الذكرى الثانية والعشرون لعيد العرش المجيد تاريخ حافل بمنجزات الملك محمد السادس

0

فاطمة سهلي
يحتفل المغاربة باسمى ذكرى غالية عطرة وعزيزة على كل المغاربة ذكرى عيد العرش المجيد في عامها الثاني والعشرين من جلوس الملك الكريم على عرش اسلافه المنعمين
وكل ذكرى لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، عرش أسلافه الكرام، هي مناسبة متجددة في الازمان وحسب كل الطوارئ في ايام الشدة كما في ايام الرخاء يثبت المغاربة صدقهم وحبهم الاصيل والصادق والثابت لملكهم ووطنهم مهما تغيرت الفصول والمواسم
وهذه الآصرة قل نظيرها والتي تجسد عمق ما يربط العرش بالشعب من أواصر الولاء الدائم، والبيعة الوثقى والتلاحم العميق، واحتفالا بالمفاخر والأمجاد، وتطلعا نحو تحقيق المزيد من الانتصارات لهذا الوطن، وفرصة متجددة لحشذ الهمم ولتجديد العزائم وتوطيدها والاندفاع إلى الأمام لتشييد صرح المغرب الحديث
مناسبة عيد العرش كذلك فرصة لتأكيد اواصر الوفاء الصادق الذي يربط العرش بالشعب، وتجديد لمواثيق العهد المقدس الذي يلحم بينهما بأواصر البيعة الشرعية المتجذرة منذ قرون ضاربة في جذورتاريخ المغرب الحافل بالامجاد
واستحضار هذا الحدث في كل مناسبة هو تشخيص دائم،على مر الحقب والأزمان، لمثانة عرى التلاحم الوثيق بين العرش والشعب، وثبات الولاء الدائم والوفاء المستمر الذي يكنه الشعب المغربي لعاهله جلالة الملك محمد السادس، وتعبير صريح عن القيم الأصيلة، والارتباط الوثيق بالحرية والديمقراطية، وبرهان عن الاستعداد الدائم للذود عن حرية الوطن واستقلاله واستكمال وحدته الترابية، وصد مناورات المتربصين بكل شبر من ارضه الغالية
لذلك فإن لعيد العرش المجيد دلالات عميقة، ومرامي بعيدة، ومقاصد شريفة، وأهدافا نبيلة يرمز إليها، ويجددها كل سنة في قلوب أبناء الشعب المغربي، عيد يتجدد مع الثلاثين من شهر يوليوز من كل سنة يحمل بحلوله معاني سامية جليلة، من بشائر الخير واليمن والبركة
هذه المناسبة هي بمثابة عيد تتزين فيه كل المدن المغربية وكل أقاليمه حلة جديدة يعكس سكانها عن فرحتهم وتأييدهم وتعلقهم بملكهم، معترفين ومكبرين وممتنين بما يبذله من جهد متواصل من أجل إسعادهم، محترمين وفخورين بكل ما يتخذه جلالته من قرارات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتنموية لفائدتهم
كما أنها مناسبة مواتية لتأكيد الخيارات الأساسية للبلاد التي كرسها الدستور الجديد للمملكة الذي أجمعت الأمة على اعتباره ميثاقا متميزا بما يفتحه أمام المغاربة من آفاق المشاركة الفعالة، ومناسبة سانحة لاستلهام روح الوفاء والعطاء المستمر، لمواصلة العمل والكفاح من أجل استكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والتنمية الشاملة
ويتيح الاحتفال بهذه المناسبة المجيدة استحضار ما حققه المغرب من إنجازات ومكاسب هامة حيث تميزت الإثنا والعشرون سنة من حكم جلالة الملك بتنمية شاملة ، مضت خلالها المملكة نحو الحداثة وتعزيز دولة القانون، حيث مثلت ريادة الملك نموذجا في المنطقة وركيزة للشعب المغربي، مكنت البلاد من تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي و تحقيق إنجازات وإصلاحات هيكلية عميقة تجلت في الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات الحيوية ، جعلت المغرب في مصاف الدول الديمقراطية والمتقدمة
حدد الملك محمد السادس إطارا للمفهوم الجديد للسلطة بوضع خطوطه العريضة في الخطاب الذي وجهه يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، إلى مسؤولي الإدارة الترابية وأطر الإدارة المركزية وممثلي المواطنين. وشكل هذا الإطار قطيعة واضحة مع الأساليب القديمة و نهج أساليب جديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية وتصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون ، وذلك من خلال إجراء مراجعة عميقة لعدد من النصوص القانونية والتنظيمية بهدف خلق مناخ ملائم ، و إعادة النظر في اختصاصات و مهام الولاة لتتركز على القضايا الاقتصادية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية محددة ، حيث أكد جلالته على ” أن المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء، في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول، فهو ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه، كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية
إن تخليق العمل السياسي رهين بالحرص على نزاهة العمليات الانتخابية التي يتوجب أن يضطلع فيها المواطنون بدور جوهري، علاوة على الإجراءات والقوانين المنظمة لهذه العملية
ومفتاح حقوق الإنسان وكرامته وحرياته العامة، هو إجراء انتخابات حرة و نزيهة ، لذلك فإنه ما فتئ يذكر أن من متطلبات توطيد ما تنعم به بلادنا من استقرار سياسي والارتقاء بمستوى النضج الذي بلغه بناء الصرح الديموقراطي، إجراء انتخابات في أوانها الدستوري والقانوني العادي و يطبعها نوع من الصدقية و النزاهة
و بالفعل ، فقد نجح المغرب في تنظيم أول انتخابات في عهده سنة 2002 ، اتسمت بالشفافية والنزاهة وفق المعايير الديمقراطية المعروفة، بتوفير شروط النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، وضمان حياد الإدارة وعدم تحيزها لهذا الطرف السياسي ، تطبيقا لمقتضيات الفصل 11 من الدستور “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي
ومادام جلالة الملك هو الساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنه وجه نداءه لكل الناخبين، بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش يوم 30 يوليوز 2016، حثهم على ضرورة تحكيم ضمائرهم، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها، ودعا الأحزاب السياسية إلى ضرورة تقديم مرشحين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن
وعلى مستوى تأهيل العمل السياسي، حرص الملك محمد السادس على أن يجعل من مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتماماته ، وهذا يقتضي تطوير وتأهيل الأحزاب السياسية . فقد جعل من تثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها مطمحا ساميا يندرج في إطار منظومة إصلاحية شاملة ترتكز بالأساس على تحديث الهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي
المملكة وضعت خطة عمل وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تشتمل على عدد مهم من التدابير الرامية إلى توطيد الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان في جميع المجالات. ناهيك عن إحداث الآليات الوطنية الحمائية في القانون الجديد المنظم للمجلس الوطني لحقوق الانسان، المتعلقة بالوقاية من التعذيب أو حماية الطفولة ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى آلية محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة
كما انضم المغرب لعدد مهم من الاتفاقيات و الآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وصادق على أهم البروتوكولات الملحقة بها، ورفع عددا من التحفظات عن الاتفاقيات الدولية التي سبق أن صادقت عليها المملكة ، وأصدر عددا من القوانين والنصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الانسان، وقام بتعديل نصوص أخرى لملاءمتها مع هذه المبادئ، من أهمها إلغاء محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية، واستمرار إصلاح منظومة العدالة وإحالة العديد من ملفات الفساد والرشوة على القضاء وكذا فتح تحقيقات في بعض التجاوزات المتعلقة بالتعذيب، وإعداد السياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان والحرص على ملائمتها مع القانون الدولي الإنساني
كما وضع جلالة الملك قضية المرأة ضمن أولويات الإصلاحات التشريعية والمؤسسية . ففي يوم الجمعة 10 أكتوبر 2003 في افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان، أعطى توجيهاته لإصلاح جوهري لمدونة الأسرة، لتكون مدونة منصفة للمرأة
وفي إطار الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، فقد حظي موضوع إصلاح مهنة خطة العدالة أهمية خاصة ، حيث أوصى الميثاق في توصيته رقم 169 بوجوب الارتقاء بهذه المهنة بما يسهم في تحديثها، وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، انسجاما مع المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 19، والمتمثل في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل والسعي نحو المناصفة، وانسجاما أيضا مع الالتزامات الدولية للمملكة ، وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في العدالة الانتقالية، والاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، والإصلاح العميق لوضعية المرأة من خلال مدونة الأسرة، واقتراح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية لإنهاء النزاع حول الصحراء ، وغيرها من الإصلاحات و القرارات الجريئة ، أتى الدستور الجديد كتكريس لهذه الاصلاحات في سياق التحولات الدولية والإقليمية الجديدة ، وتداعيات الربيع العربي
وكان الخطاب الملكي يوم 9 مارس 2011، محددا للخطوط الكبرى للتعديل الدستوري. وبعد استفتاء شعبي حول مشروع الدستور ، اعتمدت المملكة وثيقة دستورية جديدة سنة 2011 ، تعد الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز . وهو ما يتجلى في عدد من المقتضيات الجديدة ، كدسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية و دسترة كافة حقوق الإنسان ، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي، دستورا لحقوق الإنسان، وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة ، والانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، حيث تم الارتقاء بالمكانة الدستورية” للوزير الأول” إلى “رئيس للحكومة”، وللجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب؛ تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر. فضلا عن قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة ، و ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء، ودسترة بعض المؤسسات الأساسية، و تعزيز آليات الحكامة الجيدة، و ترسيخ مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب، ودسترة مجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها
ينبغي التأكيد على أن موضوع إصلاح قطاع العدل يحظى بأهمية بالغة لدى جلالة الملك محمد السادس، وهي الأهمية التي جسدتها خطب عديدة له في مناسبات كثيرة أبرزها
-الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب
-الخطاب الملكي ليوم 8 أكتوبر 2010 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية
-الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 بمناسبة الإعلان عن الإصلاحات الدستورية و تقديم تقرير اللجنة الملكية الاستشارية حول الجهوية
وقد حدد جلالة الملك الأهداف المنشودة من هذه المقاربة المتقدمة لإصلاح القضاء في
– توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية
– تأهيل القضاء ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين
-الاستجابة لحاجة المواطنين الملحة في أن يلمسوا عن قرب، وفي الأمد المنظور، الأثر الإيجابي المباشر للإصلاح
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف الكبرى، حث الملك الحكومة على بلورة مخطط متكامل ومضبوط، يجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، في محاور أساسية، تتمثل في ستة مجالات ذات أسبقية ، كتعزيز ضمانات استقلال القضاء؛و تحديث المنظومة القانونية؛ و تأهيل الهياكل القضائية والإدارية؛و تأهيل الموارد البشرية؛و الرفع من النجاعة القضائية؛و ترسيخ التخليق
كما أكد الملك في خطابه بشأن مسار الجهوية المتقدمة وتقديم تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية والإعلان عن الإصلاحات الدستورية ليوم 09 مارس 2011 على أهمية الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، إلى جانب تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه
وبعد حوار مثمر وإيجابي مع مختلف الفاعلين في قطاع العدالة، وضعت هذه الهيئة ميثاقا يتضمن ستة أهداف استراتيجية كبرى. وتتمثل هذه الأهداف في توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها
وضعت المملكة سياسة جديدة للهجرة ، يقودها جلالة الملك محمد السادس وتنفذها الجهات الحكومية بتعاون مع المنظمات العاملة في مجال الهجرة، تروم إلى تسوية أوضاع المهاجرين السريين المقيمين بالمغرب في سبيل إعادة إدماجهم وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية، سواء في العيش الكريم أو الصحة أو التعليم أو الشغل ، وذلك انسجاما مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال الهجرة وحقوق المهاجرين
إن السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة بمثابة استراتيجية إنسانية تهدف إلى تعزيز حماية حقوق المهاجرين واللاجئين بالمغرب، ما جعلها تحرز تنويها من لدن العديد من البلدان الإفريقية، التي أعربت عن دعمها وانخراطها الكامل في الدينامية التي أطلقها المغرب. كما حظيت بتقدير خاص من الاتحاد الأوروبي وقادة الأمم المتحدة
كما أن هذه السياسة ، التي أشرف عليها جلالة الملك ، تعد سياسة حكيمة ورائدة، تمت من خلالها مراعاة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، والاعتراف بشكل ضمني بأهمية المهاجرين في تطوير الاقتصاد الوطني، عبر اشتغالهم في مجموعة من المجالات الاقتصادية وانخراط البعض منهم في مشاريع استثمارية وترويج أموالهم بالمغرب
جعل جلالة الملك للمجال الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة للحقل السياسي مكانة مركزية. وفي هذا الإطار، جعل من أولويات سياسته، تفقد كل جهات المملكة ، متتبعا في كل الأقاليم المشاريع والبرامج التنموية الهادفة إلى تكريس التضامن الاجتماعي و محاربة الفقر
فضلا عن ذلك ، فإن هذه المبادرة بما حققته من منجزات ومكاسب شكلت إحدى الآليات الأساسية والمحورية في المجهود الذي بذلته المملكة لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف باعتبارها ساهمت في تمكين مجموعة من الشرائح الاجتماعية التي كانت تعاني من الهشاشة والتي تكون في الغالب مستهدفة ومعرضة أكثر للاستقطاب من طرف الجهات التي تحض على العنف والتطرف من الاستفادة من فرص الشغل التي أحدثتها ومن المشاريع المدرة للدخل التي تم إطلاقها وغيرها من المبادرات الأخرى
كما أن البعد الاجتماعي يعد سمة بارزة في الخطب الملكية الأخيرة ، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على حرص جلالة الملك على تحسين أن الوضع الاجتماعي للفئات التي تعاني من وضعية صعبة ، تجلى ذلك في مجموعة من المبادرات التي أطلقها في المجال الاجتماعي، كإطلاق الورش الإصلاحي الكبير المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية على كافة فئات المجتمع المغربي ، و الذي يشكل ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة و تحقيق العدالة الاجتماعية
اعتمد المغرب ، منذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء في 16 مايو 2003 ، سياسة أمنية استباقية و استراتيجية متكاملة و ناجعة ضد الإرهاب
ونذكر في هذا الاطار، الاستراتيجية الشاملة والمتعددة الأبعاد التي اعتمدتها المملكة في هذا المجال و التي ارتكزت على ثلاثة عناصر أساسية همت بالخصوص إعادة هيكلة الحقل الديني وتفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالإضافة إلى دعم وتقوية المقاربة الأمنية
إن المقاربة الأمنية التي تشرف على تنفيذها المصالح الأمنية المغربية حققت نجاحات مهمة في صد الهجمات الإرهابية ومكنت المغرب بالتالي إلى جانب مجموعة من الدول الصديقة من تجنب العديد من الأعمال الإرهابية حتى قبل وقوعها ، علما بأن هذا المجهود الأمني الذي تبذله المملكة لمواجهة التحديات الإرهابية والتطرف العنيف لقي إشادات واسعة وتثمينا كبيرا من طرف العديد من الدول من كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا مرورا بمنظمة الأمم المتحدة
فقد انخرطت المملكة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب منذ سنة 2001، وساهمت في إنشاء منظومة أمنية قوية حصنتها من التهديدات الإرهابية حتى أصبح النهج الشامل الذي اتبعه المغرب لمكافحة الافريقية التطرف والعنف داخل حدوده نموذجا يحتذى أيضا من قبل دول المنطقة، خاصة الدول. فمنذ عودته للاتحاد الافريقي وانخراطه في الجهود الدولية والاقليمية وتكثيف تعاونه الأمني مع مختلف الشركاء، على غرار دول الجوار المتوسطي والأوروبي، مكنه من وضع تجربته في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف رهن إشارة شركائه في افريقيا
وبخصوص إصلاح الحقل الديني في المغرب ، و الذي يسهر عليه جلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين ، فإن هذا الإصلاح ارتكز على مجموعة من الآليات منها تكوين الأئمة وتدبير المساجد وتكوين المرشدين والمرشدات إلى جانب تكريس وتجذير التنوع والتعدد في المجتمع المغربي عبر تثمين مختلف المقومات والروافد
يضع المغرب إفريقيا في صلب أولويات سياسته الخارجية و أن الملك محمد السادس لطالما دعا الى تنمية ذاتية لإفريقيا “ذات بعد إنساني” ، ترتكز على التعبئة الجماعية للبلدان الإفريقية لكسب رهان الوحدة وإرساء ريادة إفريقيا على المستوى الدولي . وهكذا ، فإن السياسة الافريقية للمغرب تقوم على تعزيز شراكات مفيدة للطرفين مع البلدان الافريقية، وكذا على الانخراط الجاد للمغرب في خدمة قضايا القارة
وكان الملك محمد السادس قد ذكر، في خطابه التاريخي أمام القمة ال 28 للاتحاد الإفريقي يوم 31 يناير 2017، على إثر عودة المغرب إلى الحظيرة الافريقية ، “لقد حان الوقت لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها. فبعد عقود من نهب ثروات الأراضي الإفريقية، يجب أن نعمل على تحقيق مرحلة جديدة من الازدهار”، مضيفا: “بلدي اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة. وهو يدعو، بصفة ملموسة، إلى بناء مستقبل تضامني وآمن
كما أن الزيارات التي قادها الملك محمد السادس(نحو 30 دولة في 50 زيارة متنوعة) ، توجت بمجموعة من الاتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، وفي الإجمال بلغ عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة. كما طور المغرب بفضل رؤية جلالة الملك تصورا فعالا لتعاون جنوب-جنوب مع إفريقيا، حيث أصبح حاليا المستثمر الإفريقي الأول بالقارة الإفريقية
لقد أصبحت القارة الإفريقية تحظى بأولوية متقدمة في السياسة الخارجية المغربية، خصوصا بعد عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، التي تمكن من خلالها من تطوير علاقاته مع دول القارة على المستوى السياسي والاقتصادي، ولم يعد مقعده فارغا كما كان من قبل. كما استعاد المغرب ، بفضل جهود جلالة الملك محمد السادس ، ثقة الدول الإفريقية في قدرة هذا البلد على توظيف إمكانياته وموارده لخدمة مصالح القارة في إطار من الشراكة المتكافئة وتعزيز بنية السلم والأمن في القارة
وتشير الدراسات حول نتائج التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا إلى أن المغرب تمكن خلال أقل من سنتين، بناء على روابطه التاريخية مع القارة الإفريقية، من استعادة مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره و مشاركته في أجهزة الاتحاد. قد استعاد المغرب مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره ومشاركته في أجهزة الاتحاد واللجان المتخصصة المنبثقة عنه، تمثل ذلك أساسا بانتخابه عضوا في مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، حيث استثمر عضويته في هذا المجلس من خلال التصدي لأعداء الوحدة الترابية ولعب دور بارز في الدفع من أجل إصدار القرار 693 الصادر عن القمة الإفريقية التي انعقدت في يوليوز 2018 في نواكشوط، الذي كرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي في شأن الصحراء المغربية، كما لعب المغرب من خلال عضويته في المجلس المذكور دورا مهما في التنسيق بين أجندتي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن بدول القارة
وهكذا أصبح المغرب ورقة صعبة داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، خصوصا مع ثقله الاقتصادي باعتباره ثاني مستثمر بالقارة، ومن المتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعدما استثمر بشكل كبير مؤخرا، مثل إنشاء أكبر معمل للأسمدة بإثيوبيا، وإطلاق مشروع إنجاز خط إقليمي لأنابيب الغاز مع نيجيريا. علما بأن إسبانيا لها استثمارات مهمة بعدد من الدول الافريقية ، وتنظر إلى المغرب كمنافس جيوسراتيجي ، باعتبار حلقة وصل بين إسبانيا وغرب أفريقيا ،و تخشى أن يهيمن المغرب على أكبر الاستثمارات بالقارة السمراء
أضف إلى ذلك انخراط المغرب في مجموعة دول الساحل الخمس (G5) للتصدي للأخطار الإرهابية التي تتهدد المنطقة ، نظرا لخبرته التي راكمها في مجال محاربة التطرف العنيف والإرهاب ،حيث أصبح له حضور أمني بجانب دول أوروبية في أفريقيا ومنطقة الساحل بصفة خاصة ، كألمانيا و فرنسا و إسبانيا
في يوم 13 أكتوبر 2017، بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الأولى، دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى اعتماد نموذج تنموي جديد، من خلال إعادة تقييم النموذج التنموي الوطني الحالي، ووضع نهج جديد يركز على تلبية احتياجات المواطنين، والقدرة على إيجاد حلول عملية للمشاكل الحقيقية، والقدرة على الحد من الفوارق المجالية وعدم المساواة. وفي افتتاحه للدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان 12 أكتوبر 2018، أكد الملك ، أن “النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي”. وأضاف الملك في خطابه أن “المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، التي يطمح إليها كل مواطن؛ كما يتطلعون إلى تعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية”. ومن خلال خطابه، وضع الملك أسس تصور للنموذج التنموي الجديد المنشود، حيث ارتكزت على ضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة ونقل الاختصاصات والكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية. فضلا عن العمل على إخراج نظام اللاتمركز الإداري، وملائمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية. وركز أيضا على ضرورة إشراك كافة القوى الحية والفعاليات والكفاءات الوطنية في إعداد هذا المشروع الجديد انطلاقا من روح الدستور
وفي نونبر من سنة 2019، عين الملك لجنة خاصة، كلفها بالعمل على مشروع النموذج التنموي الجديد في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج. وفي يوم الثلاثاء 25 مايو من العام الجاري قدمت اللجنة تقريرها أمام جلالة الملك يتضمن خلاصاتها وتوصياتها الخاصة بالنموذج التنموي
فالآن أمامنا وثيقة، تعد خارطة الطريق للنموذج التنموي المنشود ورؤية استراتيجية لبلادنا في أفق 2035، تحتاج إلى تنزيل وترجمة إلى إجراءات وأهداف قابلة للتنفيذ، وفق منهجية يمكن من خلالها وضع برامج ومؤشرات الأداء، وتحديد من الجهات المسؤولة عن عملية التنفيذ والمتابعة الفاعلة، وتحديد الجداول الزمنية، ورصد الميزانيات، وتحديد آلية واضحة للمساءلة عن كل هدف من الأهداف (ربط المسؤولية بالمحاسبة)
فالنموذج التنموي الجديد يقتضي مقاربة تشاركية بانخراط كافة الفاعلين من هيئات حكومية وجماعات ترابية وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ومؤسسات عمومية ومقاولات خاصة وكل مكونات المجتمع وحتى المواطنون. لكن تبقى الحكومات القادمة معنية أكثر بهذا النموذج، باعتبارها مسؤولة عن تحديد السياسات العامة وتنفيذها حسب ما يقتضيه الدستور، وأيضا من منطلق مسؤوليتها أمام الملك والشعب، ما يستوجب تكييف برامجها مع أهم الخلاصات التي وردت في التقرير
فتقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي فرصة لإعادة النظر في تدبير وترشيد السياسات العمومية وتقييمها، وفق أهداف محددة وفي إطار التتبع والمساءلة، ما يستوجب تعبئة كل إمكانيات البلاد، وبالأساس وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسات العمومية
فقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة لتكون محور النموذج التنموي الاقتصادي الوطني ، لأن الجهوية مدعوة اليوم لتصبح مجالا ترابيا يملك صلاحية تدبير الشؤون المتعلقة بمستقبل المغرب، في إطار الوحدة الترابية للمملكة
فالجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإرادة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع
كما أن الجهوية، في منظور جلالة الملك، ليست مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما هي تغيير عميق في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية، فهي تمثل أنجع الطرق لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب سكان المنطقة، لما تقوم عليه من إصغاء للمواطنين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، لا سيما من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة
وهكذا عرف المغرب صدور القانون التنظيمي للجهات ليساهم في تدعيم مكانة اللامركزية الجهوية، و التنصيص على مقومات ومبادئ تراعي الخصوصية المحلية وتنفتح على التجارب المقارنة و السعي لتحسين سبل استفادة المواطن من الخدمة العمومية والبحث عن كيفية إدماجه في تنمية ترابه المحلي ، مع ضرورة العمل وفق منهجية تشاركية لبلورة خطط، وبرامج جهوية لإدماج الشباب، و مراعاة التكامل، والانسجام مع الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، ومع برامج التنمية الجهوية
أعلنت المملكة المغربية في عام 2007 المبادرة المغربية للتفاوض حول الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، تميل هذه المبادرة، التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، والمستوحاة من روح الانفتاح، إلى تهيئة الظروف لعملية حوار ومفاوضات تؤدي إلى حل سياسي مقبول للطرفين
فمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، والذي خطط له الملك محمد السادس، صار كحل سياسي للنزاع الدائر حول الصحراء المغربية يجد له أصداء إيجابية لدى المجتمع الدولي الذي يرى فيه الحل الأنسب والأمثل، من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية للبوليساريو، ومن يقف وراءهم، المطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، هذا المطلب الذي تم تجاوزه من قبل مجلس الأمن ،عندما أكد في قراراته الأخيرة كان آخرها القرار رقم 2494 الصادر في 30 أكتوبر 2019، على وجاهة مبادرة الحكم الذاتي
فبفضل التوجيهات الملكية، رسخ المغرب أسس مغربية الصحراء داخل مختلف هيئات الأمم المتحدة، تجلى ذلك في قرارات مجلس الأمن التي أكدت على أن حل النزاع حول الصحراء لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق
كما قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه، يشكل تتويجا للعمل الجاد لدبلوماسية فاعلة واستباقية وطموحة تعمل وفقا للرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، علما بأن الولايات المتحدة عبرت دائما عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل سياسي واقعي
فهذا الاعتراف يمثل منعطفا تاريخيا سيكون له أثر إيجابي على الإجراءات والأنشطة المستقبلية للدبلوماسية المغربية في معالجة القضية الوطنية، تعزز أيضا بافتتاح قنصليات عدة دول في العيون والداخلة، وترسيم الحدود البحرية بما في ذلك أقاليمنا الجنوبية بمقتضى القانون المغربي
إن ما ذكرناه من أمثلة بخصوص الإنجازات التي تحققت في عهد جلالة الملك محمد السادس خلال 22 سنة من حكمه
وما فتئ جلالة الملك محمد السادس يولي عنايته الخاصة لإرساء دعائم دولة الحق والقانون، ولتنمية بلاده تنمية بشرية مستدامة، تربويا وصحيا واجتماعيا وثقافيا، ولتعزيز البنيات التحتية للوطن بتشييد المنشآت التجهيزية الكبرى، من موانئ ضخمة وطرق سيارة وسدود نافعة وتجهيزات فلاحية عظمى، لتحقيق”المغرب الأخضر” المثمر الزاهر، حيث يضع جلالته الأسس الكفيلة لوضع المغرب الجديد على سكة الحداثة والنماء، ويحضر جلالته في جميع الجبهات والجهات للوقوف والسهر على كل المشاريع ومتابعة تطوراتها وتوسيعها وتنقيحها إذا اقتضى الأمر ذلك
وعلاوة على الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك محمد السادس للملفات الاجتماعية والحقل الديني وترسيخ الصرح الديمقراطي وبناء المغرب الحداثي وغيرها، بشكل لا يعرف الكلل ولا الملل، فإن جلالته لم يأل جهدا في الاهتمام بقضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها قضية فلسطين، وبناء المغرب العربي والشراكة مع أوروبا، وتنمية القارة الإفريقية وتحقيق استقرارها على جميع الأصعدة والمستويات ما يزرع الأمل في نفوس الأشقاء الأفارقة
ويتجسد الاحتفال بعيد العرش المجيد في تاريخ المغرب الحديث كذلك في تجديد البيعة المعهودة بين العرش والشعب، وفي الترابط بين القمة والقاعدة لبناء المغرب وإعلاء شأنه بين الأمم في كل المجالات، إنه عيد الأمل والاستمرارية والبيعة والنهضة الشاملة والإخلاص للشعار الخالد ”لله الوطن الملك ”، في نهضة متواصلة يقودها جلالة الملك في مجالات التنمية البشرية، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، والمواطنة الكريمة، بروح الوطنية الصادقة، والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب، التي جبل عليها المغاربة عبر التاريخ
وعيد العرش ليس عيدا وطنيا فقط بالمعنى الحديث، بل هو عيد لتجديد البيعة والعهد الشامل بأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من حيث أن لهذه البيعة في المغرب بعدا روحيا كبيرا،
فهي ميثاق دستوري يقوم على التشاور والتكافل والتماسك والإخلاص المتبادل بين ملك البلاد وأفراد الأمة، وعقد روحي وسياسي بين الشعب
ويدل هذا العيد المجيد العطر على دلالة واضحة على الآصرة الدينية والرابطة الروحية، والوشيجة القوية التي تجمع بين العرش وشعبه الوفي في نطاق البيعة الشرعية، المتأصلة باستمرار، والمتجددة في كل مناسبة دينية ووطنية، والتي تتمثل فيها الطاعة الواجبة لأولي الأمر في الإسلام، كما أمر بها الله سبحانه وتعالى في قوله جل علاه ”يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وقوله سبحانه ”وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا
وها هو المغرب اليوم، وارفا في ظلال العرش العلوي المجيد، الضامن لسيادة الأمة ووحدتها، وبقيادة ملكه سادس المحمدين، يخطو، بثبات، إلى الأمام، متسلقا مدارج الرقي والتقدم والازدهار، مواصلا نهضته الإصلاحية، عاقد العزم على مواصلة مسيرة الكفاح والنضال من أجل تحقيق وحدته الترابية، وخوض معركة التنمية بكل إصرار وتفاؤل من أجل غد أفضل
ويتابع جلالة الملك محمد السادس مسيرة البناء والتشييد للمغرب الحديث بعزم وثبات، بما يبذله من جهود هادفة إلى تحقيق أماني شعبه التواق إلى نهضة واسعة، وتنمية شاملة وحياة رغيدة، وتطلعاته في تحقيق الكرامة الإنسانية والسعادة الفاضلة، ويكرس جهوده، حفظه الله، لمعالجة القضايا الوطنية والقومية الكبرى بعقلية علمية وفكر متنور، ويجدد أسس ودعائم دولة الحق والقانون
وما فتئ جلالة الملك، في كل مناسبة، ومنذ توليه العرش، يدعو ويحث رعاياه على مضاعفة الجهود في تجديد الرؤى والمناهج، وتمديد الآفاق بما يؤهل المغاربة، المتمسكين بالمقدسات، والمتعلقين بالثوابت، والملتزمين بالعهود، من أن يكونوا أقوى استعدادا للانخراط الفعال في مسيرة العصر والمساهمة الإيجابية فيها، وكما قال جلالته ” تحفزا من المكانة اللائقة بمجدك التالد، وحاضرك الطموح، ومستقبلك المشرق الواعد، ضمن أصالة راسخة متجددة وحداثة أصيلة”
إن العرش العلوي المجيد شعار بارز لمسيرة الاستمرار والتحدي والصمود، رمز لمعارك التحرر والتشييد والعطاء، من أجل خدمة مصالح البلاد والرعية، وبعث روح التجديد والتحديث والإصلاح في مختلف الميادين وعلى كافة المجالات، ما يضمن لهذا البلد الأمين عوامل الرخاء والاطمئنان والاستقرار التي وعد الله بها عباده الصالحين
حفظ الله مولانا الإمام وأطال عمره، وأبقاه دخرا وملاذا لشعبه الوفي، وأقر عين جلالته بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وشد أزره بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. إنه سميع لذكرى الثانية والعشرون لعيد العرش المجيد
تاريخ حافل بمنجزات الملك محمد السادس

تقريرفاطمة سهلي
يحتفل المغاربة باسمى ذكرى غالية عطرة وعزيزة على كل المغاربة ذكرى عيد العرش المجيد في عامها الثاني والعشرين من جلوس الملك الكريم على عرش اسلافه المنعمين
وكل ذكرى لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، عرش أسلافه الكرام، هي مناسبة متجددة في الازمان وحسب كل الطوارئ في ايام الشدة كما في ايام الرخاء يثبت المغاربة صدقهم وحبهم الاصيل والصادق والثابت لملكهم ووطنهم مهما تغيرت الفصول والمواسم
وهذه الآصرة قل نظيرها والتي تجسد عمق ما يربط العرش بالشعب من أواصر الولاء الدائم، والبيعة الوثقى والتلاحم العميق، واحتفالا بالمفاخر والأمجاد، وتطلعا نحو تحقيق المزيد من الانتصارات لهذا الوطن، وفرصة متجددة لحشذ الهمم ولتجديد العزائم وتوطيدها والاندفاع إلى الأمام لتشييد صرح المغرب الحديث
مناسبة عيد العرش كذلك فرصة لتأكيد اواصر الوفاء الصادق الذي يربط العرش بالشعب، وتجديد لمواثيق العهد المقدس الذي يلحم بينهما بأواصر البيعة الشرعية المتجذرة منذ قرون ضاربة في جذورتاريخ المغرب الحافل بالامجاد
واستحضار هذا الحدث في كل مناسبة هو تشخيص دائم،على مر الحقب والأزمان، لمثانة عرى التلاحم الوثيق بين العرش والشعب، وثبات الولاء الدائم والوفاء المستمر الذي يكنه الشعب المغربي لعاهله جلالة الملك محمد السادس، وتعبير صريح عن القيم الأصيلة، والارتباط الوثيق بالحرية والديمقراطية، وبرهان عن الاستعداد الدائم للذود عن حرية الوطن واستقلاله واستكمال وحدته الترابية، وصد مناورات المتربصين بكل شبر من ارضه الغالية
لذلك فإن لعيد العرش المجيد دلالات عميقة، ومرامي بعيدة، ومقاصد شريفة، وأهدافا نبيلة يرمز إليها، ويجددها كل سنة في قلوب أبناء الشعب المغربي، عيد يتجدد مع الثلاثين من شهر يوليوز من كل سنة يحمل بحلوله معاني سامية جليلة، من بشائر الخير واليمن والبركة
هذه المناسبة هي بمثابة عيد تتزين فيه كل المدن المغربية وكل أقاليمه حلة جديدة يعكس سكانها عن فرحتهم وتأييدهم وتعلقهم بملكهم، معترفين ومكبرين وممتنين بما يبذله من جهد متواصل من أجل إسعادهم، محترمين وفخورين بكل ما يتخذه جلالته من قرارات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتنموية لفائدتهم
كما أنها مناسبة مواتية لتأكيد الخيارات الأساسية للبلاد التي كرسها الدستور الجديد للمملكة الذي أجمعت الأمة على اعتباره ميثاقا متميزا بما يفتحه أمام المغاربة من آفاق المشاركة الفعالة، ومناسبة سانحة لاستلهام روح الوفاء والعطاء المستمر، لمواصلة العمل والكفاح من أجل استكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والتنمية الشاملة
ويتيح الاحتفال بهذه المناسبة المجيدة استحضار ما حققه المغرب من إنجازات ومكاسب هامة حيث تميزت الإثنا والعشرون سنة من حكم جلالة الملك بتنمية شاملة ، مضت خلالها المملكة نحو الحداثة وتعزيز دولة القانون، حيث مثلت ريادة الملك نموذجا في المنطقة وركيزة للشعب المغربي، مكنت البلاد من تكريس مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي و تحقيق إنجازات وإصلاحات هيكلية عميقة تجلت في الإصلاحات السياسية والدستورية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية وغيرها من المجالات الحيوية ، جعلت المغرب في مصاف الدول الديمقراطية والمتقدمة
حدد الملك محمد السادس إطارا للمفهوم الجديد للسلطة بوضع خطوطه العريضة في الخطاب الذي وجهه يوم 12 أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء، إلى مسؤولي الإدارة الترابية وأطر الإدارة المركزية وممثلي المواطنين. وشكل هذا الإطار قطيعة واضحة مع الأساليب القديمة و نهج أساليب جديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية وتصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون ، وذلك من خلال إجراء مراجعة عميقة لعدد من النصوص القانونية والتنظيمية بهدف خلق مناخ ملائم ، و إعادة النظر في اختصاصات و مهام الولاة لتتركز على القضايا الاقتصادية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية محددة ، حيث أكد جلالته على ” أن المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء، في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول، فهو ليس إجراء ظرفيا لمرحلة عابرة، أو مقولة للاستهلاك، وإنما هو مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه، كما أنه ليس تصورا جزئيا، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية
إن تخليق العمل السياسي رهين بالحرص على نزاهة العمليات الانتخابية التي يتوجب أن يضطلع فيها المواطنون بدور جوهري، علاوة على الإجراءات والقوانين المنظمة لهذه العملية
ومفتاح حقوق الإنسان وكرامته وحرياته العامة، هو إجراء انتخابات حرة و نزيهة ، لذلك فإنه ما فتئ يذكر أن من متطلبات توطيد ما تنعم به بلادنا من استقرار سياسي والارتقاء بمستوى النضج الذي بلغه بناء الصرح الديموقراطي، إجراء انتخابات في أوانها الدستوري والقانوني العادي و يطبعها نوع من الصدقية و النزاهة
و بالفعل ، فقد نجح المغرب في تنظيم أول انتخابات في عهده سنة 2002 ، اتسمت بالشفافية والنزاهة وفق المعايير الديمقراطية المعروفة، بتوفير شروط النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، وضمان حياد الإدارة وعدم تحيزها لهذا الطرف السياسي ، تطبيقا لمقتضيات الفصل 11 من الدستور “الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي
ومادام جلالة الملك هو الساهر على صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنه وجه نداءه لكل الناخبين، بمناسبة الذكرى 17 لعيد العرش يوم 30 يوليوز 2016، حثهم على ضرورة تحكيم ضمائرهم، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها، ودعا الأحزاب السياسية إلى ضرورة تقديم مرشحين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن
وعلى مستوى تأهيل العمل السياسي، حرص الملك محمد السادس على أن يجعل من مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتماماته ، وهذا يقتضي تطوير وتأهيل الأحزاب السياسية . فقد جعل من تثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها مطمحا ساميا يندرج في إطار منظومة إصلاحية شاملة ترتكز بالأساس على تحديث الهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي
المملكة وضعت خطة عمل وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تشتمل على عدد مهم من التدابير الرامية إلى توطيد الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان في جميع المجالات. ناهيك عن إحداث الآليات الوطنية الحمائية في القانون الجديد المنظم للمجلس الوطني لحقوق الانسان، المتعلقة بالوقاية من التعذيب أو حماية الطفولة ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى آلية محاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة
كما انضم المغرب لعدد مهم من الاتفاقيات و الآليات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وصادق على أهم البروتوكولات الملحقة بها، ورفع عددا من التحفظات عن الاتفاقيات الدولية التي سبق أن صادقت عليها المملكة ، وأصدر عددا من القوانين والنصوص التشريعية التي تساهم في تطوير مبادئ حقوق الانسان، وقام بتعديل نصوص أخرى لملاءمتها مع هذه المبادئ، من أهمها إلغاء محاكمة المدنيين بالمحاكم العسكرية، واستمرار إصلاح منظومة العدالة وإحالة العديد من ملفات الفساد والرشوة على القضاء وكذا فتح تحقيقات في بعض التجاوزات المتعلقة بالتعذيب، وإعداد السياسات الحكومية في مجال حقوق الإنسان والحرص على ملائمتها مع القانون الدولي الإنساني
كما وضع جلالة الملك قضية المرأة ضمن أولويات الإصلاحات التشريعية والمؤسسية . ففي يوم الجمعة 10 أكتوبر 2003 في افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان، أعطى توجيهاته لإصلاح جوهري لمدونة الأسرة، لتكون مدونة منصفة للمرأة
وفي إطار الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة، فقد حظي موضوع إصلاح مهنة خطة العدالة أهمية خاصة ، حيث أوصى الميثاق في توصيته رقم 169 بوجوب الارتقاء بهذه المهنة بما يسهم في تحديثها، وفتح المجال أمام المرأة لممارستها، انسجاما مع المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 19، والمتمثل في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل والسعي نحو المناصفة، وانسجاما أيضا مع الالتزامات الدولية للمملكة ، وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة في العدالة الانتقالية، والاعتراف بالأمازيغية كمكون أساسي للهوية الوطنية، والإصلاح العميق لوضعية المرأة من خلال مدونة الأسرة، واقتراح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية لإنهاء النزاع حول الصحراء ، وغيرها من الإصلاحات و القرارات الجريئة ، أتى الدستور الجديد كتكريس لهذه الاصلاحات في سياق التحولات الدولية والإقليمية الجديدة ، وتداعيات الربيع العربي
وكان الخطاب الملكي يوم 9 مارس 2011، محددا للخطوط الكبرى للتعديل الدستوري. وبعد استفتاء شعبي حول مشروع الدستور ، اعتمدت المملكة وثيقة دستورية جديدة سنة 2011 ، تعد الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي المغربي المتميز . وهو ما يتجلى في عدد من المقتضيات الجديدة ، كدسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية و دسترة كافة حقوق الإنسان ، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي، دستورا لحقوق الإنسان، وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة ، والانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية، حيث تم الارتقاء بالمكانة الدستورية” للوزير الأول” إلى “رئيس للحكومة”، وللجهاز التنفيذي، الذي يتم تعيينه من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب؛ تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر. فضلا عن قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة ، و ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، تكريسا لاستقلال القضاء، ودسترة بعض المؤسسات الأساسية، و تعزيز آليات الحكامة الجيدة، و ترسيخ مبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب، ودسترة مجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها
ينبغي التأكيد على أن موضوع إصلاح قطاع العدل يحظى بأهمية بالغة لدى جلالة الملك محمد السادس، وهي الأهمية التي جسدتها خطب عديدة له في مناسبات كثيرة أبرزها
-الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2009 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب
-الخطاب الملكي ليوم 8 أكتوبر 2010 بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية
-الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 بمناسبة الإعلان عن الإصلاحات الدستورية و تقديم تقرير اللجنة الملكية الاستشارية حول الجهوية
وقد حدد جلالة الملك الأهداف المنشودة من هذه المقاربة المتقدمة لإصلاح القضاء في
– توطيد الثقة والمصداقية في قضاء فعال ومنصف، باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق، وعمادا للأمن القضائي، والحكامة الجيدة، ومحفزا للتنمية
– تأهيل القضاء ليواكب التحولات الوطنية والدولية، ويستجيب لمتطلبات عدالة القرن الحادي والعشرين
-الاستجابة لحاجة المواطنين الملحة في أن يلمسوا عن قرب، وفي الأمد المنظور، الأثر الإيجابي المباشر للإصلاح
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف الكبرى، حث الملك الحكومة على بلورة مخطط متكامل ومضبوط، يجسد العمق الاستراتيجي للإصلاح، في محاور أساسية، تتمثل في ستة مجالات ذات أسبقية ، كتعزيز ضمانات استقلال القضاء؛و تحديث المنظومة القانونية؛ و تأهيل الهياكل القضائية والإدارية؛و تأهيل الموارد البشرية؛و الرفع من النجاعة القضائية؛و ترسيخ التخليق
كما أكد الملك في خطابه بشأن مسار الجهوية المتقدمة وتقديم تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية والإعلان عن الإصلاحات الدستورية ليوم 09 مارس 2011 على أهمية الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، إلى جانب تعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه
وبعد حوار مثمر وإيجابي مع مختلف الفاعلين في قطاع العدالة، وضعت هذه الهيئة ميثاقا يتضمن ستة أهداف استراتيجية كبرى. وتتمثل هذه الأهداف في توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات، والارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية، وتعزيز حكامتها
وضعت المملكة سياسة جديدة للهجرة ، يقودها جلالة الملك محمد السادس وتنفذها الجهات الحكومية بتعاون مع المنظمات العاملة في مجال الهجرة، تروم إلى تسوية أوضاع المهاجرين السريين المقيمين بالمغرب في سبيل إعادة إدماجهم وتمكينهم من حقوقهم الإنسانية، سواء في العيش الكريم أو الصحة أو التعليم أو الشغل ، وذلك انسجاما مع الالتزامات الدولية للمغرب في مجال الهجرة وحقوق المهاجرين
إن السياسة الجديدة للمغرب في مجال الهجرة بمثابة استراتيجية إنسانية تهدف إلى تعزيز حماية حقوق المهاجرين واللاجئين بالمغرب، ما جعلها تحرز تنويها من لدن العديد من البلدان الإفريقية، التي أعربت عن دعمها وانخراطها الكامل في الدينامية التي أطلقها المغرب. كما حظيت بتقدير خاص من الاتحاد الأوروبي وقادة الأمم المتحدة
كما أن هذه السياسة ، التي أشرف عليها جلالة الملك ، تعد سياسة حكيمة ورائدة، تمت من خلالها مراعاة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب، والاعتراف بشكل ضمني بأهمية المهاجرين في تطوير الاقتصاد الوطني، عبر اشتغالهم في مجموعة من المجالات الاقتصادية وانخراط البعض منهم في مشاريع استثمارية وترويج أموالهم بالمغرب
جعل جلالة الملك للمجال الاجتماعي، كما هو الشأن بالنسبة للحقل السياسي مكانة مركزية. وفي هذا الإطار، جعل من أولويات سياسته، تفقد كل جهات المملكة ، متتبعا في كل الأقاليم المشاريع والبرامج التنموية الهادفة إلى تكريس التضامن الاجتماعي و محاربة الفقر
فضلا عن ذلك ، فإن هذه المبادرة بما حققته من منجزات ومكاسب شكلت إحدى الآليات الأساسية والمحورية في المجهود الذي بذلته المملكة لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف باعتبارها ساهمت في تمكين مجموعة من الشرائح الاجتماعية التي كانت تعاني من الهشاشة والتي تكون في الغالب مستهدفة ومعرضة أكثر للاستقطاب من طرف الجهات التي تحض على العنف والتطرف من الاستفادة من فرص الشغل التي أحدثتها ومن المشاريع المدرة للدخل التي تم إطلاقها وغيرها من المبادرات الأخرى
كما أن البعد الاجتماعي يعد سمة بارزة في الخطب الملكية الأخيرة ، و هذا إن دل على شيء إنما يدل على حرص جلالة الملك على تحسين أن الوضع الاجتماعي للفئات التي تعاني من وضعية صعبة ، تجلى ذلك في مجموعة من المبادرات التي أطلقها في المجال الاجتماعي، كإطلاق الورش الإصلاحي الكبير المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية على كافة فئات المجتمع المغربي ، و الذي يشكل ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين الفئات الهشة و تحقيق العدالة الاجتماعية
اعتمد المغرب ، منذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء في 16 مايو 2003 ، سياسة أمنية استباقية و استراتيجية متكاملة و ناجعة ضد الإرهاب
ونذكر في هذا الاطار، الاستراتيجية الشاملة والمتعددة الأبعاد التي اعتمدتها المملكة في هذا المجال و التي ارتكزت على ثلاثة عناصر أساسية همت بالخصوص إعادة هيكلة الحقل الديني وتفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالإضافة إلى دعم وتقوية المقاربة الأمنية
إن المقاربة الأمنية التي تشرف على تنفيذها المصالح الأمنية المغربية حققت نجاحات مهمة في صد الهجمات الإرهابية ومكنت المغرب بالتالي إلى جانب مجموعة من الدول الصديقة من تجنب العديد من الأعمال الإرهابية حتى قبل وقوعها ، علما بأن هذا المجهود الأمني الذي تبذله المملكة لمواجهة التحديات الإرهابية والتطرف العنيف لقي إشادات واسعة وتثمينا كبيرا من طرف العديد من الدول من كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا مرورا بمنظمة الأمم المتحدة
فقد انخرطت المملكة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب منذ سنة 2001، وساهمت في إنشاء منظومة أمنية قوية حصنتها من التهديدات الإرهابية حتى أصبح النهج الشامل الذي اتبعه المغرب لمكافحة الافريقية التطرف والعنف داخل حدوده نموذجا يحتذى أيضا من قبل دول المنطقة، خاصة الدول. فمنذ عودته للاتحاد الافريقي وانخراطه في الجهود الدولية والاقليمية وتكثيف تعاونه الأمني مع مختلف الشركاء، على غرار دول الجوار المتوسطي والأوروبي، مكنه من وضع تجربته في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف رهن إشارة شركائه في افريقيا
وبخصوص إصلاح الحقل الديني في المغرب ، و الذي يسهر عليه جلالة الملك بصفته أميرا للمؤمنين ، فإن هذا الإصلاح ارتكز على مجموعة من الآليات منها تكوين الأئمة وتدبير المساجد وتكوين المرشدين والمرشدات إلى جانب تكريس وتجذير التنوع والتعدد في المجتمع المغربي عبر تثمين مختلف المقومات والروافد
يضع المغرب إفريقيا في صلب أولويات سياسته الخارجية و أن الملك محمد السادس لطالما دعا الى تنمية ذاتية لإفريقيا “ذات بعد إنساني” ، ترتكز على التعبئة الجماعية للبلدان الإفريقية لكسب رهان الوحدة وإرساء ريادة إفريقيا على المستوى الدولي . وهكذا ، فإن السياسة الافريقية للمغرب تقوم على تعزيز شراكات مفيدة للطرفين مع البلدان الافريقية، وكذا على الانخراط الجاد للمغرب في خدمة قضايا القارة
وكان الملك محمد السادس قد ذكر، في خطابه التاريخي أمام القمة ال 28 للاتحاد الإفريقي يوم 31 يناير 2017، على إثر عودة المغرب إلى الحظيرة الافريقية ، “لقد حان الوقت لكي تستفيد إفريقيا من ثرواتها. فبعد عقود من نهب ثروات الأراضي الإفريقية، يجب أن نعمل على تحقيق مرحلة جديدة من الازدهار”، مضيفا: “بلدي اختار تقاسم خبرته ونقلها إلى أشقائه الأفارقة. وهو يدعو، بصفة ملموسة، إلى بناء مستقبل تضامني وآمن
كما أن الزيارات التي قادها الملك محمد السادس(نحو 30 دولة في 50 زيارة متنوعة) ، توجت بمجموعة من الاتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية، وفي الإجمال بلغ عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الإفريقية أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة. كما طور المغرب بفضل رؤية جلالة الملك تصورا فعالا لتعاون جنوب-جنوب مع إفريقيا، حيث أصبح حاليا المستثمر الإفريقي الأول بالقارة الإفريقية
لقد أصبحت القارة الإفريقية تحظى بأولوية متقدمة في السياسة الخارجية المغربية، خصوصا بعد عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، التي تمكن من خلالها من تطوير علاقاته مع دول القارة على المستوى السياسي والاقتصادي، ولم يعد مقعده فارغا كما كان من قبل. كما استعاد المغرب ، بفضل جهود جلالة الملك محمد السادس ، ثقة الدول الإفريقية في قدرة هذا البلد على توظيف إمكانياته وموارده لخدمة مصالح القارة في إطار من الشراكة المتكافئة وتعزيز بنية السلم والأمن في القارة
وتشير الدراسات حول نتائج التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية المغربية تجاه إفريقيا إلى أن المغرب تمكن خلال أقل من سنتين، بناء على روابطه التاريخية مع القارة الإفريقية، من استعادة مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره و مشاركته في أجهزة الاتحاد. قد استعاد المغرب مكانته ودوره الرائد في الاتحاد الأفريقي من خلال حضوره ومشاركته في أجهزة الاتحاد واللجان المتخصصة المنبثقة عنه، تمثل ذلك أساسا بانتخابه عضوا في مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، حيث استثمر عضويته في هذا المجلس من خلال التصدي لأعداء الوحدة الترابية ولعب دور بارز في الدفع من أجل إصدار القرار 693 الصادر عن القمة الإفريقية التي انعقدت في يوليوز 2018 في نواكشوط، الذي كرس حصرية الأمم المتحدة إطارا للبحث عن حل للنزاع الإقليمي في شأن الصحراء المغربية، كما لعب المغرب من خلال عضويته في المجلس المذكور دورا مهما في التنسيق بين أجندتي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن بدول القارة
وهكذا أصبح المغرب ورقة صعبة داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، خصوصا مع ثقله الاقتصادي باعتباره ثاني مستثمر بالقارة، ومن المتوقع أن يحتل المرتبة الأولى بعدما استثمر بشكل كبير مؤخرا، مثل إنشاء أكبر معمل للأسمدة بإثيوبيا، وإطلاق مشروع إنجاز خط إقليمي لأنابيب الغاز مع نيجيريا. علما بأن إسبانيا لها استثمارات مهمة بعدد من الدول الافريقية ، وتنظر إلى المغرب كمنافس جيوسراتيجي ، باعتبار حلقة وصل بين إسبانيا وغرب أفريقيا ،و تخشى أن يهيمن المغرب على أكبر الاستثمارات بالقارة السمراء
أضف إلى ذلك انخراط المغرب في مجموعة دول الساحل الخمس (G5) للتصدي للأخطار الإرهابية التي تتهدد المنطقة ، نظرا لخبرته التي راكمها في مجال محاربة التطرف العنيف والإرهاب ،حيث أصبح له حضور أمني بجانب دول أوروبية في أفريقيا ومنطقة الساحل بصفة خاصة ، كألمانيا و فرنسا و إسبانيا
في يوم 13 أكتوبر 2017، بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الأولى، دعا جلالة الملك محمد السادس في خطابه إلى اعتماد نموذج تنموي جديد، من خلال إعادة تقييم النموذج التنموي الوطني الحالي، ووضع نهج جديد يركز على تلبية احتياجات المواطنين، والقدرة على إيجاد حلول عملية للمشاكل الحقيقية، والقدرة على الحد من الفوارق المجالية وعدم المساواة. وفي افتتاحه للدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان 12 أكتوبر 2018، أكد الملك ، أن “النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي”. وأضاف الملك في خطابه أن “المغاربة اليوم يحتاجون إلى التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل، وخاصة للشباب، وتساهم في الاطمئنان والاستقرار والاندماج في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية، التي يطمح إليها كل مواطن؛ كما يتطلعون إلى تعميم التغطية الصحية وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة في إطار الكرامة الإنسانية”. ومن خلال خطابه، وضع الملك أسس تصور للنموذج التنموي الجديد المنشود، حيث ارتكزت على ضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة ونقل الاختصاصات والكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية. فضلا عن العمل على إخراج نظام اللاتمركز الإداري، وملائمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية. وركز أيضا على ضرورة إشراك كافة القوى الحية والفعاليات والكفاءات الوطنية في إعداد هذا المشروع الجديد انطلاقا من روح الدستور
وفي نونبر من سنة 2019، عين الملك لجنة خاصة، كلفها بالعمل على مشروع النموذج التنموي الجديد في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج. وفي يوم الثلاثاء 25 مايو من العام الجاري قدمت اللجنة تقريرها أمام جلالة الملك يتضمن خلاصاتها وتوصياتها الخاصة بالنموذج التنموي
فالآن أمامنا وثيقة، تعد خارطة الطريق للنموذج التنموي المنشود ورؤية استراتيجية لبلادنا في أفق 2035، تحتاج إلى تنزيل وترجمة إلى إجراءات وأهداف قابلة للتنفيذ، وفق منهجية يمكن من خلالها وضع برامج ومؤشرات الأداء، وتحديد من الجهات المسؤولة عن عملية التنفيذ والمتابعة الفاعلة، وتحديد الجداول الزمنية، ورصد الميزانيات، وتحديد آلية واضحة للمساءلة عن كل هدف من الأهداف (ربط المسؤولية بالمحاسبة)
فالنموذج التنموي الجديد يقتضي مقاربة تشاركية بانخراط كافة الفاعلين من هيئات حكومية وجماعات ترابية وأحزاب سياسية ومجتمع مدني ومؤسسات عمومية ومقاولات خاصة وكل مكونات المجتمع وحتى المواطنون. لكن تبقى الحكومات القادمة معنية أكثر بهذا النموذج، باعتبارها مسؤولة عن تحديد السياسات العامة وتنفيذها حسب ما يقتضيه الدستور، وأيضا من منطلق مسؤوليتها أمام الملك والشعب، ما يستوجب تكييف برامجها مع أهم الخلاصات التي وردت في التقرير
فتقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي فرصة لإعادة النظر في تدبير وترشيد السياسات العمومية وتقييمها، وفق أهداف محددة وفي إطار التتبع والمساءلة، ما يستوجب تعبئة كل إمكانيات البلاد، وبالأساس وضع العنصر البشري في صلب أولويات السياسات العمومية
فقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة لتكون محور النموذج التنموي الاقتصادي الوطني ، لأن الجهوية مدعوة اليوم لتصبح مجالا ترابيا يملك صلاحية تدبير الشؤون المتعلقة بمستقبل المغرب، في إطار الوحدة الترابية للمملكة
فالجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإرادة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع
كما أن الجهوية، في منظور جلالة الملك، ليست مجرد قوانين ومساطر إدارية، وإنما هي تغيير عميق في هياكل الدولة، ومقاربة عملية في الحكامة الترابية، فهي تمثل أنجع الطرق لمعالجة المشاكل المحلية، والاستجابة لمطالب سكان المنطقة، لما تقوم عليه من إصغاء للمواطنين، وإشراكهم في اتخاذ القرار، لا سيما من خلال ممثليهم في المجالس المنتخبة
وهكذا عرف المغرب صدور القانون التنظيمي للجهات ليساهم في تدعيم مكانة اللامركزية الجهوية، و التنصيص على مقومات ومبادئ تراعي الخصوصية المحلية وتنفتح على التجارب المقارنة و السعي لتحسين سبل استفادة المواطن من الخدمة العمومية والبحث عن كيفية إدماجه في تنمية ترابه المحلي ، مع ضرورة العمل وفق منهجية تشاركية لبلورة خطط، وبرامج جهوية لإدماج الشباب، و مراعاة التكامل، والانسجام مع الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، ومع برامج التنمية الجهوية
أعلنت المملكة المغربية في عام 2007 المبادرة المغربية للتفاوض حول الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، تميل هذه المبادرة، التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، والمستوحاة من روح الانفتاح، إلى تهيئة الظروف لعملية حوار ومفاوضات تؤدي إلى حل سياسي مقبول للطرفين
فمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، والذي خطط له الملك محمد السادس، صار كحل سياسي للنزاع الدائر حول الصحراء المغربية يجد له أصداء إيجابية لدى المجتمع الدولي الذي يرى فيه الحل الأنسب والأمثل، من شأنه أن يغلق الباب أمام الدعوات الانفصالية للبوليساريو، ومن يقف وراءهم، المطالبة بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، هذا المطلب الذي تم تجاوزه من قبل مجلس الأمن ،عندما أكد في قراراته الأخيرة كان آخرها القرار رقم 2494 الصادر في 30 أكتوبر 2019، على وجاهة مبادرة الحكم الذاتي
فبفضل التوجيهات الملكية، رسخ المغرب أسس مغربية الصحراء داخل مختلف هيئات الأمم المتحدة، تجلى ذلك في قرارات مجلس الأمن التي أكدت على أن حل النزاع حول الصحراء لا يمكن أن يكون إلا سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق
كما قرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب بالاعتراف بالسيادة الكاملة والتامة للمغرب على صحرائه، يشكل تتويجا للعمل الجاد لدبلوماسية فاعلة واستباقية وطموحة تعمل وفقا للرؤية المتبصرة للملك محمد السادس، علما بأن الولايات المتحدة عبرت دائما عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب كحل سياسي واقعي
فهذا الاعتراف يمثل منعطفا تاريخيا سيكون له أثر إيجابي على الإجراءات والأنشطة المستقبلية للدبلوماسية المغربية في معالجة القضية الوطنية، تعزز أيضا بافتتاح قنصليات عدة دول في العيون والداخلة، وترسيم الحدود البحرية بما في ذلك أقاليمنا الجنوبية بمقتضى القانون المغربي
إن ما ذكرناه من أمثلة بخصوص الإنجازات التي تحققت في عهد جلالة الملك محمد السادس خلال 22 سنة من حكمه
وما فتئ جلالة الملك محمد السادس يولي عنايته الخاصة لإرساء دعائم دولة الحق والقانون، ولتنمية بلاده تنمية بشرية مستدامة، تربويا وصحيا واجتماعيا وثقافيا، ولتعزيز البنيات التحتية للوطن بتشييد المنشآت التجهيزية الكبرى، من موانئ ضخمة وطرق سيارة وسدود نافعة وتجهيزات فلاحية عظمى، لتحقيق”المغرب الأخضر” المثمر الزاهر، حيث يضع جلالته الأسس الكفيلة لوضع المغرب الجديد على سكة الحداثة والنماء، ويحضر جلالته في جميع الجبهات والجهات للوقوف والسهر على كل المشاريع ومتابعة تطوراتها وتوسيعها وتنقيحها إذا اقتضى الأمر ذلك
وعلاوة على الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك محمد السادس للملفات الاجتماعية والحقل الديني وترسيخ الصرح الديمقراطي وبناء المغرب الحداثي وغيرها، بشكل لا يعرف الكلل ولا الملل، فإن جلالته لم يأل جهدا في الاهتمام بقضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها قضية فلسطين، وبناء المغرب العربي والشراكة مع أوروبا، وتنمية القارة الإفريقية وتحقيق استقرارها على جميع الأصعدة والمستويات ما يزرع الأمل في نفوس الأشقاء الأفارقة
ويتجسد الاحتفال بعيد العرش المجيد في تاريخ المغرب الحديث كذلك في تجديد البيعة المعهودة بين العرش والشعب، وفي الترابط بين القمة والقاعدة لبناء المغرب وإعلاء شأنه بين الأمم في كل المجالات، إنه عيد الأمل والاستمرارية والبيعة والنهضة الشاملة والإخلاص للشعار الخالد ”لله الوطن الملك ”، في نهضة متواصلة يقودها جلالة الملك في مجالات التنمية البشرية، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، والمواطنة الكريمة، بروح الوطنية الصادقة، والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب، التي جبل عليها المغاربة عبر التاريخ
وعيد العرش ليس عيدا وطنيا فقط بالمعنى الحديث، بل هو عيد لتجديد البيعة والعهد الشامل بأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من حيث أن لهذه البيعة في المغرب بعدا روحيا كبيرا،
فهي ميثاق دستوري يقوم على التشاور والتكافل والتماسك والإخلاص المتبادل بين ملك البلاد وأفراد الأمة، وعقد روحي وسياسي بين الشعب
ويدل هذا العيد المجيد العطر على دلالة واضحة على الآصرة الدينية والرابطة الروحية، والوشيجة القوية التي تجمع بين العرش وشعبه الوفي في نطاق البيعة الشرعية، المتأصلة باستمرار، والمتجددة في كل مناسبة دينية ووطنية، والتي تتمثل فيها الطاعة الواجبة لأولي الأمر في الإسلام، كما أمر بها الله سبحانه وتعالى في قوله جل علاه ”يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وقوله سبحانه ”وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا
وها هو المغرب اليوم، وارفا في ظلال العرش العلوي المجيد، الضامن لسيادة الأمة ووحدتها، وبقيادة ملكه سادس المحمدين، يخطو، بثبات، إلى الأمام، متسلقا مدارج الرقي والتقدم والازدهار، مواصلا نهضته الإصلاحية، عاقد العزم على مواصلة مسيرة الكفاح والنضال من أجل تحقيق وحدته الترابية، وخوض معركة التنمية بكل إصرار وتفاؤل من أجل غد أفضل
ويتابع جلالة الملك محمد السادس مسيرة البناء والتشييد للمغرب الحديث بعزم وثبات، بما يبذله من جهود هادفة إلى تحقيق أماني شعبه التواق إلى نهضة واسعة، وتنمية شاملة وحياة رغيدة، وتطلعاته في تحقيق الكرامة الإنسانية والسعادة الفاضلة، ويكرس جهوده، حفظه الله، لمعالجة القضايا الوطنية والقومية الكبرى بعقلية علمية وفكر متنور، ويجدد أسس ودعائم دولة الحق والقانون
وما فتئ جلالة الملك، في كل مناسبة، ومنذ توليه العرش، يدعو ويحث رعاياه على مضاعفة الجهود في تجديد الرؤى والمناهج، وتمديد الآفاق بما يؤهل المغاربة، المتمسكين بالمقدسات، والمتعلقين بالثوابت، والملتزمين بالعهود، من أن يكونوا أقوى استعدادا للانخراط الفعال في مسيرة العصر والمساهمة الإيجابية فيها، وكما قال جلالته ” تحفزا من المكانة اللائقة بمجدك التالد، وحاضرك الطموح، ومستقبلك المشرق الواعد، ضمن أصالة راسخة متجددة وحداثة أصيلة”
إن العرش العلوي المجيد شعار بارز لمسيرة الاستمرار والتحدي والصمود، رمز لمعارك التحرر والتشييد والعطاء، من أجل خدمة مصالح البلاد والرعية، وبعث روح التجديد والتحديث والإصلاح في مختلف الميادين وعلى كافة المجالات، ما يضمن لهذا البلد الأمين عوامل الرخاء والاطمئنان والاستقرار التي وعد الله بها عباده الصالحين
حفظ الله مولانا الإمام وأطال عمره، وأبقاه دخرا وملاذا لشعبه الوفي، وأقر عين جلالته بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وشد أزره بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة. إنه سميع مجيب
الله الوطن الملك

ل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.