إذا كان يقال “مصر هبة النيل” فإننا يمكننا أن نقول بكل افتخار “المغرب هبة القرويين”، الجامعة ذائعة الصيت عالميا ، والتي اختارتها “منظمة (اليونسكو) ضمن التراث العالمي الإنساني.
وارتباطا بهذه الجامعة بفاس والتي تعتبر أقدم جامعة في العالم إذ بنيت على عهد الأدارسة عام 245 هـ ، أنشأت خزانة القرويين ، وهي كذلك إحدى أقدم الخزانات التراثية المغربية ، تأسست سنة 750 هـ تحت إشراف السلطان أبي عنان المريني . وقد عرفت على مر الزمان عدة عمليات التهيئة والترميم والإصلاح في عهد الملوك العلويين، واستمر ذلك إلى عهد الملك محمد السادس.
وقد حافظت خزانة القرويين على دورها البارز في ميادين العلوم بمختلف فروعها الدينية والدنيوية والمعرفـة عموما ، لفائدة الباحثين والطلبة من المغرب ومن دول إفريقية واسلامية …وغيرها . وقد تم إغناء رصيدها الوثائقي من هبات أوقاف السلاطين والأمراء، والعلماء الذين زودوها بكتب نادرة .
وفي سنة 2018 اختارت مجلة “التايم” الأمريكية، مكتبة القرويين في مدينة فاس ضمن “أعظم 100 موقع في العالم” تجب زيارتها ؛ وذلك ضمن تقرير دولي شمل ست قارات. وقالت تلك المجلة العريقة إن اختيار مكتبة القرويين ضمن القائمة يأتي لأنها “أقدم مكتبة في العالم وتشد انتباه زائري مدينة فاس المغربية”.
وتضم مكتبة القرويين حوالي أربعة آلاف مخطوطة مفهرسة بطريقة إلكترونية علمية، منها مصحف يعود إلى نهاية القرن الثاني وبداية الثالث الهجري مكتوب بماء الذهب على رق الغزال بخط كوفي قديم، ونسخة من كتاب “العبر” لابن خلدون، بخط يده، أهداها إلى المكتبة حين كان يدرس في فاس.
وتحتوي هذه المكتبة المغربية المائزة كذلك، على مخطوط نادر على شكل أرجوزة طبية كتبها ابن طفيل، وهي النسخة الوحيدة المعروفة في العالم لهذا الفيلسوف والطبيب، ومخطوط آخر لكتاب ابن رشد “البيان والتحصيل” مكتوب على رق الغزال ومذهب، وإنجيل مكتوب باللغة العربية يعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، إلى جانب 600 مطبوع حجري. كما تضم الخزانة مختبرا لترميم وإصلاح المخطوطات، وجهزت بوسائل تكنولوجية للحفاظ على هذه المخطوطات والوثائق النادرة من الرطوبة والحرائق والسرقة، حيث وضعت في جناح خاص في الطابق الثاني من بناية الخزانة، لا يفتح إلا بقن إلكتروني. وكان ذلك في إطار مشروع رقمنة وتحديث المكتبة .
منذ تأسيسها، ظلت المكتبة تتخذ جناحا داخل جامع القرويين والذي يعد أول جامعة في العالم ،كما أسلفنا ، والتي لم تتوقف عن التدريس ونشر العلم شرقا وغربا شمالا وجنوبا ومنح الشهادات منذ إنشائها إلى اليوم ، وقد ارتبط اسم الخزانة بها ، وكانت مقرا لها، قبل أن تنفصل ويصبح لها باب خارج الجامعة ، حيث مقرها الحالي.
محمد الدريج .