خواطر وهمسات ضحايا كورونا

0

الذين ماتُوا منْهم اسْتراحُوا، ولو أنهم لم يُريحُوا، فقد خَلَّفُوا قلوباً تَعْتصِر، ومآقيَ لنْ تَجِفّ، ونُدُوباً لنْ تلتئم.
وإنما الضحايا الفعليون أولئك الذين اسْتسْلمُوا في حَجْرهم لآمالٍ عريضة، وأحلام وردية جميلة، وأطيافٍ ملائكيةٍ وديعة تَمُدُّ إليهم طوْق النجاة، وتنْفتح بهم على عالَم جديد، تَصْحُو فيه الضمائر، وتُبشِّرُ بالغد الواعد، تنشر العدل والسلام، وتنشُدُ تكريمَ الأنام، فلا تبقِي منهم على بائسٍ مُحتاج، ولا يائسٍ مُلتاع.
فإذا بهم يُفيقون على قلوبٍ أتْرِعَتْ بِحُبِّ الذات وتضخُّم الأنا، واستطابتْ حصْدَ الرِّيع، والتَّهافتَ على المكاسب، ولم يَعُدْ بمقدورها التراجعُ عن المغانم، فأعَدَّتِ العُدَّة لتطويق العٍباد، وتكْميمِ الأفواه، وتكريسِ واقع الْمَيْز والاختلاف، بتشريعاتٍ ما أنزل الله بها من سُلطان.
في سياقٍ كهذا لا يَسَعُ المُحْبَطَ إلا أن يَجْأرَ بالشكوى لمن يُنْصِفُ المظلومَ إذا دعا، وأن يُعْلِنَ رفضَهُ الانْصياعَ لكل من تجبَّر وطغى، وبالتحايُل على القانون عَوَّلَ واستعْدَى.
فالناجون من الوباء بالحق آمنوا، وعلى الإصلاح عوَّلُوا، وبجديد التنمية بُشِّرُوا، ولن يطيبَ لهم عيشٌ، ولن تستقيمَ حياة إذا ما الْحُريةَ سُلِبُوا، وعن الصَّدْع بالحقِّ ألْجِمُوا.
وعَالَمُ ما بعْد كورونا يستلزم الكثير من التساند والقطع مع الماضي، وينبغي أن نباشر بناءه من الآن، بالتصافي والوئام، والتنادي للتعبئة والبناء، والاعتدادِ بالْهُوية وتصحيح المسار، ولْنتآزرْ في بلْورة الغدِ الآتي، فهو حافلٌ بالتحديات والاستحقاقات، وعلينا أن نَجِدَّ لنربَحَ الرهانات، ونُقِيمَ صرْحَ النماء، بعقول يُنيرُها العلمُ والإخلاص، وبرامجَ يُنْضِجُها التحسُّبُ والاسْتشراف، وسَواعدَ يُقوِّيها الْعَزْمُ والعدلُ والإنْصَاف.

عبد الحي الرايس
02/05/2020

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.