الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كآلية للتنمية المستدامة
فاطمة لمحرحر
باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة
كلية الحقوق فاس
في السنوات الأخيرة، وفي إطار ردود الفعل القوية على النتائج السلبية لتطبيقات مبادئ الليبرالية الاقتصادية، فإن الفكر الاقتصادي قد اتجه نحو ما يسمى باقتصاد السوق الاجتماعية في محاولة لإيجاد آليات اقتصادية ومالية بديلة لتلك التي اعتمدت كأساس للسياسات الاقتصادية الليبرالية.
وتبعا لذلك، وُجِد أن اطلاق قوى السوق الحرة وكذلك النشاط الخاص بلا قيود من جانب، وتهميش دور الدولة والمؤسسات التي يقوم عليها البناء الاجتماعي من جانب أخر، قد أدى إلى فشل السوق الحرة في تحقيق أهدافها التنموية، بل حدث العكس، إذ أدت هذه السياسات لزيادة حدة الفقر واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية، وكذا ازدادت حدة اللامساواة الاجتماعية والإقصاء الاجتماعي لشرائح واسعة من المواطنين خاصة في المناطق الجبلية والقروية.
وبالإضافة إلى ذلك، ارتفعت نسبة البطالة بكل أشكالها مما قاد إلى توترات اجتماعية وسياسية واسعة في العديد من البلدان؛ وهو ما أدى، إلى ظهور أفكار اقتصاد السوق الاجتماعية، تعنى في مجملها بإلزام السياسة الاقتصادية بأبعاد اجتماعية تهتم بعدالة التوزيع، وتضع على عاتق الدولة مهام كبيرة في مجال دعم مؤسسات المجتمع ومنظماته.
وفي هذا الإطار، يعمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على التوفيق بين مبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية، وبين التطوّر الاقتصادي، ومن ثم التوفيق بين حيوية الديناميات الاقتصادية وبين مبادئ الغايات الإنسانية للتنمية.
وبناء عليه، فإن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو الدعامة الثالثة التي ينبغي أن يقوم عليها الاقتصاد المتوازن والمُدْمِج، إلى جانب القطاع العام والقطاع الخاص؛ ويمكن هذا النوع من الاقتصاد من تعزيز إقامة توازن جيد على مستوى الاستثمارات، كما يعد فرصة سانحة تجعل جميع الشرائح الاجتماعية، تساهم في دعم التماسك الاجتماعي وتحسين النمو الاقتصادي.
ولهذا يمكن القول، إن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو نتيجة إيديولوجيات متعددة ظهرت في واقع يتسم باختلال وتفاوت واضح بين فئات اجتماعية استفادت كثيرا من التنمية وبين فئات أخرى تعاني من الفقر؛ وتنتمي إلى الاقتصاد الاجتماعي والتضامني جميع المؤسسات التي ترتكز أهدافها الاساسية بالدرجة الأولى، على ما هو اجتماعي، من خلال تقديمها لنماذج مستدامة ومدمجة من الناحية الاقتصادية، وانتاجها سلعا وخدمات تركزّ على العنصر البشري، وتندرج في التنمية المستدامة.
ويمثل النسيج التعاوني المكون الرئيسي لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المغرب، سواء من حيث عدد مناصب الشغل التي يوفرها، أو من حيث مساهمته في التنمية الاقتصادية والإدماج الاجتماعي.
وفي هذا الإطار تم تخصيص إطار تشريعي، حيث يعرّف القانون 12-112 نظام التعاونيات، ووضعيتها القانونية، كما يحدد مهام مكتب تنمية التعاون، وذلك من أجل إعطاء دينامية جديدة للقطاع لتحقيق مزيد من القيمة المضافة ومن الانتاجية.
إلا أن، القراءة الأولية لهذا القانون تكشف عن وجود بعض الاكراهات على مستوى الشرط المتعلق بإثبات مزاولة النشاط من أجل الانخراط في التعاونية، كما يفتقد إلى الانصاف في عدم تعامله مع خصوصية التعاونيان الخاضعة للضريبة بنفس التعامل مع باقي الشركات.
ويمكن الاشارة هنا، إلى أن النشاط التعاوني الاساس الذي يقوم عليه الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب، إذ صارت الأداة الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة، بفتح الأسلوب التعاوني آفاقا جديدة لإحداث مشاريع اقتصادية واجتماعية؛ ووفقا لإحصائيات مكتب التعاون بالمغرب فإن عدد التعاونيات يقدر بحوالي 16 ألف تعاونية
وتتركز أنشطة التعاونيات الفلاحية، والتي يتم إنشاؤها حصرا من قبل النساء والشباب، استجابة لحاجات المجتمع المحلي وتحسين الوضع المعيشي من خلال مشاريع انتاجية وخدماتية صغيرة مدرة للدخل مثل تربية المواشي، وتربية النحل، استخراج زيت أركان، تربية الأبقار وإنتاج الالبان، جمع الأعشاب الطبية والعطرية وغرس أشجار الزيتون وغيرها من المشاريع، من أجل تفعيل دور المناطق الجبلية والقروية في التنمية الشاملة.
ونظرا لما يشهده الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وموقع التعاونيات في منظومة هذا النوع من الاقتصاد وخاصة منها التعاونيات الفلاحية، من تطور كبير خلال السنوات الاخيرة، كرهان استراتيجي والدور التنموي لهذه المنظمات، من أجل خلق فرص العمل ونشر التنمية الاقتصادية ومكافحة الفقر والفوارق الاجتماعية المجالية، والتوزيع العادل للثروة.