في يوم 21غشت من سنة 1415 م، تم احتلال مدينة سبتة والذي شاركت فيه أزيد من 200 سفينة وأزيد من 50 الف من المقاتلين المجهزين والمدربين أحسن تدريب ، من طرف البرتغال في حرب صليبية مدمرة باركها البابا وشاركت فيها الجيوش والسفن من العديد من البلدان المسيحية وخاصة من منطقة كاليسيا شمال الاندلس وفرنسا وألمانيا وغيرها فضلا عن الجيوش البرتغالية المسلحة والمدربة أحسن تدريب،وما رافقها من مذبحة رهيبة ضد سكانها المغاربة المسلمين العزل وسلب ونهب لثرواتها. وحرص ملك البرتغال على تأكيد أن استيلاءه على سبتة لم يكن باسم البرتغال فحسب بل باسم أوروبا المسيحية بأسرها.
كانت مدينة سبتة، والتي هاجمتها الحملة الصليبية بزعامة البرتغال وبمباركة من البابا، واحتلتها سنة 818هــ / 1415م.أول أرض تستعمر في المغرب (الامازيغي-العربي-المسلم )، وأول بلد إفريقي يستولي عليه المستعمر الأوربي في العصور الحديثة.
تحتل مدينة سبتة، كما هو معلوم، موقعا استراتيجياً هاماً. فهي شبه جزيرة مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط وعلى بوغاز جبل طارق بشكل بديع. وغير بعيد عن المدينة إلى جهة الغرب يوجد جبل موسى الذي ينسب إلى موسى بن نصير، الذي فتح طارق بن زياد الأندلس على عهده. وهي محصنة طبيعياً مما شكل صعوبة أمام استرجاعها من طرف المجاهدين وفشلت حملات الحصار المتعاقبة.
وبسبب موقع سبتة، صارت محط أنظار العالم القديم والحديث، لأنها تربط القارة الإفريقية بأوربا، كما كانت تشرف على حركة التجارة العالمية التي تمر عبر البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي. مما جعل الدول تتسابق إما لربط علاقات الود والصداقة والاستفادة من مكاسب تجارية واقتصادية أو لاحتلالها؛ «الأمر الذي جعل لها مكانة مرموقة في العالم السياسي قديماً وحديثاً، وخاصة في العصر العزفي والمريني حيث بلغت المدينة أوج عزها وازدهارها… قبل أن تقع فريسة بين براثن الغزو البرتغالي… »[1].
وتقع سبتة جغرافيا بين ناحيتين كبيرتين: ناحية شرقية تعرف ببلد نكور (الريف)، ويمتد على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط ما بين قبيلتي بني يزناسن شرقاً وغمارة غرباً، وهو يحد جنوباً بورغة، وفيه توجد مدينة مليلية السليبة.
أما الناحية الغربية، فكانت تعرف باسم “غمارة”، وتضم تسع قبائل واقعة إلى شرق مدينة تطوان، وتمثل تلك القبائل المرتبطة بالأصول المصمودية ، القاعدة الأولى التي كان يعتمد عليها زعماء المقاومة . وتنحدر فضلاً عن تلك الأصول الأمازيغية، من أصول عربية دخلت المغرب منذ الفتح الإسلامي، كما تمثل نموذج الامتزاج الأمثل بين سكان المغرب “امتزاج الروح بالبدن”، مما خولها للمساهمة كثيراً في إشعاع الثقافة العربية الإسلامية للمنطقة بأسرها، ومنها مدينة سبتة، التي لم تبلغ مدينة مغربية مستواها في الثقافة والعمران على عهد المرابطين والدول التي تعاقبت بعدهم. ويتحدث جرمان عياش في دراسته عن “بليونش ومصير سبتة بين المغرب وإسبانيا”، (هسبريس تامودا، 1972 ص 7) عن الأهمية الاستراتيجية والعسكرية التي كانت تحتلها :« تتمتع سبتة بمناعة عظيمة باعتبارها شبه جزيرة محاطة بالمياه وحتى البقعة الضيقة التي تربطها باليابسة من جهة الجنوب تخترقها قناة يمكن أن تعزل المدينة وتحميها من أية هجمات تأتيها من القارة».
ويضيف: «إن هذه الوضعية الخاصة جغرافياً والتي منحتها مكانه متميزة في ظل الإسلام، استمرت بعد ذلك، ولكن بشكل معاكس في تحديد مصيرها». وبالفعل، ستستغل سبتة في الاتجاه المعاكس، فعندما كانت ممرّاً أساسياً للفتوحات الإسلامية ولإبحار سلاطين المغرب لمقاومة المد المسيحي، أصبحت بعد سقوطها في أيدي البرتغال، مَعْبَراً لتسهيل احتلال العديد من الثغور المغربية شرقاً وغرباً. فكثيراً ما كان الهجوم على طنجة مثلا لا يتم عبر البحر، بل يتم عبر البر بالعبور من مدينة سبتة. وفضلاً عن موقعها الاستراتيجي والحصين، فقد بلغت مدينة سبتة المغربية مكانة حضارية وعمرانية عظيمة في عهد المرابطين والدول التي تعاقبت بعدهم. وقد أفاض العديد من الأدباء والمؤرخين وغيرهم في الحديث عنها ووصف عمرانها ومكانتها العلمية والأدبية والدينية التي اشتهرت بها على ذلك العهد. وكان الأنصاريمؤلف كتاب “اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار “، يعيش بها حين غزاها البرتغال واحتلوها. فهاجر منها إذ
ذاك إلى إحدى قرى “أنجرة”، واستقر بها، وألف كتابه هذا بها منتهياً من تدوينه عام 825 للهجرة. فخلد، بهذا الكتاب، ذكرى مدينة سبتة وقرية بليونش في الفترة التي سبقت الاحتلال الأجنبي والتي مثلت قمة ما وصلت إليه المدينة المغربية في ظل الحكم العربي الإسلامي من مجد وعظمة ورفاهية. وتتبع ما أورد الأنصاري في كتابه، سيعطينا نظرة وافية عن أهمية العمران في المدينة وحضارتها والشعور بالخسارة الفادحة التي أصابت المغاربة منذ فقدوا هذا المركز الاستراتيجي والثقافي الهام، وما كان لهذه الخسارة من آثار لاحقة على أمن المغرب واستقراره واستقلاله الذي لا يزل مهدداً في وحدته منذ ذلك الحين.
قال الأنصاري في مقدمة الكتاب: «هذا جزء جامع لما كان عليه ثغر سبتة – من الله على المسلمين بفتحه – من قبور أعلام الشرفاء، وجهابذة العلماء، وكبار الأولياء، ونساك الصلحاء، وبلغاء الخطباء، و نبغاء الأدباء، وما يناسب ذلك من معالم الدين وينخرط في سلكه من ذكر المساجد الشريفة السبتية والخزائن المتعددة الفنون العلمية والزوايا والمدارس والروابط والمحارس وسوى ذلك من الأماكن المنبئة بما يدل على شماخة القطر وكثرة الوارد والسالك وما فيها من المضارب والمصائد الكثيرة السمك الجمة الفوائد، وأنبه على شرف القرية البنيونشية، المشهورة في الآفاق بما لها من المحاسن الشاهدة بالفضل والمزية، حسبما جرد من تأليفي “الكواكب الوقادة”و”الإعلام” ليكون سهل المنال قريب المرام»[2]. فالكتاب تاريخ جامع لرجال سبتة وأحوالها وعمارتها ومدارسها وزواياها وتجارتها ومنتزهاتها وغير ذلك مما يتعلق بها، وهو مع هذا إنما هو مختصر من كتابي”الكواكب الوقادة” و”الإعلام” للمؤلف الذي لم يقف الباحثون إلى الآن على أثر لترجمته. لقد كانت مدينة سبتة قبل الاحتلال البرتغالي والاغتصاب الإسباني، منذ فترة مبكرة من حياة المغرب الثقافية، أحد المراكز الهامة التي ازدهرت بها مختلف ضروب المعرفة ونشطت مختلف الفنون والصناعات. لقد جعلها موقعها الفريد والمتميز دائما ملتقى للقادمين من المشرق إلى المغرب والأندلس والعكس، يقيمون فيها وينشرون بها علومهم ومهاراتهم ويذيعون بها آدابهم في مجالس الدرس والتحصيل التي كثرت بها. «وسواء حين كان ينزل المدينة هؤلاء العلماء الوافدون من المشرق، أو حين كان ينتقل إليها هؤلاء الشيوخ القادمون من الأندلس، أو حين كان يهاجر إليها علماء فاس وغير فاس من مدن المغرب، أو حين كان يعود إليها أبناؤها بعد
الرحلة في طلب العلم بحواضره في المشرق أو في الأندلس، كانت سبتة تتلقف من أيدي هؤلاء وأولئك جميعاً مختلِف التيارات والمذاهب العقلية والعلمية والأدبية التي كانت تتدفق بها مجالس الدرس والبحث ومجالات التأليف والتصنيف في فاس وقرطبة وبجاية والقيروان ودمشق وبغداد والقاهرة وغيرها. وكانت سبتة تتأثر بذلك جميعه تأثراً بعيداً. ثم تتمثله على نحو فريد من النضج العقلي، والوعي بالذات، عرفنا صوراً منهما فيما انتهى إلينا من مؤلفات بينها في التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو، والآداب. وكانت المدينة خلال عملية التلقف والتأثر والتمثل والعطاء تكتسب أهميتها بوصفها أحد المراكز العلمية الهامة التي نورت مدى قرون، أفق المعرفة والفكر والأدب، ليس في المغرب الأقصى فحسب، ولكن في الغرب الإسلامي بعامة.
وليس من سبيل إلى بلورة هذه الأهمية والكشف عنها إلا من خلال ما نعرف من كتابات المؤرخين الذين أفردوا المدينة بمؤلفات خاصة، أو الذين وقفوا عندها في تواريخهم العامة، وأيضا من خلال ما وصلنا من إسهام السبتيين في المكتبة الشرعية واللغوية والأدبية ومع أن ما وصلنا من هذا الإسهام قليل بالقياس إلى ما ضاع منه، فإنه يفيد بالغ الفائدة في استخلاص ملامح من حياة المدينة العقلية والعلمية على عصور مؤلفية». (د. حسن الوراكلي، ص 12 )[3]. نعم، لقد بلغت مدينة سبتة شأواً عظيماً في مستواها الثقافي والعمراني لم تبلغه مدينة مغربية أخرى على عهد المرابطين والعهود التي توالت بعدهم. وذلك قبل أن يحتلها البرتغال والإسبان من بعدهم، ويقضوا على المعالم المدنية والحضارية بها ويحولونها إلى ثكنة عسكرية وإلى معتقل للمجرمين. لقد أطلق الإسبان على الجيوب المغربية المحتلة في الشمال اسم PRESIDIOS، أي المعتقلات الخاصة بأخطر المجرمين. وبهذا الاسم ورد ذكرها في جميع الوثائق والمستندات الإسبانية. وتقول المصادر البرتغالية إنه عندما دبرت إسبانيا المؤامرة التي مكنتها من اغتصاب مدينة سبتة سنة 1640، لم تعتمد في ذلك إلا على العدد الكبير من المجرمين البرتغاليين الذين كانوا بها وساعدوا المرتزقة الإسبان على تنفيذ المؤامرة. وتشهد الوثائق البرتغالية والإسبانية على أن الجيوب المذكورة لم يكن بها من السكان المدنيين غير السجناء. وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الإسباني كوردييو ما يلي: «لقد نفذ أمر الملك البرتغالي خوان الأول بكل دقة، لدرجة أنه يمكن القول بأن أصل سكان مدينة سبتة البرتغاليين كان من السجناء، كما
كان أصل السكان الإسبان كذلك من السجناء». (Gordillo عن كتاب “سبتة ومليلية في عهد الحماية”، محمد ابن عزوز حكيم، الرباط 1988، ص 25). كما أورد ابن عثمان وصفاً لسبتة في عهد الاحتلال الاسباني في كتابه “الإكسير في فكاك الأسير” الذي سجل فيه رحلته إلى إسبانيا سفيراً عن سلطان المغرب سيدي محمد بن عبد الله عام 1193هـ/1779م وقيد به ما آل إليه أمرها إذ صارت مجرد قلعة حربية لمن كان بها من جنود الاحتلال وسجناً أو منفى لعدد من المجرمين الذين كانت الدولة الإسبانية تخرجهم من بلادها تفادياً لجرائمهم، وأظهر ابن عثمان ما كان يشغل أمر حراسها ويرهقهم من خوف المسلمين وما أقاموه من تحصينات معقدة وأسوار كثيفة حول المدينة وإجراءات أمنية مبالغ فيها وحفائر وأجراء للماء من جهة الغرب الذي يصل المدينة بالأرض المغربية مما جعلها تشكل في هذا العصر جزيرة يحيط بها البحر من كل الجهات. (إدريس خليفة، التاريخ المغربي لمدينة سبتة، ج 1، الرباط، 1988، ص 53). سيخلف احتلال سبتة أثراً كبيراً في نفوس المغاربة وجرحاً عميقاً لم يندمل، ولن يندمل إلا بعودتها إلى حظيرة الوطن. وكانت حركات المقاومة وإنشاء المرابط والزوايا وتألق الأولياء والأشراف، اندفاعات دينية وقومية عكست مدى الخطر الصليبي الذي تهدد المغرب، بعد سقوط سبتة في أيدي البرتغال وبعدها في أيدي الإسبان. وهنا نذكر بأن الاستيلاء على سبتة قوبل بالترحيب في العالم المسيحي، وأثار حماساً كبيراً “لأنه كان بمثابة حملة صليبية ناجحة” كرد فعل ضد انتصار الأتراك العثمانيين في شرق أوربا على التحالف المسيحي والذي اعتبر احتلال سبتة على أنه أول هجوم مسيحي مضاد ناجح ضد المسلمين. وقد حرص ملك البرتغال على التوكيد بأن استيلاءه على سبتة لم يكن باسم البرتغال فحسب، بل باسم العالم المسيحي بأسره وأول استيطان أوروبي ثابت على ساحل المغرب الأقصى. كما تتحدث كثير من المصادر عن استماتة سكان سبتة في الدفاع عن مدينتهم رغم تفوق العدو عُدةً واستعداداً، وتصف قيامهم بالهجوم دون سلاح على الغزاة، وتذكر أن المغاربة قاتلوا دفاعاً عن مدينتهم وعن منازلهم حتى النهاية، “مؤثرين الموت على الفرار، وهم عُزَّلٌ من السلاح، يرمون أنفسهم على الجند المسلحين مستميتين في القتال، ولم يستسلموا حتى أمام الكثرة من الجند، وكان من يسقط منهم جريحاً يواصل القتال ويلوح بيده على أعدائه”. نضيف إلى ذلك أن صالح بن صالح آخر حكام سبتة لم يحسن الاستفادة من الإمدادات الإقليمية. كما أن أبا سعيد المريني ملك فاس، تخاذل ولم ينهض لاستردادها، بل بالعكس أتاه الخبر وهو منغمس في وليمة ولم يوقف الاحتفال. وبعد يومين من سقوط
المدينة في أيدي البرتغال، قام ملكهم بتحويل المسجد الجامع بمدينة سبتة إلى كنيسة كاثوليكية، وأقيم فيها حفل كبير جرى فيه ترسيم أبناء الملك الثلاثة فرساناً.
ورصد ازورارا أصداء الاجتماع الذي عقده سكان سبتة الناجين من بطش البرتغال ، للنظر في وضعيتهم الجديدة التي فرضت عليهم البقاء خارج أسوار مدينتهم. وكان المجتمعون حسب ما يعتبره المؤرخون “المحضر الشفوي للاجتماع”، من كبار رجال سبتة، وبحضور عبد الله (عب) بن محمد المجكسي، بصفته رئيس المجاهدين. و بالطبع لا يمكن التعرف على العدد الذي كان يمثله أولئك في الاجتماع، ومن هم نواب الجماعات. وما يمكن قوله عن تقرير السكان المطرودين أن عددهم يساوي أغلب من نجا من الأسر أو القتل داخل المدينة. أما مقدار المفقودين فتراوح بين 5.000 و 10.000 بين قتيل و أسير.(أزورارا عن حسن الفكيكي ، المرجع السابق ص.97.) . ويؤكد الفكيكي أن جل سكان المدينة الذين نجوا من المذبحة الرهيبة ،كان حاضرا بالمقربات إلى غاية فاتح سبتمبر من سنة الاحتلال، وهو التاريخ الذي تأكد فيه للسبتيين إصرار البرتغال على البقاء بالمدينة. و ابتداء من هذا التاريخ بدأ السكان التفكير في مغادرة المكان . ولربما استرجع سكان سبتة بعض معنوياتهم، نتيجة حضور المجاهد عبد الله (عب) بن محمد برجال مجكاسة يوم 10 سبتمبر، غير أن الآمال عادت الى نضوبها تدريجيا، باعتبار النتائج الحربية الضعيفة المتوصل إليها بالميدان ، مما ترتب عنه شروع بعض الجماعات في البحث عن أماكن الاستقرار أكثر أمنا وأضمن للعيش، مما هو ظاهر من محضر الاجتماع. ومع ذلك فان عدد السكان السبتيين المتبقي في آخر نوفمبر كان ما يزال هاما، ينتظر القرار الجماعي الأخير. “و الثابت لدينا ،حسب حسن الفكيكي، أن جبل غمارة المقابل لسبتة كان خلال المدة المتراوحة بين آخر شعبان ونهاية رمضان، نوفمبر سنة الاحتلال، خاليا من سكان سبتة المطرودين ، مما مكن البرتغاليين من الشروع في غزو القرى المجكسية ، بدءا بقرية النارنج. فهل يمكن التعرف على الجهات التي قصدها سكان سبتة أخيرا؟” هناك ما يطمئن من الأجوبة ، فقد ذكرت حوليات ازورارا ، أن بنيونش استقبلت عددا منهم، لذلك كانت الهدف الثاني من سلسلة غزو الحامية البرتغالية للقرى المجكسية. ويشارك في هذا الرأي ،المجهول صاحب التقييد الذي اعتمده الشراط في كتابه عن حروب المجاهدين “كشف
الحجاب……”بقوله : و الكل عرف أن سكان بنيونش و البيوت و الفنيدق ( قلعة متنة) و تغرامت، وغيرها من القرى المجاورة ، ينتمون إلى أسر أصلها من سبتة”(محمد ابن عزوز حكيم “لماذا نطالب باسترجاع مدينتي سبتة ومليلية ” ،تطوان ، 1979، ص. 25).
“ووجدنا صاحب الرأي الثاني قد صرح في الاجتماع المشار اليه ينصح المجتمعين بالتفرق على الجهات، ويعبر بالنسبة إليه عن رغبته للتوجه إلى القصر الصغير”.
“وهناك أيضا مدينة تطوان التي تأكدنا من استعادة حياتها الكاملة قبل سنة 840/1436 هـ . مما دل على أنها آوت العديد من السبتيين ، وأغلب الظن أن المجاهد سيدي طلحة الدريج كان من بين هؤلاء الذين استقروا بمدينة تطوان بما يكفي لتعمير المدينة و اعادة بناء أسوارها و مرافقها المدنية و الحربية”.( حسن الفكيكي،”سبتة المغربية”، ص.99). ويمكن أن نقول نفس الشيء عن القرى المجكسية. إذ أن التنظيم المقترح في الاجتماع المذكور من طرف أصحاب الرأي الثالث، فيما يخص الحراسة، وجدناه مطبقا في القرى المعرضة للغزو، سواء بمجكسة أو بقرى أنجرة وبنى حزمار. تطرح هذه الفترة الأولى من الوجود البرتغالي بسبتة مشكل الوضعية التي كانت عليه القوة الدفاعية بالشمال الغربي، ويظهر هذا من تعدد صور اختلال التوازن الحربي بين بلادنا وشبه الجزيرة الايبيرية . وتبين هذا منذ الاشهر الأولى من الاستقرار البرتغالي بسبتة. ففي هذا الإطار ينبغي فهم حركة المقاومة .
كما عكست حركات المقاومة، في نفس الوقت، مدى الروح الوطنية العالية التي سادت، في مواجهة الحملات الصليبية والأطماع الاستعمارية. ويكفي للدلالة على إصرار المغرب، أن نذكر بأن مدينة سبتة عرفت منذ أن سقطت في قبضة البرتغال ثم الإسبان بعدهم، 116 حصاراً، وكان أطولها الحصار الذي ضربه الملك العلوي العظيم المولى إسماعيل ابتداءً من سنة 1694م ودام 33سنة، وأكثر من 130 هجوماً. وخارج هذه العمليات، فإن المدينة ظلت محاصرة دائماً من طرف القبائل المغربية المجاورة لها وبتنظيم من زوايا الجهاد، والتي كانت تتقوى كلما ضعفت السلطة المركزية، خاصة أواخر عهد المرينيين وأيام الوطاسيين والذين بسبب عجزهم عن قيادة
المقاومة، فقد فضلوا إبرام الصلح، فأخذ زعماء الزوايا يطعنون في سلطتهم وقاموا بتنظيم المقاومة ضد الاحتلال، بل هيأت تلك الزوايا الظروف لسقوط الوطاسيين وصعود الشرفاء السعديين إلى الحكم. مما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المغرب لم يرضخ عبر التاريخ لوجود أجنبي فوق أرضه، فقد شن الحملة تلو الحملة، وخاض المعارك عسكرياً وديبلوماسياً لتحرير الثغور الشاطئية، ونجح في طرد المحتلين من جميع موانئه باستثناء سبتة ومليلية والجزر الجعفرية. كما تأتي أهمية نشر هذا العمل الجماعي والمشترك، من ملاحظتنا لقلة المصادر المتداولة التي تتحدث عن رجالات المقاومة وعن نضج الوعي الوطني خلال فترة عصيبة من تاريخ المغرب، تعرض فيها لهجوم صليبي وحشي. فعلى الرغم من تعدد المصادر التي تتحدث عن المقاومة المغربية وعن جهاد المجاهدين وحصارهم لمدينتي سبتة ومليلية، سواء المصادر الأجنبية أو المغربية، فإنها تبقى بشكل عام شحيحة في الحديث عن شخصيتهم، ولا تقدم تفاصيل عن حياتهم وعن رباطهم وعن علاقاتهم واستعداداتهم للجهاد وما إلى ذلك مما كان سيفيدنا لا محالة في معرفتهم أكثر والتعرف على جميع الظروف التي رافقت عملياتهم الحربية، وكذا نتائجها المباشرة وغير المباشرة (…) وكانت تكتفي في أحسن الأحوال بإشارات سريعة إلى ملاحمهم وبطولاتهم.”
للتذكير :في عام 1987، بعد لقاء أجراه الملك الراحل الحسن الثاني مع وزير الداخلية الإسباني خوصي باريونويفو José Barrionuevo ، سلم لهذا الأخير رسالة موجهة إلى العاهل الإسباني خوان كارلوس . وفي الرسالة، اقترح فيها الحسن الثاني على نظيره الإسباني إنشاء خلية تفكير لمعالجة الوضع المستقبلي لمدينتي سبتة ومليلية.
[1] – إدريس خليفة، التاريخ المغربي لمدينة سبتة، الرباط 1988، ص 12. [2] – محمد بن القاسم الأنصاري السبتي، “اختصار الأخبار “تحقيق عبد الوهاب بن منصور، الرباط، 1983.
[3] – د. حسن الوراكلي، “شيوخ العلم وكتب الدرس في سبتة”، تطوان، 1984. -عن كتاب :””التاريخ الوطني لمدينة سبتة والدور الريادي لأعلام تطوان: سيدي طلحة الدريج نموذجا”، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين
وأعضاء جيش التحرير”، الرباط ، 2018.
الدكتور محمد الدريج .