اثار إغلاق المساجد كليًّا أو تعليق الجُمَع والجماعات فيها جدلاً في ضل جائحة كوفيد 19
وبناءا عليه أصدرت الهيئة العلمية في المغرب ،فتاوى وقرارات بتعليق الجمع والجماعات حفضا على سلامة العباد والبلاد والكل يدرك ان المساجد لا تعطل فهي أحب البقاع إلى الله، وفيها بركات وخيرات ودفع ولها عُمار من الملائكة الكرام، وهم يجلسون على أبواب المساجد يكتبون الأول فالأول والصلاة تحصين من كل المشكلات والأزمات ولكن يمكن أن تنتقص جماعتها خوفا من الضرر ومن استطاع الحضور فليحضر، ومن لم يستطع كمن يخاف الضرر على نفسه أو يخاف الضرر منه على غيره فيستمع الخطبة ولا يهجرها
بعض البلدان التي يمنع فيها من المساجد يحاول الناس أن يجدوا بديلا عنها والخوف والهلع الشديد الذي يَمنع كثيرا من الناس من الذهاب إلى المسجد كثيرا ما يجدون نظيره إذا ذهبوا إلى المستشفيات ففيها من الزحام والتعرض للضرر أكثر مما يجدون في المساجد وكذلك في الأسواق وأخذ الاحتياطات أنواع كثيرة
إن أصل النزاع هنا ليس حول بركة المساجد وعمارتها، ولا حول فوائد الصلاة ووجوبها؛ لأن الكلام هو فقط عن حالة استثنائية وهي حالة وجود وباء معدٍ، وينتشر بمتوالية هندسية؛ بسبب الاجتماع والتواصل بين الناس، واحتواء المرض لا يتم إلا بالعزل الطوعي أو بترك مسافة واسعة بين الأفراد
فإن لم تتم الاستجابة للعزل الطوعي فإن انتشار الفيروس سيقود إلى كارثة كما يحدث في إيطاليا وإسبانيا، ومن ثم سيتم فرض الحجر وتقييد الحركة بالقوة كما حصل أيضًا في إيطاليا وفرنسا وغيرهما.
وفي هذا الكلام ملاحظتان: الأولى: أن صلاة الجمعة والجماعة لا تجب فقط في المساجد، وأن البديل عن الجمعة والجماعة موجود ومقرر كما هو معروف، فالجماعة تكون في البيت، وبديل الجمعة هو صلاة الظهر. والثانية: أن قياس الخطرَ الموجود في المساجد على الخطر الموجود في الأسواق يُلزم بالقول
بإغلاق المساجد؛ لأن بعض الدول التي أمرت بإغلاق المساجد أمرت بإغلاق الأسواق أيضًا، وفق سياسة وقائية واحدة ومتسقة. هذا إذا سلمنا معه أن الخطر واحد فيهما؛ ولكن بالاستناد إلى كلام الأطباء نجد إن الخطر ليس واحدًا، فالمساجد أخطر؛ نظرًا للمسافة التي سبقت الإشارة إليها فإن القرب لأقل من متر واحد يضاعف من احتمال الإصابة بالفيروس فما بالك بالالتصاق والجلوس لمدة زمنية طويلة نسبيًّا والسجود لعدد كبير من الناس في مكان واحد مغلق في الغالب، ما يعني أن المساجد هي المكان الأكثر خطورة في انتشار الفيروس بالمقارنة مع غيره، وإن كانت احتمالات الإصابة في غيره موجودة أيضًا
إلى الأخذ بالوسائل مع اعتقاد أنها لا تنفع؛ سيوصل رسالة خاطئة إلى الناس، وهو في هذا يصدر عن موقف أشعري تقليدي معروف، ليس هنا مجال تفصيله، ولكن الأشاعرة يرون أن الأسباب لا تضر ولا تنفع وأن وجود النفع والضرر عندها مجرد مسألة جرت بها العادة، ولكن عامة الان تعتبر أن الوقاية نافعة وفق قوانينه التي لا تحابي أحدًا، وهذه المسائل باتت بدهية؛ خصوصًا أن لدى الأطباء اليوم حساباتهم العلمية التي تحدد نسب الإصابة من عدمها وتستطيع تقدير عدد المرضى المتوقعين بحسب نسبة انتشار الفيروس وإمكانات العدوى وحساب جدوى العزل الطوعي الاجتماعي تقربا إلى الله بفعل ما أمر به ولكن مع ذلك يعتقد أنها لن تضره ولن تنفعه .
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قال في تعليقه على صحيح البخاري: “إغلاق المساجد والكعبة وما أشبه ذلك للحاجة لا بأس به، ولا يقال: إن هذا من مَنْع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه؛ لأن هذا لمصلحة أو لحاجة أو لضرورة أحيانًا”.
وهذا يعني انها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإغلاق وتعطيل الجمع والجماعات فقد سبق أن وقع هذا تاريخيًّا عدة مرات، وحكى المؤرخون ذلك، فقد “تعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد” سنة 656 هجرية ، وفي سنة 827 للهجرة وقع بمكة وباء عظيم بحيث مات في كل يوم أربعون نفساً، وحُصر عدد من مات في ربيع الأول فبلغ ألفاً وسبعمائة، يقول ابن حجر: يقال: “إن إمام المقام المكي لم يصلِّ معه في تلك الأيام إلا اثنان، وفي سنة 1215هجرية تعطلت المساجد من الأذان والإمامة لموت أرباب الوظائف في مصر والشام، كما يحكي ذلك الجبرتي في تاريخه.
ولا بد من التأكيد أنه لا أحد يتحدث هنا عن إلغاء حكم تكليفي وهو ”صلاة الجمعة”، بل الحديث عن اللجوء إلى بدلها وهو ”صلاة الظهر”، واللجوء إلى البدل يتم لأدنى سبب في الشريعة كالسفر والمرض والخوف وغير ذلك. فلا أحد يملك أن يلغي حكمًا تكليفيًّا، وإنما يتوجه الحديث إلى الحكم الوضعي، أي إمكانات وظروف تطبيق الحكم التكليفي في الواقع، وقد تطرأ موانع وأسباب عديدة تحول بيننا وبين أداء الحكم التكليفي المعين فنلجأ إلى البديل المتاح، أو إلى القضاء وأدائه في وقت لاحق، أو إلى الكفارة، بحسب الواجب التكليفي وبحسب حالة المكلف نفسه.
ثم ماذا لو تبين للمفتي أن الآلاف سيصابون بفيروس كورونا بناء على الواقع وكلام المختصين من الأطباء؟ هنا محل المسألة التي يتم الحديث عنها، فلا يليق بالمانعين الحديث عن عموم إغلاق المساجد والحديث عن فضائل المساجد وضرورة الشعائر؛ لأنه كلام خارج موضوع النقاش أصلا الإحصائيات تأكد بان ما يعادل 5 إلى 10 حالات غير محددة بعد، بمعنى أن انتشار فيروس كورونا انشطاري وهذا ما يفسر تضاعف عدد الحالات المصابة NYT SINSCE حسب موقع يومًا بعد يوم،
وتؤكد العديد من الأخبار والتقارير أن الفيروس خرج عن مرحلة الاحتواء إلى مرحلة الانتشار، وهو ما يفسر إعلان حالة الطوارئ وتقييد الحركة في أكثر من دولة في العالم بما في ذلك الدولة المغربية. والنقاش بخصوص هذا الموضوع لم يعد يتصل برأي فردي لهذا المفتي أو ذاك، فالمسألة تتصل بمصير الجماعة ككل، وفتوى مفت أو فعل فرد متحمس سيؤثر لا شك على مصير الكل وسيتحمل وزر ذلك أيضًا عند الله، فلم يعد الحديث عن مبدأ منع الضرر فقط، بل يتجاوزه إلى مبدأ منع الإضرار بالآخرين وهذه من القواعد الفقهية والأخلاقية الكبرى.
رجوعا الى استخدام قواعد المناقشة الفقهية، فالمنهج يفرض علينا أن نحتكم إلى أقوال الفقهاء وإلى أدلة الشرع. فأقوال الفقهاء تجيز إغلاق المساجد، ولا يوجد ما ينكر ذلك تاريخيًّا، والأدلة الشرعية لكلا الفريقين؛ المجيزين والمانعين، يستدلون بأدلة عامة؛ لعدم وجود نص خاص في مثل هذه الحالة، فلو سلمنا بتعادل أدلة الفريقين فلا بد من الترجيح بينهما، وفي هذه الحالة
تشكل قواعد الضرر مرجحًا كافيًا وشرعيًّا بين الرأيين، وهذا مما لا شك فيه عند من له ذوق في الفقه.
كما أنه لا يوجد مؤمن يسعى لإغلاق المساجد اختيارًا أو تهاونًا، وما هذا الاختلاف الا حرص على دوام إقامة الشعائر الدينية الجمعة والجماعات، ولكن أوقات الضرورة والطوارئ لها حكم استثنائي خاص، وحفظ النفوس أولى من حفظ الشعائر من حيث الجملة، خصوصًا في الأمراض والأوبئة المعدية كهذه، بل إن واجب الأفراد أن يساهموا في منع الجماعات؛ لأن ذلك في مصلحة الجميع، ولم تعد المسألة اختيارًا فرديًّا، ولا مسألة عزيمة ورخصة، فالعزيمة في هذا الوقت هي ترك الجمعة والجماعات الى اجل قريب تتلاشى فيها تبعات هذا الداء الفتاك.
فاطمة سهلي طنجة المغرب
السابق بوست