خواطر وهمسات
المنتدى ورهانات الاستدامة
بين مُستدِيمةٍ ومُستدامَة تحضُرُ الإرَادَة
الشمسُ طاقةٌ مُستدِيمةٌ مُتجددةٌ بمشيئة الله
والتنمية غاية مُستدَامةٌ بإرادةِ الإنسان، ومجهودِهِ وعبقريته التي مَتَّعَهُ بها الخالقُ الدَّيَّان.
ومنذ أن تنبَّه المنتظمُ الدولي إلى ذلك رفع شعار “التنمية المستدامة” واسْتقْرأ لها سبعةَ عشرَ هدفاً لا تتحقق تنميةٌ ولا استدامةٌ لها في غيابها، ودون الحرص على استحضارها وتكاملها.
ومن التنمية المستدامة اشْتُقَّ شعارُ “المدينة المستدامة”، وصار لزاماً على مُدبِّريها ومُجتمعِها المدني تمَثُّلُها والسَّعْيُ الجادُّ لاستحضار شروطها وتنزيلها على أرض الواقع.
لأجل ذلك ـ وفي سياق تخليد اليوم العالمي للبيئة الذي يقترن هذه السنة بشبح الوباء الذي يجثم على صدر العالم ـ يأبى المنتدى المغربي للمبادرات البيئية إلا أن يستعرض رهاناتِ الاستدامة بالمدينة المغربية، ما تَوَفَّرَ منها، وما ينبغي أن تتضافر الجهودُ لبرمجته، والتعبئةِ لإنجاحه، من ذلك:
ـ تحقيق التوازن بين المعمار والمجالات الخضراء بالمدينة، وذلك بنشر الحدائق والمُتنزَّهات، وإحاطتها بالغابة الحضرية والأحزمة الخضراء، والتنافس في إحداث حديقة النبات (Jardin Botanique ) الحاضنة للتربية البيئية، والميسرة للأبحاث العلمية، والمستقطبة للسياحة الإيكولوجية.
ـ إنجاح مشروع المطرح المراقب في الموقع المناسب، المقرون بمركز للفرز والتثمين، مع توفير آليات التخلص من الليكسيفيا، وتوليد الطاقة الكهربائية، وتحويل البقايا العضوية إلى أسمدة طبيعية
ـ التحفيز على تعميم استخدام الطاقة المتجددة في مختلف المرافق والمنشآت، وإحلالها محل الطاقة الأحفورية.
– توفير شروط النجاعة الطاقية في الإنارة العمومية وسائر المباني والمنشآت استلهاماً لروح مبادرة”ساعة من أجل الأرض”
ـ تسريع توفير النقل العمومي الأخضر صديق البيئة في صوره المختلفة (الترامواي، الحافلة ذات المستوى العالي في الخدمة، مع تعميم مسالك الدراجات الهوائية وتوفيرها والتحفيز على استعمالها بالأساليب المستحدثة الذكية الميسرة للتنقل المريح في كل الاتجاهات، وتأمين فضاءات التنقل الناعم المعتمد على المشي ودوَّاسات التنقل السريع).
ـ تنقية وصيانة الأنهار العابرة للمدن، وتهيئة جنباتها كفضاءات خضراء.
ـ تشجيع الاقتصاد الأخضر بالتحفيز على توظيف الطاقة المتجددة، والمعالجة الذاتية للبقايا العضوية والغازية والسائلة
ـ تعميم المرافق الصحية في مختلف المسارات والمنشآت والساحات
ـ تطوير الإدارة وجعلها في خدمة المقيم والوافد والمستثمر، والارتقاء بها إلى مستوى تيسير التواصل وتقديم الخدمة عن بعد، مع ترجيح الإدارة الرقمية على الورقية.
ـ إذكاء التنافس بين المؤسسات والإقامات والأحياء في إنجاح عملية الفرز من المصدر إلى المطرح، وإشاعة النظافة، وتعميم الاخضرار والإزهار، والتحفيز على إطلالتهما من السطوح والشرفات.
ـ التشجيع على إنجاح الزراعة الحضرية الموفرة لحاجيات سكان المدينة من الغذاء.
ـ تحرير الفضاءات العمومية من كل تطاول عليها، وجعلها ملاذا آمنا، ومصدر متعة وبهجة واطمئنان.
ويبقى المجال مفتوحا للاجتهاد بين الساهرين على تدبير شؤون المدينة، والمواطنين في إطار من الحرص على تفعيل الشراكة وإنجاح الحكامة وإطلاق المبادرات الهادفة إلى تأهيل السكان، وصلاح البيئة، واستدامة المدينة.
عبد الحي الرايس
06/06/2020
خواطر وهمسات
بين الوطنية والإنسانية
علاقةُ ما بين الخاص والعام
يفتحُ الإنسان عينيْه على الوجود، فيتعلق بأمه وأبيه وذويه، ويَدْرُجُ في الحياة، ويَحْسَبُ أن العالم ينحصر في مسقط رأسه ووطنه، فيهْوَاهُما ويَحِنُّ إليْهما، ويَذُودُ عن حِماهُما، ثم لا يلبث أن ينفتح على العالم بِتعدُّدِ أمصاره وقاراته، واختلاف أجناس الناس فيه، وتنوع ألوانهم، وتعدد لغاتهم، ويَرْقى بفكره ووجدانه ليعانق المعمور في شموليته، والإنسانية في سموها وقيم الخير والتسامح فيها.
ولو وُكِلَ الإنسانُ إلى فطرته لَعَشِقَ القِيَم، ولآثر السلام، ولَسَما بحبه من ذويه ووطنه إلى الإنسانية والعالم فإلى الخالق مدبر الأكوان.
ولكن الخير والشر منذ الأزل يتنازعان السبق إليه
وتظل التربية والشرائع محط رِهَان التنشئة السَّوِيَّةِ للإنسان.
هذا ينسحب على الأنظمة والدول مثلما ينطبق على الأفراد
فأنت مُلَاقٍ بين الناس الْغَيْرِيَّ العفيفَ، المتشبعَ بالقيم، والمُحِبَّ للجميع، مثلما أنك مُصادِفٌ الأنانيَّ الجاحد المتسلط والمُسيءَ إلى الجميع، وبين هذا وذاك أنماط ونماذجُ شتى.
وكذلك أنت واجدٌ أنظمة ودُوَلاً تَنْشُرُ العدلَ والسلامَ في رُبُوعها، وتُكرِّمُ الإنسان فيها، بل وتنْفتح على بعضها، وتمُدُّ بينها جسور التكامل والوحدة، فيعُم السلامُ رُبوعَها، وتنتفي الحدود فيما بينها، مثلما أنك مُلْفٍ دُوَلاً تُنتج السلاح، وتُضرم الحروب، وتثير الفتن بين الشعوب رغبة في استعمارها وطمعا في استغلال خيراتها، بل منها من تحسَبُ نفسها عُظمى، وتستعْدي معها دولاً أخرى لِتُفتِّتَ الوحدة، وتسْتنزفَ الثرْوَة.
عَاشِقُ الإنسانية المتشبِّعُ بالإخاء والسلام يُوثر الحوار، ويمْقُتُ الحروبَ وحمْلَ السلاح، ولكن رُوحَ المقاومة تسكنه وتحمله على رفض الانبطاح والاستسلام، وعند الضرورة يهب منافحاً عن حوزة الأوطان.
ما نأمله أن يَحُدَّ الناس من أطماعهم، ويكفوا أذاهم عن غيرهم، ويجنحوا إلى السلام، ويَصْدُرُوا عن وطنية صادقة، تسْمُو بهم نحو مُعانقة الإنسانية في سعيها الدؤوب إلى تكريم الإنسان، ونشر ألوية السلام.
عبد الحي الرايس
10/06/2020