تقوم وسائل الإعلام بدور أساسي في تعميق الوعي بالهوية الثقافية ونقلها وتغييرها، وهي وظيفة مهمة لمقاومة الغزو الثقافي؛ فهذه الوسائل هي أدوات ثقافية ذات وجهين، تساعد على دعم المواقف أو التأثير فيها، وعلى تعزيز ونشر الأنماط السلوكية الصحيحة وتحقيق التكامل الاجتماعي، وإضفاء طابع ديمقراطي على الثقافية من جهة. ومن جهة أخرى يمكن أن تصبح أداة لبث الصور النمطية والدونية وطمس الهويات، وتغيب الفكر النقدي لدى المتلقي.
إن علاقة بين الإعلام والثقافة هي في جوهرها علاقة متداخلة إلى حد التطابق، الامر الذي يبدو واضحا عندا تدقيقنا في السياسات الإعلامية والسياسات الثقافية.
وفي هذا السياق، ونتيجة ذلك التداخل والتطابق بين ما هو إعلامي وما هو ثقافي، نلاحظ أن الثقافة المغربية تعرف نوعا من الغموض والارتباك حول معنى التنوع الثقافي، فالعرض الثقافي المقدم غالبا ما يغيب عنه الوعي بالشروط والرهانات الثقافية، الأمر الذي يكون له تأثير سلبي على الارتقاء بالذوق الثقافي.
ومن جهة أخرى، نلاحظ أن اللغتين العربية والأمازيغية تعانيان من مشكلات كبرى في الخطاب الإعلامي المغربي، من حيث هما خزان رمزي للإبداع وليستا مجرد أداة للتعبير، فهما عرضة لكل أشكال الانتقاص في قواعدهما وأنماط تداولهما؛ ولعل المشهد الفسيفسائي للخطاب الإعلامي المغربي بمختلف مستنداته التقنية يعكس هذا الواقع اللغوي.
وهو ما يطرح تساؤلات على وسائل الإعلام المغربية ومدى اهتمامها بالمنتوج الثقافي المغرب، بالنظر إلى الغنى والتنوع الذي يتميز به سواء منه المادي أو اللامادي؛ فعلى مستوى أكثر قناتين مشاهدة (الأول والثانية) تظل البرامج المهتمة بالشأن الثقافي متواضعة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب.
وفي هذا الإطار، تبنت الدولة إصلاحات مهمة في قطاع الإعلام خاصة على مستوى الإعلام المرئي والمسموع، من أجل الدفع به قدما وحتى يتمكن من لعب دور رئيسي في عملية الدمقرطة والتحديث والتنمية؛ غير أن ما يلاحظ على هذه الاصلاحات أنها ركزت بشكل مفرط على الثقافة الاستهلاكية ومتطلبات الحياة اليومية على حساب مواضيع أخرى، (المشاركة السياسية، الحق في التنوع، حق التعبير عن الرأي، الحق في التظاهر…).
مما يطرح إشكالية المضامين الثقافية في الخطاب الإعلامي المغربي، التي يتعين الاشتغال عليها وفق استراتيجية تتبنى سياسات ثقافية تكون فيها الأولوية لنشر القيم الإيجابية والوعي الثقافي والرقي بالجمهور المتلقي، وتساهم في نشر روح المبادرة والعمل والتسامح والتعايش وقبول الأخر؛ وإيلاء العناية للتراث الثقافي والممارسات الجديدة في المجال الثقافي، ومحاولة الاستفادة من الامكانيات التي تتيحها التكنولوجية الرقمية.
ونتيجة لتزايد تأثير وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الحديثة على الحياة اليومية للأفراد وتكوينهم الفكري والثقافي وتنشئتهم الاجتماعية، وما يتسبب فيه ذلك من تداعيات سلبية وخطيرة على منظومة القيم، تدفعنا اليوم وأكثر من أي وقت إلى الدعوة إلى ضرورة، تبني سياسات ثقافية نموذجية، تعمل على إعادة هيكلة الخطاب الإعلامي المغربي وجعله متنوعا ثقافيا، لإحداث تحول جذري في المشهد الثقافي المغربي ومهننة الثقافة، حتى يصبح أداة يُسلط الضوء من خلالها على تاريخ البلاد وتراثها ومآثرها ونمط العيش المغربي، بما يساهم في خدمة مصالح المغرب السياسية والاقتصادية والثقافية.
فاطمة لمحرحر
باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية