القمة الافريقية – الصينية مخرجات جديدة في ضرفية استثنائية .

0

عملت الصين بعد تفشي فيروس كورونا إلى محاولة إحياء مبادرة الحزام والطريق، بالتركيز على المجال الصحي أو ما اصطلح عليه بطريق الحرير الصحي لتعزيز مكانة الصين كقوة عالمية صحية وخدمة لمصالحها القومية.
وفي هذا السياق، دعت الصين إلى قمة استثنائية افريقية- صينية يوم 17 يونيو 2020 من أجل التضامن والتعاون لمواجهة كوفيد 19 والتي عقدت عبر تقنية الفيديو، وخلال هذه القمة التي ترأسها الرئيس الصيني شيء جين بينغ، تم التأكيد على ضرورة العمل معا لبناء مجتمع صحة للجميع وأن التضامن الإفريقي- الصيني، وأن تعزيز التعاون المتعدد الأطراف عامل مهم لتجاوز هذه الأزمة الصحية، والنهوض بالشراكة الاستراتيجية والتعاونية الشاملة بين الطرفين.
الدبلوماسية الصحية القوة الناعمة الجديدة للصين في إفريقيا:
تسعى بكين بعد تراجع حالات كوفيد 19 في الصين إلى أخذ زمام المبادرة، بتبني دبلوماسية صحية من خلال حملات الدعم الصينية الموجهة نحو أوروبا بسبب تضرر صورة الصين في الخارج، وانتشار موجة من الكراهية والعنصرية المعادية للصين.
ونتيجة لذلك، بدأت الصين تظهر تضامنا مع الدول المتضررة بتقديم مساعدة طبية وصحية إلى مجموعة من الدول الأوروبية بما في ذلك جميع الدول الإفريقية، وهو ما سيساهم في ظهور تطور إيجابي في الدبلوماسية الشعبية خاصة في العلاقات اليابانية- الصينية التي تعاني من توترات بسبب قضايا تاريخية وإقليمية.
وفي هذا الإطار، يأتي انعقاد قمة إفريقية – صينية استثنائية تضطلع فيها الصين بدور قيادي عالمي في سياق مبادرتها لاحتواء الأوبئة العالمية، على الرغم من الانتقادات التي وجهتها بعض البلدان للصين، إلا أنه يمكن لإفريقيا أن تتعلم من تنمية الصين وإدارتها للوباء في ظل الارتفاع المتزايد لحالات الإصابة في جل أنحاء القارة السمراء.
وهنا لابد أن نشير إلى أنه في بداية الألفية أصبحت الصين الشريك الاقتصادي الأول للعديد من البلدان الإفريقية، مما جعل القارة موضوع مزاحمة بين كل القوى الاقتصادية الكبرى وهو ما ساهم إلى حد ما في تحسن واضح للإداء الاقتصادي للعديد من الدول الإفريقية خاصة تلك المنتجة، ولابأس من أن نذكِّر بأن العلاقات الصينية- الإفريقية تستند إلى اعتبارات سياسية وإيديولوجية.
ووفقا لذلك، تسعى الصين إلى التغلغل خلال السنوات الأخيرة في القارة الإفريقية ورفع شعار تعاون رابح- رابح من أجل تنمية مشتركة، عن طريق تمويل مشاريع في هذه الدول ونقل بعض التكنولوجيات الحيوية وتوقيع عقود اقتصادية واستثمارية.
غير أن هناك دراسات أبانت عن أن العلاقات الإفريقية- الصينية تعرف اختلالا في الميزان التجاري الذي يميل أكثر للصين على حساب الدول الإفريقية، إذ أن 90% من صادرات الدول الإفريقية تجاه الصين تتكون من المواد الأولية والطاقية كالنفط والغاز والمعادن، مما يبقي دائما اقتصاديات الدول الإفريقية غير مستقرة.
وعلى الرغم من ذلك، فلا شك أن علاقات الدول الإفريقية مع الصين خلقت بدائل للبلدان الإفريقية بالنسبة إلى ارتباطاتها التقليدية مع القوى الغربية مما سيمكن إفريقيا من تنويع علاقاتها وتحسين أدائها الاقتصادي، حيث أن الصين تقدم نفسها كنموذج بديل للمساعدات الغربية والمؤسسات التمويلية الدولية في إطار مقاربة رابح- رابح لدعم وتعزيز التعاون جنوب- جنوب.
وبالعودة إلى القمة الإفريقية- الصينية الأخيرة، أكدت الصين على دعمها لإفريقيا في جهودها نحو تطوير منطقة التجارة الحرة وتعزيز الارتباطية ودعم سلاسل الصناعة، كما تم خلال هذه القمة عن إعفاء دول إفريقية من قروض مستحقة بنهاية سنة 2020، ونشر في هذا السياق إلى أن الدول الإفريقية كانت قد طالبت في وقت سابق بلدام
مجموعة العشرين بإلغاء ديونها أو تأجيلها بسبب تضرر اقتصاداتها من وباء كورونا؛ أما بالنسبة للدول الإفريقية الأكثر تضررا من الفيروس وتعاني ضغوطا مالية كبيرة ستعمل الصين مع المجتمع الدولي على تقديم المزيد من الدعم لها؛ كما تعهدت الصين بأن تكون الدول الإفريقية من أوائل المستفيدين من لقاح صيني لفيروس كورونا فور الانتهاء من تطوير استخدامه.
إلى جانب ذلك، فالصين تواصل تعزيز وترسيخ نفوذها في القارة الإفريقية في إطار ما يسمى طريق الحرير الطبي، إذ أرسلت معدات وقائية وطبية للدول الإفريقية المتضررة بالفيروس في وقت يعتبر الحصول على امدادات طبية أمرا بالغ الأهمية للدول الافريقية التي تعاني من انتشار كوفيد 19، بالنظر للحاجة الملحة لهذه المساعدة حتى يمكن للعاملين في المجال الصحي التمتع بالحماية المطلوبة أثناء مزاولتهم لمهامهم، كما ستبدأ الصين في بناء مقر المركز الإفريقي لمكافحة الأمراض في إفريقيا وتنفيذ مبادرة الرعاية الصحية التي اعتمدت في منتدى التعاون الصيني الافريقي، والعمل غلى بناء مستشفيات الصداقة الصينية- الافريقية.
لكن لا بد أن ننبه في آخر الأمر إلى أن المساعدات الصينية في شتى المجال، ترتبط ولو ضمنيا بمشروطية ما دامت تدخل في إطار شمولي، انطلاقا من منطق المصالح الاقتصادية، فالصين تسعى إلى تعزيز موقعها في إفريقيا إذ يوجد في منطق العلاقات الدولية، لكن هذا لا يمنع الدول الإفريقية من أن تستفيد من تهافت القوى الكبرى عليها، والبحث عن الشريك الأفضل في سبيل ضمان سير قاطرة التنمية في القارة السمراء.
المغرب- افريقيا- الصين:
إن تجدر المغرب في إفريقيا، ومتانة العلاقات السياسية والاقتصادية التي تربطه بالعديد من البلدان الإفريقية وتبنيه للشراكة جنوب- جنوب، إضافة إلى تواجد شبكة مهمة من المؤسسات المالية والبنكية المغربية بالقارة السمراء؛ وانطلاقا ايضا من الموقع الجيواستراتيجي المتميز الذي يتمتع به المغرب الذي سيمكنه من أن يلعب دورا بناء في تمديد طريق الحرير الجديد نحو أوروا وإفريقيا الغربية، وبالتالي يصبح شريكا محوريا بالنسبة للصين.
هذا، وقدا كان المغرب أول بلد إفريقي صاحب تدشين أول ملتقى إفريقي- صيني سنة 2000 بكين، كما أكد خلال قمة جوهانسبر على ضرورة تطوير التعاون الصيني- الإفريقي على أساس المساواة والأفضليات المتبادلة بين الطرفين.
وهكذا، نستطيع القول أن طرح مبادرة الحزام والطريق يمثل توجها مهما يهدف إلى الربط بين الفضاءات الآسيوية والأوروبية والإفريقية، من خلال وضع شراكة استراتيجية لصالح التنمية الاقتصادية تعتمد على منطق رابح- رابح.
واستنادا إلى هذا المنطق، ينخرط المغرب والصين المرتبطان بعلاقات تاريخية ما فتئت تعزز على مر السنوات بشكل كامل في تطوير التعاون جنوب- جنوب باعتبارهما محركي السياسات الإفريقية، وعيا منهما إلى أن إفريقيا تستحق شراكات للتعاون أكثر تكافؤ وتوزانا.
وفي هذا الصدد، فإن العلاقات المغربية الصينية تركز على خلفية تاريخية تمتد عبر ما يزيد عن ألفيتين من الزمن، حيث شكل طريق الحرير القديم جسرا للتواصل التجاري والثقافي بين المغرب والصين، وزاد زخم هذه العلاقات حديثا وبخاصة منذ طرح الصين فكرة طريق الحرير الجديد.
وفي هذا الإطار، تبدي الصين أهمية كبرى لعلاقاتها مع دول القارة الافريقية عموما والمغرب على وجه الخصوص، لذلك بدأت العلاقات بين الجانبين تشهد تطورا ملحوظا في إطار التعاون المبني على المساواة والثقة المتبادلة، ويصبو المغرب إلى أن تشكل شراكته الاستراتيجية مع الصين إطارا جديدا للتعاون آلية لتنويع شركائه الاقتصاديين.
وفي القمة الافتراضية الصينية- الإفريقية الاستثنائية حول التضامن ضد كوفيد 19 تم إقصاء جبهة البوليساريو من المشاركة في القمة، إذ لم تكن المرة الأولى فقد تم رفض حضورها في قمة جوانسبرغ 2015 التي تعتبر قمة مفصلية في مسيرة التعاون الإفريقي- الصيني، وقمة بكين 2018، وهو ما يمثل صفعة قوية للبوليساريو ودعما مباشرة من الصين لقضية الصحراء المغربية وتوطيدا للعلاقات المتميزة بين المغرب والصين.
وإجمالا، يمكن القول أن ثمة آفاقا كثيرة تخدم البلدين وتجعل علاقتهما خيارا استراتيجيا، فموقع المغرب أكثر من مهم بالنسبة للصين، لا سيما إذا استحضرنا الحضور الصيني الكثيف في إفريقيا، والمكانة التي يحظى بها المغرب في دول غرب إفريقيا، الأمر الذي ينقلنا إلى مستوى أخر من التحليل خاصة في ظل الجهود التي يبذلها الطرفين لتدعيم علاقاتهما الاقتصادية، على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي تواجهها الصادرات المغربية نحو الصين.
لائحة المراجع:
فتح الله ولعلو، نحن والصين الجواب على التجاوز الثاني، المركز الثقافي العربي، الطبعة الاولى، 2014.

فاطمة لمحرحر، ” العلاقات المغربية- الصينية نموذج جديد للتعاون جنوب- جنوب، موقع الصين بعيون عربية
عبد القادر محمد علي «دبلوماسية المساعدات الطبية : الصين تسعى إلى مكاسب استراتيجية من جائحة كورونا”، موقع TRTعربي، مارس 2020 .

اعداد فاطمة لمحرحر.
باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية
كلية الحقوق -فاس .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.