إن استمرار انتشار فيروس كورونا وغياب لقاح مضاد، خلف تداعيات كثيرة وسبب أزمة صحية عالمية تلتها أزمة اقتصادية شاملة؛ وهو ما جعل هاتين الأزمتين تشكلان خطرا على حقوق الإنسان، فقد نتج عن الأزمة الأولى تهديد للحق في الحياة والحق في الصحة والحق في التنقل وتقييد الحرية، أما الثانية فقد تسببت في فقدان الحق في العمل والحق في الملكية والعديد من حقوق الإنسان الأساسية الأخرى؛ مما أصبحت معه الدول ملزمة بدعم حقوق الإنسان في الأراضي الخاضعة لولايتها، كما تتحمل الشركات مسؤولية احترام هذه الحقوق داخل مؤسساتها وطوال سلاسل القيمة الاقتصادية الخاضعة لها.
وفي ظل حالة الارتباك والذهول التي يعيشها العالم بسبب جائحة كورونا، اتخذت الدول والحكومات العديد من الإجراءات والتدابير لمكافحة الفيروس والحد من انتشاره، بالنظر للأخطار غير المسبوقة لكوفيد- 19 على حياة ورفاهية الرجال والنساء والأطفال في جميع أنحاء العالم، وكذلك على أداء الاقتصاد العالمي والأعمال التجارية؛ وقد تنوعت هذه الإجراءات بين إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة وحظر التجوال الجزئي والكلي.
وأمام هذا الواقع المستجد، برزت إشكالية حماية حقوق الإنسان كما هي مكرسة في المواثيق الوطنية والدولية، حيث أن معظم الدول التي طالتها الجائحة تبنت تقريبا تدابير وإجراءات متشابهة تمحورت جلها حول إعلان حالة الطوارئ وحظر التجوال، مما أثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان.
ومن جهة أخرى، فتفشي الفيروس بسرعة شديدة ولم تكن العديد من الدول جاهزة للتعامل معه بما فيها الدول المتقدمة كما أن تكلفة احتواء هذا الفيروس بدت باهضة، وهو ما يشير إلى أن أية قرارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية تتخذها الحكومات للتعامل مع الأزمة من شأنها التأثير على قدرة مئات الآلاف من الناس في تخطي هذه الفترة، مما قد يؤدي إلى تضاعف انتشار اللامساواة في أنحاء العالم في عدة مجالات مثل الرعاية الصحية والأمان الاجتماعي والوظائف والتعليم والخدمات الأساسية، خاصة في الدول التي لا تتوفر على الحماية الاجتماعية والاقتصادية والطبية للفئات الأكثر تضررا.
إلى جانب ذلك، لا يواجه العالم فيروس كورونا ككيان واحد كما لا يتساوى تعامل الدول معه ويرجع ذلك بشكل كبير لتفاوت مستويات التقدم وتفشي اللامساواة ليس فقط بين الدول ولكن داخل الدولة الواحدة، ما يؤدي لتضرر فئات بعينها أكثر من أخرى مثل العاطلين وعمال اليومية والنساء واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والمرضى، بالإضافة لمن يعيشون تحت الاحتلال أو في مناطق حرب أو في دول تشهد انهيار اقتصادي.
كل هذه الأوضاع تدفعنا للقول أن تأثير فيروس كورونا سيكون أكثر حدة وخطورة في الجنوب العالمي، بسبب غياب المساواة الاقتصادية والاجتماعية وعدم الاستقرار؛ وإن التزام الدول بحماية حقوق الإنسان في ظل هذا الظرف الاستثنائي يطرح تساؤلات كثيرة حول المعايير التي تحكم حقوق الإنسان في حالة الطوارئ وما جاءت به المعاهدات الدولية من استثناءات في تطبيق قواعد حماية تلك الحقوق، ما يستحق تحليل دور الدول والتزاماتها تجاه حقوق الإنسان في حدود ما يتطلبه الوضع وريثما تعود الأمور إلى حالها الطبيعي بزوال الظرف الاستثنائي، وقد أشارت ميشيل باشيليت[1] إلى أنه في أوقات الأزمات يمكن لقيم حقوق الإنسان أن تقودنا في الاتجاه الصحيح، ماذا يفترض أن تفعل الحكومات في مثل هذه الظروف؟ وماذا يمكن أن نتوقع في هذا السياق من الدولة؟
– رئيسة المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
فاطمة لمحرحر
باحثة في الدراسات السياسية والقانون العام
كلية الحقوق-فاس