تأثير التغيرات المناخية على الصحة
فاطمة لمحرحر باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة
كلية الحقوق فاس
في السنوات القليلة الماضية، أصبحت التغيرات المناخية التي تعزى إلى زيادة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي واقعا ملموسا؛ ومنذ الثورة الصناعية، تنبعث الغازات الدفيئة الطويلة الامد بمعدلات عالية جدا من محركات الاحتراق في البلدان المتقدمة والنامية.
وبالتالي ، فإن المتوسط العالمي لدرجة الحرارة قد ارتفع بالفعل بمقدار 0,8 درجة تقريبا على مدى القرن الماضي، كما أن مستوى سطح البحر يرتفع بمعدلات متسارعة، مما يهدد جميع المدن الساحلية ذات الارتفاع المنخفض في جميع أرجاء العالم، كما لوحظت ايضا الزيادة في وثيرة وشدة الظواهر المناخية المتطرفة التي كانت متوقعة من خلال زيادة معدلات وشدة موجات الحر والفيضانات في جميع أنحاء المنطقة العربية؛ حيث قامت 197 بلدا في العالم، التي تنبهت للآثار التغيرات المناخية، بالاجتماع والاتفاق في باريس سنة 2015 على أنه لا يجب السماح بازدياد متوسط درجات الحرارة العالمية بأكثر من 1,5 درجة مئوية ، وما تزال اتفاقية باريس بحاجة إلى تصديقها وتنفيذها، إذ لا توجد منطقة في العالم في مأمن من تحديات التغير المناخي، لكن تلك تواجه العالم العربي هي تحديات ذات طبيعة شديدة بشكل خاص، فرغم أن المنطقة العربية غنية ببعض الموارد الطبيعية مثل، النفط والغاز لكنها تواجه عجزا خطيرا في موارد اخرى كالماء والارض الزراعية اللازمة لدعم متطلبات النمو. وعند الاخذ في عين الاعتبار سياق التحولات الديمغرافية المتوقعة والنمو السكاني، والتدهور البيئي في الماضي والحاضر، اضافة أثر العولمة والتبدل المناخي.
تغير المناخ بفعل الانسان هو حقيقة واقعة في شمال افريقيا، إنه يقوض الاساس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي للحياة في المنطقة، سيؤدي حتما إلى تغير الانظمة السياسية. موجات الجفاف الاخيرة التي امتدت في الجزائر كانت بمثابة أحداث مناخية كارثية تفوق قدرة الهياكل الاجتماعية والمؤسسية القائمة على التعامل معها، الجفاف الشديد في شرق سوريا دمر سبل المعيشة 800 ألف شخص وادى الى نفوق 85 في المائة من الماشية و160 قرية كاملة هجرت قبل 2011. والتغيرات في الدورة الهيدرولوجية ستقلل امدادات المياه العذبةوالإنتاج الزراعي.
هذا يعني المزيد من الواردات الغذائية وارتفاع اسعارها في البلدان التي اصبحت تعتمد بالفعل على الاستيراد مثل مصر. كما ستشهد حرارة الصيف، وارتفاع الحرارة والإجهاد بسبب الحرارة يقتل الالاف، وخاصة الريفيين الذين يستطيعون تجنب العمل الشاق في الهواء الطلق؛ كما أن العواصف الترابية والفيضانات تهدر حياة أفقر سكان المدن، وخاصة الملايين من المهاجرين الذين يعيشون في تجمعات وأحياء غير رسمية على حافة المدن.
بالإضافةأن الطقس الحار يعني زحف المرض، ووصول مسببات الامراض التي تنتقل بالمياه والحشرات من المناطق المدارية، ستتحرك الملاريا وغيرها من الامراض شمالا، وتهدد البشر والماشية على حد سواء، والطفيليات الموجودة حاليا في شمال افريقيا ستوسع من مداها مثل داء اللشمانيات.
وتؤكد الدراسات والأبحاث العلمية الصادرة عن منظمات دولية، على أن التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية،والتي زاد حدوثها خلال عشر السنوات الماضية ساهمت بزيادة انتشار عدة أمراض ميكروبية معدية، أدت إلى زيادة معدل الوفاة والإصابةبالأمراض المعدية بين البشر في العالم؛ وتؤكد تقارير أن النشاط الصناعي والسكاني الحالي يزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري على مستوى الكرة الارضية. حيث شهد العام الماضي نقطة تحول في النقاش الدائر حول تغير المناخ، فالبيانات العلمية ما فتئت تتزايد بعد يوم.
والمناخ أخذ في التغير، وآثار ذلك محسوسة بالفعل والأنشطة البشرية هي السبب الاساسي لهذا التغير، وقد اختارت المنظمة العالمية للصحة تغير المناخ موضوعا ليوم الصحة العالمي هذا العام، كي تلفت اهتمام واضعي السياسات في بعض البيانات الدامغة المتأتية من قطاع الصحة.
في حين أن تغير المناخ أصبح أمرا لا ريب فيه، لا يزال بالإمكان التخفيف من عواقبه، خصوصا بالنسبة للصحة كما أن وضع اثار تغير المناخ في الحسبان يمكن ان يساعد القادة السياسيين على التحرك العاجل على النحو الملائم.إن الهاجس الاساسي في هذا الصدد هو أن تغير المناخ يهدد الصحة بطرق أساسية، وسوف يحدث احترار كوكب الارض،ولكن آثار الظواهر الجوية الشديدة، كزيادة حدوث الاعاصير والفيضانات ونوبات الجفاف وموجات الحر، ستكون فجائية وذات وقع كبير، ومن شأن كلتا النزعتين أن تؤثر على بعض من أكثر محددات الصحة الأساسية أي: الماء والهواء والغذاء والمأوى، والسلامة من المرض.
وعلى الرغم من أن تغير المناخ ظاهرة عالمية، فإن عواقبه لن تكون موزعة بالتساوي، ويتفق العلماء أن البلدان النامية والدول الجزرية الصغيرة ستكون أول المتضررين.
تسببت الانشطة البشرية، خاصة حرق الوقود الاحفوري، خلال الخمسين سنة الماضية في إطلاق كميات من الغازات الدفيئة ومنها ثاني اكسيد الكاربون، والتي بدورها أدت إلى حجز الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي، وبالتالي التأثير على مناخ الارض، حيث قدر ارتفاع درجات الحرارة العالمي خلال المائة سنة الماضية ب 0,75 س° مقارنة بفترة ما قبل الثورة الصناعية؛ إذ تؤذي التغيرات المناخية إلى تأثيرات هائلة على المتطلبات الاساسية للصحة، حيث يعد تغير المناخ من الاخطار الكبرى التي تهدد الصحة العامة ومن المتوقع أن يتعاظم هذا الامر مستقبلا، فالاحتباس الحراري تسبب في اكثر من 150000 وفاة اضافية سنويا.
تغير المناخ يهدد صحة البشر كافة، ويعتبر سكان الدول النامية والمناطق القاحلة والمناطق الساحلية والجبال والمناطق القطبية هم الاسرع تأثرا بهذا التغير، كذلك يعد الاطفال وكبار السن خاصة في البلدان الفقيرة أسرع الفئات تأثرا بالمخاطر الصحية الناجمة عن تغير المناخ.ففي عام 1998 استنتجت دراسة علمية اجريت في الرياض أن غبار العواصف الرملية تشكل مصدرا رئيسيا لأمراض الجهاز التنفسي، كما ترتفع مستويات مسببات الحساسية المنقولة بالهواء خاصة تغير أنماط الرياح المساهمة في نقل الغبار وحبوب اللقاح والجراثيم والمواد المسببة للحساسية والالتهابات الرئوية والجلدية في الهواء وخاصة في الحر الشديد.
ونلاحظ من خلال ما سبق أن أي اختلاف أو تغيير في العناصر المناخية مكانيا وزمانيا، تتبعه بالتأكيد تأثيرات على راحة الانسان ونشاطه وصحته، مما يستلزم مراعاته ووضع الاحتياط اللازمة من أجل الوصول إلى مستوى أمثل، ووضع تخطيط يلائم كافة مظاهر أنشطته.
إن السيطرة على الأمراض أمر مهم بالنسبة للوضع الصحي والنمو الاقتصادي للبلدان النامية، وبالرغم من التقدم العلمي الملحوظ في القضاء على انتقال الأمراض، إلا أنه يخشى من أن يفسد تغير المناخ هذا الانجاز. حيث تبدي كثير من الأمراض الفتاكة حساسية شديدة تجاه تغير درجات الحرارة مما يؤدي إلى انتشارها؛وفي هذا الإطار حددت المنظمة العالمية للصحة خمس عواقب رئيسية تترتب على تغير المناخ بالنسبة للصحة:
أولا، يعد قطاع الزراعة قطاعا بالغ الحساسية للتقلبات المناخية، ويمكن أن يتضرر الأمن الغذائي من جراء ارتفاع درجات الحرارة وازدياد تواتر نوبات الجفاف والفيضانات. ومن المتوقع أن تكون زيادة سوء التغذية حادة بوجه خاص في البلدان التي توجد فيها أعداد غفيرة من السكان يعتمدون على الزراعة المعيشية المعتمدة على المطر. مما يتسبب في سوء التغذية الذي كثيرا ما ينجم عن نوبات الجفاف الدورية، فيما يقدر عدده بثلاثة ملايين ونصف مليون وفاة سنويا.
ثانيا، إن ازدياد تواتر الظواهر الجوية يعني حدوث المزيد من الوفيات والإصابات المحتملة من جراء العواصف والفيضانات وبالإضافة إلى ذلك قد تعقب الفيضانات امراض مثل الكوليرا، خصوصا عندما تضرر خدمات المياه. وتعد العواصف والفيضانات من أكثر أشكال الكوارث الطبيعية تواترا وفتكا بالأرواح.كما أن ندرة المياة، وهي الضرورية للصحة، وزيادتها على الحد بفعل زيادة تواتر وغزارة سقوط المطر يمكن لكل منها أن يزيد من مرض الاسهال. الذي ينتشر عن طريق الغذاء الملوث والمياه الملوثة. ويحتل مرض الاسهال المرتبة الثانية بين أهم الامراض المعدية التي تتسبب في وفاة الاطفال كما أنه يتسبب فيما مجموعه نحو 1,8 مليون وفاة سنويا.
وأخيرا، يتوقع أن يؤدي تغير الحرارة وأنماط هطول الامطار إلى تغير التوزيع الجغرافي للحشرات الناقلة التي تنشر الامراض المعدية، ومن بينها الملا ريا وحمى الضنك اللتان تثيران أعظم الهواجس فيما يخص الصحة العمومية.
وخلاصة القول، إن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية كثيرة، والمتمركزة إلى حد كبير في العالم النامي وتصعب مكافحتها. وبالرغم من أن مساهمة الدول العربية في إحداث تغير المناخ ضئيلة لكنها تواجه مخاطر كبيرة خاصة ما يتعلق بالتهديدات الصحية.
ولذلك ينبغي عليها اتخاذ اجراءات التكيف لتخفيض العواقب الصحية المرتبطة بتغير المناخ ودمجها لإيجاد حلول والعمل على التقليل من الآثار المدمرة لتغير المناخ ولعل من بين هذه الحلول:
-الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري من خلال التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
-القيام بالأبحاث من أجل تقييم التغيرات المناخية وأثرها على الصحة.
-التوعية بأخطار تغير المناخ على صحة الانسان بتسهيل الحصول على المعلومات عن الامراض وآثار التغير المناخي.