خواطر وهمسات

0

دَعْكَ مِنْ ذَا وَذَا

وقُلْ ها أنا ذا
يَحْلُو للكثيرين أن يخوضوا في سيرة الآخرين تمجيداً لهم، أو نَيْلا منهم، فإذا تملَّيْتَ واقعهم ألفيْتَهم يتوارَوْن خلف هذا أو ذاك، دون أن يُفصِحُوا عن رأي، أو يستقروا على موقف.
وإنما شخصية المرء مُحصِّلة تجاربَ شتى محلية أو وطنية أو كونية تتفاعل معها، وتنْهَلُ منها، ثم تصطبغ بلون يُميزها، وسِمَةٍ تطبعها، فإذا الاسم إذا ذُكِرَ اقترن بما يَخصُّهُ ويُعْلِنُ عن حضوره.
من هنا كان المربون: آباء وأمهات، معلمين ومعلمات، أحرص ما يكونون على التحلي أوَّلاً بمكارم الأخلاق صدقاً ونزاهة، أمانة ووفاء، تضحية والتزاما، حتى تتوفر للناشئ مرجعية في مثال حي يتأثر به، ويترسم خطاه، ثم تكون الإحالة على الرسل والأنبياء أصحاب المعجزات، والتُّقَاة الأولياء، والقادة الزعماء، والأبطال صانعي الأمجاد، والعلماء الأفذاذ، والمكتشفين الرواد، فمن تجاربهم تُسْتلْهَمُ القدوة، ومن استماتتهم تُسْتخلَصُ الْعِبْرَة.
ومحظوظون أولئك الذين استنارُوا مُبَكرين، واتضحتْ لهم معالمُ الطريق، فتشبَّعوا بالقيم، واختاروا أن يعيشوا بها ولها زاهدين في ما سواها من مالٍ ونَشَب، ومناصِبَ ورُتَب.
والحياة قلما تجود بأمثال هؤلاء ممن يصنعون التاريخ، أو يغيرون مجراه، بيد أنها تحفِلُ بالعديدين ممن يركبون للإثراء والتسلط والجاه كل مَرْكَب، شعارُهم دوْماً الغاية تُبرِّرُ الوسيلة، وللتسلق والوصول يتفننون في ابتداع ألف حيلة وحيلة، فإذا أدركوا وتمكنوا صاروا للمواقع كَهَنَة، وللمناصب حُرَّاساً وسَدَنَة.
ومن عجب أن الحياة تمضي بأولئك وهؤلاء، وأن لا شيْءَ بها يدوم، فمَنْ أُلْهِمَ الصوابَ كتب سيرته بمداد النزاهة والأمانة والاعتداد، والنضال والوفاء، ومن اختار التهافتَ على المصالح، والسعيَ وراء المغانم، أضاع العمر في لُهاث، ليكتشف في نهاية المطاف، أنه كان يَجْرِي وراء سراب.

عبد الحي الرايس

إِعْلاَمُنا يَنْقُضُ غَزْلَه

إعْلامُنا يُمجِّد المرأة، يَعْقد الندوات لإضفاء الاعتبار عليها، يَرْفعُ الشعارات لتكريمها، ويُلاحق الوصلات الْمُندِّدة بالإساءةِ إليها وتعنيفها.
ولكنه في الآن ذاته، وعلى نحو يكاد يكون نمطيّاً يتفنن في تقديم مسلسلاتٍ يتكرر فيها اختطافُ المرأة، وإهانتُها وتحقيرُها، وإلحاقُ مُختلِفِ صنوفِ الأذى بها.
وهو بذلك يَصْنعُ صنيعَ المرأة التي كانت تَنْسُجُ نسْجها فتُحْكِمُ غزْلها، ثم لا تلبث أن تَفُكَّهُ وتَنْقُضَه، وعليها ينطبق قوله تعالى: ” ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بَعْدِ قوة…..”
والمُؤْسِي والمؤسف أن الأمر يتجاوز المرأة لِيُشِيعَ في المجتمع قاموساً من السباب، وأنماطاً من مظاهر العنف والمكر، والخديعة والكيد، فيؤذي الصغار والكبار، ويُكرِّسُ مُجتمعَ التآمُر والاحتيال.
ولو أنها ظاهرة عابرة لجاز القول إنها عثْرةُ بَرْمَجَةٍ، أو فلتةُ انتقاء، ولكن الذي حدثَ ويحْدث في شعبانَ ورمضانَ وعلى مدى سائرِ الأيام أن مُسلسلاً لا يكاد ينتهي حتى يَحُلَّ مَحَلَّهُ غيرُه بنفس أصوات الدبلجة، ونمطيةِ الأسطورة.
أيامُ الحجر الصحي آذنتْ بانتهاء، وقد كان لها ما يبعث على تحمُّلها درْءاً لتفشي الوباء، ولكن التسَلُّطَ الإعلامي بمُسلسلاته المُدبْلجة الذي لا يُدْخِلُ بهجة، ولا يصون كرامة، ولا يخلق ألفة، ولا يرعى قيمة ينبغي أن يَرْحَل قبل رفع الحَجْر ولا يعود.
وفي الرصيد خزائنُ ملْأى بالبطولات والأمجاد، ومُسلسلاتٌ حافلة بسامي التعبير، ونبيل المشاعر، ووثائقياتٌ تُغذي الفكر وتُلهِبُ الخيال، فليكنْ في استعراضها تَرَوٍّ، وفي انتقائها حُسْنُ اختيار.
فالمجتمعاتُ بقِيَمِها، ومُثلها، وتعابيرها، وأمثالها، وأذواقها، وتقاليدها تُبْنَى مثلما تُبنى الصُّروحُ، وهي رَمْزُ الثقافات، وعنوانُ الحضارات.

عبد الحي الرايس

دَعْنا نَحْلُمْ

بمغْربٍ ـ بعد الجائحةِ ـ يَتَغَيَّر

بِمَلَكِيَّتِه يتشبَّث…طموحاتُه تتحقق، ومؤسساتُه تتجدَّد، وأحزابُهُ بطليعتها الشبابيةِ المؤهَّلةِ تتطعَّم، تُبرمِجُ مُؤتمراتِها قبل نهاية السنة الجارية، وتتهيأ لانتخاباتٍ شفافةٍ نزيهةٍ عند منتصف السنة الموالية، فتُفرِزُ نُخَباً في مستوى المسؤولية، تتجنَّدُ لممارساتٍ تضمَنُ النماءَ الواعد، وتتداركُ الوقت الضائع، تُرَاجِعُ الاختيارات، وتُبْرزُ الأوْلويات، وتَمْضِي قُدُماً على طريق استثمار الثروات، والتحرُّر من التبعيات، تنْشرُ الأمنَ في الرُّبُوع، وتُعيدُ الطمانينة إلى النفوس، تُشِيعُ العدْلَ وتكافؤَ الفرص بين الناس، تُجْهِزُ على الأمية، وتعبِّئُ الجميع للانخراط في مشاريع التنمية.
وكأني بِمُسْتوقفٍ يتساءل: أليس في هذا شيْءٌ من الاندفاع؟ ألا يَعْدُو أن يكونَ ضرباً من الأحلام؟ ألا يستدعي التغييرُ رَوِيَّةً وبُعْد نظر؟ وتشاوُراً وترتيباً للأمور؟ ورُبَّما تعديلا في الدستور؟
وتُجِيبُ البديهة بأن الإرادة المشتركة كفيلة بتخطي الصعوبات، وجعْلِ المُستحيلاتِ مُمْكِنات، فالإنسان ينتج السياسة مثلما أن السياسة تكتشف الإنسان. وفي تجاربِ الأمم، ورصيد الوطن إنجازاتٌ خارقة تم الترتيب لها في أمَدٍ وَجيز، وبتعبئةٍ عَزَّ لها النظير.
في بعض البلاد كان الدستور المكتوبُ لاحقاً وليس سابقا، وفي بعضها الآخر طلب قائدُ البلد ـ بعد تحريره ـ إجراءَ الامتحانات في الجامعات بلغة الْهُوية، فكان الاعتراضُ بأن الأمر يتطلب سنوات للترجمة، وجاءت إجابته:”أيا كانت لغة التعليم، فالامتحان عند نهاية السنة ينبغي أن يكون باللغة الوطنية، وهكذا تم رفع التحدي، ونجحت التجربة.
وبعد:
إن هي إلا رُؤيَة من يَتُوقون إلى التغيير، ويسْتعجلون البديل، وفي الطريق لا محالة كوابِحُ وعثرات، ولكن الإرادة الجماعية كفيلة بمواجهة التحديات، وربح الرهانات، إذا خلُصَتِ النوايا، وتحرَّرتِ الإرادات.

عبد الحي الرايس

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.