بدّدتْ جائحةُ كورونا شعورنَا بأنَّنا نعيشُ في كَنَفِ عالَم آمنٍ ومستقر، إذْ تبينَ لنا، على نحوٍ غير مسبوق، أنَّ أمورَ حياتِنا قدْ تنقلبُ رأسًا على عَقِبٍ بينَ ليلةٍ وضحاها؛ فقد يتبدلُ كلُّ شيءٍ ويتغيرُ في طَرْفَةِ عينٍ، لا على مستوى الحياة الشخصية للفرد فحسب، بل على مستوى العالَم بأسره، بحيثُ لا تنجو من هذا التغيرِ المُبَاغِتِ أيةُ بقعةٍ من بِقَاعِ الأرض؛ قد يفكر المرءُ أنْ يلوذ بها.
إنَّ القادرين والأثرياء وغيرهم من البشر، قد يفرونَ من أوطانِهم إذا نشبتْ صراعاتٌ دمويةٌ، أو حلَّت كوارث طبيعية، ويلجأون للعيش في مجتمعاتٍ مستقرةٍ وآمنةٍ لا تطالها مثل تلك الأخطار. غيرَ أنَّ الانتشار الواسع لفايروس كورونا القاتل، نفى هذه الاستثناءات، وصارتِ الكرةُ الأرضية بكلِّ جنباتِها موبوءةً بهذا الفيروس. لقد كشفتْ هذه الجائحةُ أنه قد تنهار كلُّ الترتيباتِ التي قد نكونُ أنفقنا سنوات كثيرة، وأموالاً طائلةً من أجلِ أنْ نحققَ بها لأنفسنا حياةً آمنةً ومزدهرة؛ سواءً على مستوى الفرد أوالمجتمع مِنَ المرجَّحِ أنَّ الانتشارَ الواسعَ لكورونا ادى إلى زعزعةِ مصداقيةِ التفكير القطعي والشَّكِ في سلامةِ أحكامه
انه التفكيرالذي يَرى أصحابُهُ أنَّ المعرفةَ الإنسانيةَ لا تَقِفُ عند حدٍ، وأنَّ العقلَ البشري قادرٌ على إدراكِ الأشياء، والوصولِ إلى اليقينِ المطلق. لقد اعتدنا منذُ نعومةِ أظافرنا على نمطٍ من التفكير متسم بالنمطيةِ والرتابة، وإغفالِ الطفرات، ونبذِ الشَّكِ والارتياب، نمطٍ منَ يستندُ إلى اليقين يسود الكونَ غالبًا ما يحاولُ المرءُ تجنبَ التفكيرَ في الاحتمالات المناهضة لما اعتاد عليه، لأن التفكير في احتمالِ حدوثِ شيءٍ مخالفٍ لما اعتدنا عليه، يثيرُ لدينا قلقًا قد يصلُ بنا إلى حدِ الفزع، لكن بعدَ انتشارِ فايروس كورونا باتَ مِنَ الضَّروري أنْ نتوقعَ ما هو غير متوقَّعٍ. لقد فُوجِئ العالمِ بانتشارِ الفيروس على نطاق واسع، فأُسْقِطَت ايدِ الجميع في الماء البارد ؛ لانها لمْ تكنْ جاهزةً للتصدي لهذا الوباء القاتل، ولم تتوقع أنَّ الضربةَ ستأتي من هذه الجهة لانها مهيأةً للتصدي لأي عدوان، ومستعدة لمواجهة أيةِ أخطارٍ قوامُها الحديدُ والنار، كالاعتداءات المسلحة بأسلحة تقليدية أو نووية، ولم يخطرْ على بالِها أنَّ الدَّمارَ سوف يأتي من مستصغر الكائنات من اصغر فايروس في الوقت كانت هذه الدول تحرص على تجهيزِ الجيوش وإعداد المقاتلين الأكْفَاء وأهملتْ تمامًا إعدادَ أطقمٍ طبية، وتجهيزِ المستشفيات، لأنَّها لم تتوقع ما هوغير متوقع التوقعَ السَّاذج بأنَّ وقائعَ الحياةِ تسيرُ
على وتيرةٍ واحدةٍ دونَ تغيُّر، فاصبح حالنا كحال الدجاج وهو يُقبِل فرحًا حين قدوم ربَّةِ المنزل لتقدمَ له الماءَ والغذاء،كما تفعل دوما دون انقطاع، لكن غاب عن ذهنِ الدَّجاج أنَّ ربةَ المنزلِ لم َتِات اليوم لتقدم الماءِ والغذاء وانما جاءت لتذبحه، وتقدمه غذاءً للضيوف. إنَّ التوقعَ الساذج بأن الحياة تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ غير قابلة للتغير أودَى بحياة الدجاج، وعرَّضه للذبح. وما يَصْدُقُ على الدجاجِ يَصْدُقُ علينا عندما امنا إيمانًا راسخًا بأنَّ الكونَ يخضعُ لنظامٍ ثابتٍ لا يتغير. إنَّ هذه التأملات مؤداها إنَّه ينبغي علينا أنْ نسعي للوصول إلى الاحتمال بدلاً من اليقين في كل الاشياء …. إنَّ الانتشاء بما حققته البشرية في ميدان العلم والتكنولوجيا جعلَ الغرورَ البشري يسيطرُ على الأفراد والدول، تلك التي ظنَّت أنها وضعت خططًا لمواجهة أيةِ أحداث، لكن وباء كورونا كشفَ زيفِ التفوق البشري، وعرَّى الطغيانَ الذي تمارسه بعضُ القُوَى، وكشفَ أنَّ هذه الغطرسةِ وذلك الطغيان إنما هما دليلُ ضعفٍ لا دليل قوة. والوباء بمثابةِ إنذارٍ أولي وضعَ الإنسانَ المَزْهُوٌّ بإنجازاته وحضارته وقوته في حجمه الحقيقي، وحوّلَ ذلك الكائن البشري إلى كائنٍ ضعيفٍ يستطيع فايروس مجهري لايكاد ان يرى أنْ يهدد وجوده ويعرضه للفناء. نعم نجح هذا الفايروس في تحويل الإنسان إلى حيوان مهدد بالانقراض في أية لحظة ان الأحكامَ المتعلقةِ بالمستقبل والوثوق بالاشخاص ينبغي أن لا يقال بها إلا على سبيل الاحتمال، لأنَّ كلَّ ما يتعلق بما سيحدث مستقبلا يجب أن يقترن دومًا بمعنى الرهان ، فنحن نراهن على شروق الشمس غدًا، وعلى وجود طعام نتغذى به غدًا، وعلى استمرار صلاحية القوانين الطبيعية غدًا. وهذا غير حقيقي فكورونا لازال يواصل الزحف ولم ينته بعد والأمراشبه بموج البحرالصاخب وأي ارتفاع يعتبرموجة ثانية حيث ترتفع اعداد الإصابات ثم تعاود مرة أخرى التراجع، وكل دورة هي موجة واحدة من فيروس كورونا
بحيث كانت المرحلة الثانية من الإنفلونزا الإسبانية قبل قرن أكثر فتكا من المرحلة الأولى
وكي نقول إن موجة واحدة انتهت، يكون الفايروس تحت السيطرة وتتراجع الحالات بشكل كبير
وقرارالتخفيف من إجراءات الإغلاق سلاح ذو حدين قد يتسبب في خطر حدوث موجة ثانية للجائحة لا يعرف بعد أين أو مدى سوئها.
وما دام هو يضرب في الوقت الحاضر وبشدة اصبح يستدعي الحاجة المُلحة لايجاد للقاح
ويعتقد أن حوالي 5 في المئة فقط من الأشخاص قد أصيبوا بالعدوى، وليس هناك ما يضمن أنهم جميعا محصنون الدليل هو أن الغالبية العظمى من الناس لا يزالون عرضة للإصابة، من حيث الجوهر لابد من الاحتياط والاحتراز والوقاية والا فاننا سنعود إلى الوضع الذي كنا عليه في فبرايرالماضي، إنه يماثل تقريبا البدء من الصفر مرة أخرى
فاطمة سهلي” طنجة “