-بقلم:عزيزلعويـسي .
زيارة طبيب عام أو خاص، لابد وأن تنتهي عند الصيدلي لأخذ الدواء أو الأدوية الضرورية حسب الوصفة المقترحة من قبل الطبيب، وفي أحيان كثيرة يضطر المواطن المريض أو المصاب بألم ما، أن يعرج مباشرة على الصيدلية، لاقتناء بعض الأدوية المتداولة في حالة الإصابة بوعكة صحية مفاجئة من قبيل الحمى أو نزلة برد أو ألم في الأسنان أو من أجل قياس الضغط أو الكشف عن مستوى السكر في الدم أو التزود بنصيحة أو إرشاد طبي …إلخ، وهذه الخدمات بشكل عام، لايمكن أن تمر أو تمـرر إلا عبر الصيادلة وخاصة عبر مساعديهم، وبلغة الأرقام ، فإن حوالي مليون مغربي يحتاجون إلى خدمة مساعد الصيدلي بشكل يومي ، أي ما يقارب 30 مليون مواطن يزورون الصيدليات كل شهر حسب الإحصائيات المتداولة، وهذه الأرقام المعبرة، تجعل من مساعدي الصيادلة ركنا أساسيا في المنظومة الصحية بمفهومها العام، لدورهم المحوري في “التوعية الصحية” وفي تحقيق “صحة القرب”، لكن هذا الدور الوظيفي الذي لايمكن تجاهله أو إغفاله، توازيه ممارسة مهنية حاملة لمفردات المعاناة والإكراهات والإقصاء والعتاب وعدم الاعتراف، وهذا الواقع، يجعل المهنيين يتوحدون عند مطالب إصلاح المهنة وتنظيمها بما يضمن الحماية القانونية والمهنية والاجتماعية لممارسيها، كمدخل أساس لكسب رهان الجودة وخدمة المواطن .
وبما أن أهل مكة /المهنة أدرى بشعابها/مشاكلها، فيصعب علينا ونحن أبعد ما يكـون من القطاع الصيدلي، النبش في حفريات ما تواجهه المهنة من مشاكل وإكراهات موضوعية، ما لم يتـم رصد المعاناة بعيون أصحابها أو ممارسيها، وفي هذا الإطار فقد فتحت جريدة “الإنماء بريس” في شخص مديرها العام الإعلامي والفاعل الجمعوي الأستاذ “عبدالفتاح بلقاسمي إدريسي”، فتحت ملف مساعدي الصيادلة في محاولة لرصد ما تعيشه المهنة من مشاكل وصعوبات، وذلك باستضافـة رئيس “جمعية النور لمساعدي الصيادلة بجهة فاس مكناس” السيد عبدالحق مفتوح، الذي تطرق بإسهاب إلى ما يعيشه “مساعدو الصيادلة” من مشاكل وإكراهات مهنية واجتماعية، حصرها أساسا في غياب قانون خاص ينظم المهنـة ويؤطرها، وضعف وهزالة الأجور قياسا للأدوار التي يضطلع بها مساعد الصيدلي، وعدم الاستفادة من خدمات الضمان الاجتماعي ، وفي هذا الصدد، أفاد المصـرح أنه ما بين 60% إلى 70%من الشغيلة غير مصرح بها، وحتى من يحظى بالتصريح لدى المؤسسة يتم التصريح له بعشرة أيام فقط علما أن مدة الاشتغال تتجاوز 26 يوما، كما صرح المعني بالأمر أن هناك تفاوتات بين ساعات العمل اليومية بين الجهات وأحيانا حتى داخل المدينة الوحيـدة، مضيفا أن بعض الجهات تشتغل أكثـر من 16 ساعة في اليـوم، فضلا عن الاشتغال في المناسبات الوطنيـة بدون أي تعويـض، وعدم الاستفادة من الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بالتكوين، والناتجة بالأساس حسب ذات المصرح، عن غياب قانون خاص بالمهنة، يؤطر وينظم الممارسة المهنية من كل جوانبها، وعن سـؤال موجه له بخصوص وضعية الشغيلة في زمن كورونا، فقد أفاد السيد “رئيس جمعية النـور” أن مجموعة من مساعدي الصيادلة تعرضوا للإصابة وبعضهم فارق الحيــاة بالنظر إلى احتكاكهم المباشر بالمرضى الذين يترددون على الصيدليات، مشيرا إلى عدم استفادة الكثير من المساعدين من الدعم الذي خصص في إطار صندوق محاربة كورونا، لعدم التصريح بهم لدى صندوق الضمان الاجتماعي، وقد آخذ المصرح على وزارة الصحة، عـدم الالتفاتة إلى المساعدين على مستوى التلقيح، وتم استثناؤهم من الفئات الأولى المستهدفة، رغم أنهم يتواجدون في الواجهــة الأمامية على غرار الصيادلة والأطباء والممرضين وغيرههم، ملحا على ضرورة استصدار قانون خاص بمهنة مساعدي الصيادلة.
جريدة “الإنماء بريس” في شخص مديرها العام الإعلامي والفاعل الجمعوي الأستاذ “عبدالفتاح بلقاسمي إدريسي” وهي تفتح ملف مساعدي الصيادلة، تكون قد كشفت النقاب عن مهنة لامحيد عنها في المشهد الصحي الوطني، يعاني ممارسوها في صمت في ظل غياب قانون خاص منظم للمهنة، تتحقق معه أهداف الحماية المهنية والاجتماعية ومقاصد الجودة والنجاعة والتحفيز، وهذا يضع الممارسين في خانة ” أجراء” يسري عليهم بشكل عام ما يسري على الأجراء في علاقتهم بمشغليهم وفق مقتضيات مدونة الشغل، واستقراء لما ورد في تصريحات السيد “عبدالحق مفتوح” رئيس جمعية النور لمساعدي الصيادلة بجهة فاس مكناس، يلاحظ أن المساعدين يمارسون في إطار تنتهك فيه الحقوق ذات الصلة بتشريع الشغل والحماية الاجتماعية، وعلى رأسها الحق في التصريح لدى الضمان الاجتماعي والتمتع بأجور محترمة يراعى فيها الحق الأدنى للأجر وتحديد ساعات العمل اليومية والاستفادة من عطل الأعياد الدينية والوطنية المؤدى عنها وغيرها، وهذا الوضع المهني المقلق، يسائل بدرجة أولى الجهات المعنية بالرقابة وعلى رأسها “مفتشو الشغل والضمان الاجتماعي” الذين يفترض عليهم التثبت من مدى احترام التشريعات الجاري بها العمل على مستوى الصيدليات، كما يسائل الصيادلة الذين ينتهكون القوانيـن هروبا من التكاليف المادية المترتبة عن التصريح بالمساعد لدى الضمان الاجتماعي، دون أن يستحضروا ما لهذا التصريح من مكاسب مادية واجتماعية وصحية على المصرح به، ومن انعكاسات إيجابية على مستوى الرفع من منسوب الجودة والجاهزية والمبادرة والتحفيز.
اختيار الأستاذ “عبدالفتاح بلقاسمي إدريسي” لموضوع مساعدي الصيادلة، هو اختيار ناجح بامتياز، ليس فقط لأنه كشف عن جوانب من المشاكل التي تعاني منهــا مهنة تعـد ركنا أساسيا من مكونات المنظومة الصحيـة، بل لأنه أتاح لنا كمتلقين – عن طريق رئيس جمعية النـور – الوقوف عند بعض المعوقات التي قد تحول دون كسب رهانات مشروع الحماية الاجتماعيـة الذي أعطى جلالة الملك انطلاقته، وعلى رأسها غياب الدور الرقابي للأجهزة المعنية بالشغل والضمان الاجتماعي، وانتهاك بعض المشغلين للمقتضيات التي ينص عليها تشريـع الشغل، وهذا يضـع شرائح واسعة من الأجراء خارج دائرة الحماية الصحية والاجتماعية، وفي هذا الإطار، لايمكن أن نكسب رهان هذا الورش الاجتماعي الكبير، إلا بالتحلي بقيم المواطنة الحقة واستحضار الصالح العام بعيدا عن المصالح والحسابات الضيقة، فالأجهزة المكلفة بتفتيش الشغل والضمان الاجتماعي، لابد أن تتحمل مسؤولياتها القانونية والمواطنة في ضبط ما يجـري داخل الصيدليات، والصيادلة بدورهم، لابديل لهم، إلا احتـرام القوانين الجاري بها العمل، وجعل المساعدين “شركاء” في تحقيق النجاح أكثر منهم “أجراء”، فإذا كان الصيادلة يسعون إلى تحقيق الأرباح والمكاسب وهذا من حقهم، فلابد أن يدركوا أن مساعديهم هم مفاتيح الأرباح والمكاسب، وهم بذلك، يستحقون أن يزاولوا مهامهم في مناخ مهني يوفر الحماية الصحية والاجتماعية والأجر المحترم الذي يقوي الإحســاس بالانتماء إلى المهنة والتفاني فيها، كما يستحقـون قانونا خاصا، يحفظ الكرامة ويضمن الحقوق ويرفع من جرعات التحفيـز، وإذ ندلي بهذه المطالب المشروعة نيابة عن مساعدي الصيادلة عبر التراب الوطني، نحيي هذه الشغيلة ونثمن ما تضطلع به من أدوار خدمة للصحة العامة، ونحيي عبرهـا كل الصيادلة ونقول لهم بصريح العبارة “المساعدون أمانة بين أيديكم”، ونحن على يقيــن أنكم في مستوى الأمانة والمسؤولية، وفي جميع الحالات، فأنتم “جسد واحد” ، فأحسنوا إلى بعضكم البعـض.