بعد ما جاء في الخطابات الملكية الأخيرة: خطاب العرش، وخطاب ثورة الملك والشعب، وخطاب جلسة افتتاح البرلمان حول الحماية الاجتماعية، وعلى قرب من تقديم تقرير النموذج التنموي لجلالة الملك، أعيد نشر هذا المقال الذي كتبته في شهر أبريل من سنة 2020 لكونه مازال يحافظ على راهنيته مع اجتياح فيروس كورونا، احتل موضوعا الحماية الصحية والاجتماعية مكان الصدارة، وأصبح الجميع مقتنعا بأهمية أبعادهما الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وبالرجوع إلى قانون الشغل وقوانين الحماية الاجتماعية، نجد العديد من الاتفاقيات والقوانين التي تنظم هذين المجالين، ومنها الاتفاقية الدولية رقم 187 في شأن إستراتيجية السلامة والصحة المهنيتين الصادرة في 31 ماي 2006، والتي صادق عليها المغرب بظهير 1-13 – 59 بتاريخ 17-06 -2013. والاتفاقية الدولية رقم 102 في شأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي الصادرة في 4 يونيو 1952، والتي صادق عليها المغرب بظهير 1-13- 28 بتاريخ 13 مارس 2013، والمتضمنة في اتفاق 26 أبريل 2011، الموقع بين الحكومة والنقابات وأرباب العمل، علماً أن الحكومة لم تقم بوضع وثائق التصديق لدى منظمة العمل الدولية إلا خلال انعقاد مؤتمرها الأخير بتاريخ 14 – 06- 2019. وقد نص دستور فاتح يوليوز 2011 في تصديره على: “جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، قوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملائمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة”. كما نص في بداية الفصل31 منه على: “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات على تعبئة كل الوسائل المتاحة لنشر أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: – العلاج والعناية الصحية. – الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة)”. وبالنسبة لقانون الشغل في ما يخص حماية صحة الأجراء، فمنذ بداية الاستقلال صدر ظهير 8 يوليوز 1957 بشأن تنظيم المصالح الطبية للشغل. وعند التوافق على مدونة الشغل تم إحداث باب خاص بحفظ صحة الأجراء وسلامتهم، بدءاً من المادة 281 إلى المادة 344، تضمّن ما يجب القيام به لهذه الغاية، بما في ذلك إحداث المصالح الطبية للشغل بكل مقاولة تشغل أزيد من خمسين أجيرا، وبشكل مشترك بالنسبة للمقاولات التي تشغل عددا أقل من خمسين أجيرا، أو التي تصنع موادَّ تضر بصحة العمال، وإحداث لجان الصحة والسلامة بنسبة للمقاولات التي تشغل أكثر من خمسين أجيرا، وإحداث مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية المتكون من ممثلين عن الحكومة والنقابات وأرباب العمل؛ تضاف إلى ذلك مواد المدونة ذات العلاقة بالموضوع، وبالأخص التي تعني الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل لكونهم معنيين بالسهر على تطبيق القانون. – وإثر أحداث معمل روزامور بالدار البيضاء سنة 2004 تم إحداث المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية بالعمل بتعليمات ملكية. -وبالنسبة للحماية الاجتماعية فقد تم إصدار العديد من القوانين والآليات التي تنظم هذا المجال، ومنها: * الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 184-72-1 الصادر 27 يوليوز 1972 حول نظام الضمان الاجتماعي. * القانون 65-00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الصادر بتاريخ 3 دجنبر 2002. * القانون 12- 18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل الصادر بتاريخ 29 دجنبر 2014. * القانون رقم 14-03 المتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل الصادر في 11 نونبر 2014، والذي يحتاج إلى مراجعة شاملة. * القانون 15- 98 المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطاً خاصاً الصادر بتاريخ 23 يونيو 2017. * القانون 15-99 المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا الصادر في 5 ديسمبر 2017. * المرسوم رقم 763-19-2 الصادر في 3 أكتوبر 2019 المتعلق بتطبيق القانون 15- 98 والقانون 15- 99. * المرسوم رقم 2- 19-719 بتاريخ 3 أكتوبر 2019 بشأن القابلات ومهنيي الصحة. * المرسوم رقم 2-1-769 بتاريخ 3 أكتوبر 2019 بشأن العدول. ولكون موضوعنا يتعلق بتعميم الحماية، لن يتناول ما يتعلق بالقطاع العام الذي يحتاج إلى مراجعة جذرية وإلى الانسجام. – ومن خلال استعراضنا هذه القوانين يتبين أن هناك مجهوداً في إصدار القوانين، غير أن هناك نقصاً كبيراً في ما يتعلق بالتطبيق، ويتمثل ذلك بالأخص في: * عدم تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على جميع الأجراء، إذ يصل عدد الأجراء المصرح بهم إلى 3.250.000. وهناك نسبة كبيرة من الأجراء غير مصرح بهم، جلهم ينتمون إلى قطاع الفلاحة والبناء والنقل بمختلف مكوناته وعمال المقاهي والمطاعم وغيرها، يضاف إلى ذلك أن جل التصريحات غير سليمة. * عدم الإسراع في تمديد التغطية الصحية والتقاعد على المهنيين غير الأجراء والعاملين لحسابهم الخاص، إذ يلاحظ أن هذه العملية تسير ببطء وبالأخص في القطاعات الواسعة التي يوجد فيها عدد كبير من المهنيين، وحتى بالنسبة لما تم القيام به في شأن القابلات والعدول، إذ تم إصدار المرسومين الخاصين بهاتين الفئتين، إلا أن عدد الذين استجابوا للعدول لم يتجاوز 153 من أصل 2200، في حين لم تتم الاستجابة بالنسبة للقابلات. * عدم تعميم المساعدة الطبية (راميد) على المستحقين، إذ تبين بعد اجتياح جائحة كورونا أن نسبة كبيرة من المواطنين لا يتوفرون على البطاقات التي تخول لهم الاستفادة من هذا الحق. وحسب الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2019 فإن عدد السكان النشيطين هو 10,975,000، وعدد الأجراء منهم هو 5,499,000، بنسبة 50,1 بالمائة، وعدد المهنيين غير الأجراء هو 5,476,000 بنسبة 49,9 بالمئة ، وبذلك يتبين حجم الإختلالات سواء بالنسبة للأجراء أو بالنسبة للمهنيين العاملين لحسابهم الخاص.
وكان من الممكن لو تم تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على جميع الأجراء وتمديد التغطية الصحية والتقاعد على المهنيين غير الإجراء والعاملين لحسابهم الخاص أن يساعد في الإسراع في تعميم الاستفادة من نظام الحماية الصحية “راميد” على جميع المستحقين دون صعوبة، ما يتطلب متابعة الخطوات قصد تمتيعهم بالحماية الاجتماعية، وهو ما يستدعي ضرورة التوحيد والتكامل بين جميع أنظمة الحماية الاجتماعية في أفق بداية العمل بالسجل الاجتماعي المشترك. ومن هنا تأتي أهمية الصندوق الخاص الذي أحدث بتعليمات ملكية لتدارك الاختلالات التي يعرفها هذا المجال في هذه الظرفية الدقيقة، في انتظار الإسراع في العمل من أجل تطبيق القانون بما يحمي حقوق الجميع.