خواطر وهمسات مآدبُ ما بعد كورونا
لنْ تعُودَ كسابقتها التي كانت تُسْتهَلُّ بِحَميميَّةِ الاستقبال الذي يبدأ بالمصافحةِ والعناق، فإذا هَمَّ الوافدُ بنزع الحذاء قيل له لا عليكَ مُبالغة في التكريم والاحتفاء، وثقةً في أن الزرابي ستُنظَّفُ بِرَاشِفَةِ الْغُبار بعد الاحتفال، فإذا حان موْعدُ الطعام، صُفَّتِ الموائدُ وتلاحقتِ الأطباق، وقَلَّ من الضيوف من يُعنِّي نفسَهُ بِمُعاودَة تنظيفِ الأيدي وتجديدِ الاغْتسال، تَحْضُرُ الأطباقُ مَلْأى تعبيراً عن جُودٍ وكَرَم، وتُرْفَعُ وبها ما يَفِي بِحاجَةِ كثيرٍ من البشر.
فيما مضى كانت الأوبئة تمرُّ سراعا، فكانت أصولُ الوقاية تُنْسَى تباعا، ويأبى وباءُ كورونا إلا أن يظل مقيماً مُتحيِّناً فرصة التسلُّل والانقضاض، ومُصِرّاً على تثبيت أوَّليات التعقيم والاحتراس.
وإذن فمآدب ما بعد الجائحة ستأتي على نحو جديد، وتقاليد مغايرة لدى الضيف والمضيف
فالاستقبال بإيماءٍ وإفشاءِ سلام، والزرابي تختفي أو تتوسط فضاء الاستقبال، فلا تدوسها الأقدام، وتجديدُ تنظيف الأيدي لازِمَة قبل وبعد تناول الطعام، والتحلُّقُ حول مائدةٍ مستديرةٍ، وأطباقٍ جماعية تَمَّحِي لِتحُلَّ محلَّها أطعمة معروضة، وفواكهُ مصفوفة، يأخذ كُل منها باختياره، وفق رغبته، وعلى قدر حاجته، ويعود بها إلى مجلسه، فلا تبذيرَ ولا إسراف، ولا فائضَ ولا إتلاف.
تقاليدُ جديدة ينبغي أن يُرْسِيَها الكبار، ويتعوَّدَ عليها الصغار، ينْضافُ إليها اختزالُ الاحتفال، فلا إطالة ولا تمديد، خاصة في الأفراح والأعراس، وذَوُو الجاه والمال يُفترض فيهم أن يُقدِّمُوا النموذج والمثال.
ولْيَظَلَّ الرهان إرساءَ تحوُّلاتٍ اجتماعيةٍ وإنسانيةٍ لا تُبْقِي على مجالٍ للتباهي والافتخار، إنما تُلزِمُ بالتنافس في استحضار أصول الوقاية، ورمْزية الاحتفال.
عبد الحي الرايس
24/05/2020