمة، ومسؤولية جماعية لأجيالها الحاضرة والمقبلة ويعتمد محورين 
البيئة الكلية ، باعتبارها تراثا طبيعيا وثقافيا، وهي فكرة تدعو إلى الحفاظ وصيانة جميع عناصر البيئة الطبيعية والثقافية ومنع جميع أشكال التدهور أو التلوث التي من شأنها تغيير هذا التراث الوطني
التنمية المستدامة، والذي يهدف إلى التذكير بأن مفهوم التنمية المستدامة
– 
يجمع بين الفعالية الاقتصادية والتطور الاجتماعي والحفاظ على البيئة؛
– 
يلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها
و باختصار سيمكن الميثاق من إدماج متكامل لحماية البيئة في مسلسل التنمية المستدامة مهما كان حجم التحديات القطاعية التي على البلاد مواجهتها في إطار هذا المسلسل
إن الطابع الحساس للموارد الطبيعية الوطنية وندرتها و ميلها للتراجع إضافة إلى التزايد المستمر لعدد السكان، يؤثر سلبا على جودة الحياة و التنمية الاقتصادية والاجتماعية
، فضلا عن المخاطر المناخية التي تمس الموارد المائية والزراعة، وهذا يؤدي إلى تفاقم المشاكل السوسيو-اقتصادية، لا سيما في المناطق الريفية. لذلك يلجأ سكان هذه المناطق إلى الإفراط في استغلال الأراضي والموارد المائية والغابات من أجل تلبية إحتياجاتهم كما أن التطور الذي عرفه المغرب خلال العقود الماضية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية الحيوية خصوصا في مجالات الزراعة والصناعة، و الصيد البحري، والتنمية الحضرية ، والبنية التحتية، والسياحة ، خلف تأثيرات سلبية على نوعية البيئة والتي يتطلب تصحيحها  
ووفقا للتقديرات الأخيرة، فإن محنى التراجع البيئي يقدر بنحو 13 مليارات درهم ، أو ما يعادل 3.7 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي
وإن السياق الحالي يطرح تحديات كبيرة للتنمية المستدامة تسعى السلطات جاهدة لمواجهتها. وفي هذا الصدد ، وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمره السامي إلى الحكومة لإعداد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، الذي يجب بموجبه أن يأكد على حق الجميع في العيش في بيئة صحية ، وتكرس لمفهوم الواجب تجاه البيئة، سواء كان واجبا للمواطنين، أو من للفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين أو واجب السلطات العامة
إن أهمية هذا الميثاق أصبحت ملحة مع التزام المغرب التزاما قويا في عملية التنمية المستدامة على المستوى الدولي، وأنه أعرب عن استعداده للعمل بنشاط من أجل تحسين الإدارة البيئية من خلال التوقيع والتصديق عليها الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الرئيسية ، لاسيما تلك المنبثقة عن قمة ريو دي جانيرو. وهي تشمل “برنامج العمل للقرن 21” ، واتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، واتفاقية الإطار للأمم المتحدة المتعلقة بالتنوع البيولوجي ، والاتفاقية الإطار للأمم المتحدة لمكافحة التصحر، واتفاقية “رامسار” Ramsar  وغيرها
إن دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى وضع مشروع ميثاق وطني شامل للبيئة تعزز مختلف التدابير الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتي تندرج في إطار عملية التنمية المستدامة للمملكة المغربية
وإذ يعد مشروعا مجتمعيا ضخما ، يهدف الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة”CNEDD ، إلى احتواء الآثار المترتبة عن النمو السكاني والمشاكل المتصلة بمشاريع البنية التحتية الكبيرة ، والاحتياجات فيما يتعلق بالصحة العامة الإكراهات المتزايدة في مجال التعليم. إن هذا الميثاق أفضل وسيلة لضمان تطوير وتشغيل “التراث المشترك للأمة” ضمن مفهوم التنمية المستدامة
إن على كل الجهود التي تبذلها القوى الحية المملكة أن تتقارب لضمان نجاح هذه الرؤية قصد تحقيق التنمية المستدامة، والتي من شأنها أن تغير مجتمعنا في حجمها الحاضر والمستقبلي ، وإلى تحقيق الرفاه من خلال
استحضار جماعي للوعي البيئي ، وإجراء تغيير لا غنى عنه في السلوك
وجود التزام قوي لمختلف الجهات والفاعلين السوسيو-اقتصاديين
حماية الجودة والمكونات المختلفة للتراث الطبيعي والثقافي ؛
تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية وثقافية قادرة على إحداث تحسن كبير في جودة الحياة والظروف الصحية للمواطن
وبالتالي ، يمكن إحداث عدة تغييرات في حياة اليومية لمواطنينا :
توعية المواطنين مع مشاركة أكبر في مجال البيئة وإخراج “المواطنة البيئية” إلى حيز الوجود.
المساهمة في تحسين جودة الحياة ”التلوث وسلامة الغذاء”.
الحد من النفايات والزيادة في عملية إعادة تدوير النفايات.
تطبيق أفضل للقوانين، إلى جانب فرض عقوبات رادعة اضافية.
أهمية واجب الجميع في حماية البيئة وإصلاح كل ما يضر بها.
أهمية وجود طرق العمل التحفيزية في السياسات البيئية، والتي يجب أن يكون من أهدافها منع وتقليل كل ما من شأنه أن يشكل خطورة أو ضررا بالصحة، والحفاظ على التنوع البيولوجي وجودة التراث الطبيعي.
التضامن بين الناس وبين المناطق ضمن رؤية للتنمية المستدامة.
أهمية التعليم، والمشاركة، والبحث والتقييم.
قريباً سيمكنكم الإطلاع على مشروع الميثاق حتى نتمكن جميعا من بناء المغرب.
المبادئ الرئيسية للميثاق 
يعد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة أداة رسمية لضمان الحق الأساسي لكل إنسان في العيش ضمن بيئة صحية تحترم التراث الطبيعي والثقافي الذي يعتبر ملكا مشتركا بين الأمة بأسرها.
وهذا الحق أيضا نداء إلى جميع الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين ، لعدم تقويض سلامة البيئة الطبيعية ومختلفة توازناتها، ولضمان الانتفاع به بطريقة رشيدة ومسؤولة لضمان الاستدامة للأجيال المقبلة، وذلك ضمن منظور التنمية المستدامة. كما ينص الميثاق على جميع القيم الأساسية التي تكون قادرة على توجيه العمل الحكومي ، وعلى تعزيز المكانة التي يجب ان تحظى بها البيئة من خلال ميثاق شامل.
والميثاق أيضا آلية بشرية يضع في محور مبادرته حاضر المغرب ومستقبله.
وهذا المجموعة من التدابير سيتم تنفيذها ومتابعتها على مدى عدة سنوات.

 ويهدف بشكل أساسي إلى ٍ جعل المملكة أفضل وجهة للعيش للمواطنين والمقيمين على حد سواء. وتحرص المملكة على تنفيذ إلاصالحات الاقتصادية التي تضمنتها الرؤية بهدف تحقيق التوازن المالي وإصالح منظومة الدعم في إطار نظام حماية اجتماعية يقي الفئات ذات الدخل المحدود والضعيفة من تأثيراتها السلبية.
 ويتضمن الميثاق ستة أهداف استراتيجية بإجراءات محددة تضم تعميم المقاربة البيئية داخل المباني العمومية وذلك باستعمال تكنولوجيات النجاعة الطاقية لمكافحة جميع أشكال هدر الطاقة وتشجيع استعمال الطاقات المتجددة، وترشيد استعمال المياه وتقليص استهلاكها المفرط، وترشيد استهلاك اللوازم المكتبية، وادخال تقنيات البناء المستدام في جميع المباني العمومية الجديدة

ويتعلق الإجراء الثاني بانخراط المؤسسات العمومية في منطق تدبير وتثمين النفايات بالحد من إنتاجها من خلال الاستهلاك المعقلن والاقتناء المسؤول، وإعادة استعمال المنتجات أو المخلفات، قدر الإمكان، قبل اعتبارها نفايات نهائية، وإعادة تدوير المواد الأولية الموجودة في النفايات، وتثمين النفايات من الناحية الطاقية أو بإنتاج السماد

ويتمثل الإجراء الثالث في تعزيز مبادرات دولة ”مُشغِّلة مسؤولة” بتحديد أهداف داخل الوظيفة العمومية من حيث معدل التأنيث الذي يتعين تحقيقه حسب فئات المناصب الإدارية والتأطيرية، من أجل مراعاة مساواة الولوج للرجال والنساء لمناصب المسؤولية؛ واحترام نسبة 7 في المئة من الوظائف المخصصة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الإدارات والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وتوفير البنية التحتية اللازمة لتمكينهم من أداء مهامهم

أما الإجراء الرابع، فيروم دمج نهج تشاركي وتحسين الشفافية وذلك بتعزيز آليات التنسيق والتشاور وإشراك المجتمع المدني في إعداد وتقييم السياسات العمومية؛ وتفعيل قانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات؛ وتسريع تنزيل الإستراتيجية الوطنية للوقاية ومكافحة الفساد

ويسعى خامس الإجراءات إلى تشجيع المشتريات العمومية المستدامة والمسؤولة من خلال إدماج مبادئ الاستدامة في الإطار القانوني الذي يؤطر المشتريات العمومية؛ وتعميم وتنظيم شراء معدات مقتصدة للمياه والطاقة عن طريق وضع نظام للمعايير والعلامات الإيكولوجية؛ وإعداد خطة للتواصل والتوعية خاصة بالمشتريات المستدامة؛ وتزويد المشترين العموميين بدلائل الإرشاد والدورات التدريبية

ويتمثل الإجراء الأخير في تعزيز مثالية الفاعلين العموميين في مجال التنقل بالعمل على تعزيز استخدام السيارات الكهربائية والهجينة من قبل الفاعلين العموميين؛ وتسريع استبدال السيارات القديمة بأخرى نظيفة، تحترم على الأقل معيار 120 غرام من ثاني أوكسيد الكربون في الكيلومتر الواحد؛ وتوفير التداريب لصالح السائقين في الإدارة العمومية على القيادة الإيكولوجي

  أن اهداف الـتنمية المستدامة والإلجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية لتحقيق أجندة التنمية المستدامة 2030 .تأتي كنتيجة منطقية لعزم الملك محمد السادس نصره الله والشعب المغربي الراسخ على تسريع وتيرة التحول الاجتماعي والاقتصادي من خلال البناء بصورة عملية على المنجزات والسياسات والمؤسسات القائم وتنسيق بصورة أكثر فاعلية بين القيادات ملكا وحكومة ومواطنين يحدوهم منطق تضافـر الجهود وعدم ازدواجيتها، لتعزيز أهداف التنمية المستدامة على المستوى المحلي والوطني مع أهداف التنمية العالمية وغاياتها ومؤشراتها، مع تعزيز الشراكات الدولية وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة ً بين الدول، ودعم السلم وألامن والاستقرار باعتبارها مطلبا ً أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية ً والاجتماعية والبيئية.

 والمملكة المغربية لن تدخر جهدا للتعاون مع كافة ألاطراف الفاعلة في كل ما يسهم في تحقيق هذه ألاهداف على المستوى العالمي، مع مواصلة أداء دورها الريادي على المستويين إلاقليمي والدولي في كل المجالات في ذات الان .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.