الحماية التشريعية والقضائية للأجانب في المغرب

0

يعتبر موضوع حماية الأجانب من المواضيع التي أصبحت تستأثر باهتمام متزايد وذلك نتيجة للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبح يعيشها المغرب نتيجة لموقعه الجغرافي فقد تحول من بلد عبور للمهاجرين نحو الضفة الأوربية إلى بلد استقرار وإقامة للأجانب.
ولذلك فقد عرفت الهجرة بالمغرب تطورا هاما وفي اتجاهين مختلفين, فمنذ سنوات الستينات كان المغرب مصدرا لليد العاملة يث انصب اهتمام الحكومات المتعاقبة على صياغة سياسة على المستوى الداخلي والخارجي تروم الحفاظ على مصالح جاليتنا القاطنة بالخارج ,إلا أن التحول الذي تعرفه بلادنا في مجال الهجرة أتى في سياق دولي خاص يتميز بتصاعد هجرة جنوب-جنوب,فكل المعطيات تشير إلى أن القرن الحالي سيعرف أكبر موجة للهجرة في تاريخ الإنسانية خاصة في الآونة الأخير بعد اضطراب الوضعية الاقتصادية لمجموعة من البلدان نتيجة الوضعية الصحية التي يعيشها العالم.
وإذا كان البحث عن دوافع وأسباب توافد الأجانب على المغرب يندرج ضمن سوسيولوجيا الهجرة فان هذه الأسباب تظل متعددة, فهذه الأخيرة يمكن أن تكون إرادية أو لا إرادية قانونية أو غير قانونية ,كما يمكن أن تكون الأسباب بغرض العمل أو الدراسة أو التطبيب أو الرغبة في الاستقرار بشكل دائم.
إن القوانين التي كانت تنظم وضعية الأجانب بالمغرب وجميعها ترجع للحقبة الاستعمارية لم تعرف المقصود بمصطلح الأجنبي ,وهو ما تم تداركه سنة 2003 بموجب القانون03-02 المتعلق بالدخول وإقامة الأجانب بالمملكة والهجرة غير المشروعة,حيث نصت المادة 1 منه على ” يراد بالأجانب الأشخاص الذين لا يتوفرون على الجنسية المغربية أو الذين ليست لهم جنسية معروفة أو الذين تعذر تحديد جنسيتهم ” .

وحماية الأجانب تكتنف في معناها بسط لأهم الحقوق والحريات المخولة لهم بالإضافة إلى القواعد المتعلقة بالدخول والإقامة,وهو ما تحقق بالفعل من خلال دستور سنة 2011 والذي يعتبر أول دستور مغربي يمنح حقوق وحريات الأجانب قيمة دستورية، حيث نص في الفصل 30 في فقرته الثالثة على ” … يتمتع الأجانب بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين والمواطنات المغاربة وفقا للقانون “، مضيفا في الفقرة الموالية على أنه ” يمكن للأجانب المقيمين بالمغرب المشاركة في الانتخابات المحلية بمقتضى القانون أو تطبيقا للاتفاقيات الدولية أو ممارسة المعاملة بالمثل “، كما نصت الفقرة الأخيرة من نفس الفصل على أنه ” يحدد القانون شروط تسليم الأشخاص المتابعين أو المدانين لدول أجنبية وكذا شروط منح حق اللجوء”.
وقد شكل هذا الاعتراف الدستوري خطوة هامة في تنزيل المغرب لالتزاماته الاتفاقية ذات الصلة بحقوق الأجانب، خاصة وأنه أتى في سياق يعرف فيه العالم أكبر موجات من حركات التنقل والهجرة، وكذا التحول النسبي للمغرب من بلد عبور إلى بلد إقامة واستقرار، بالإضافة إلى تصاعد الالتزامات الاتفاقية للمملكة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان كلها عوامل عجلت بالتكريس الدستوري لحقوق وحريات الأجانب.
وفي مجال الحقوق السياسية أيضا ربط المشرع الدستوري ممارسة الأجانب للحق في التصويت في الانتخابات المحلية بمبدأ المعاملة بالمثل، ويعزى ذلك ربما إلى تحبيذ المشرع المغربي حصر الاعتراف الدستوري للأجانب فقط في تلك الحقوق التي لا تتطلب تخصيص أو رصد موارد مالية من طرف الدولة.
أما فيما يتعلق باللجوء والذي نصت عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 30، يمكن القول أنه كان البداية لبروز سياسة وطنية للهجرة واللجوء تكرس الالتزامات الاتفاقية للمغرب بموجب اتفاقية جنيف بشأن وضع اللاجئين لسنة 1951 وبروتوكولها لسنة 1967، واللذان صادق المغرب عليهما لعقود من الزمن، إلا أنه ما يعاب عن هذه الفقرة هو ترك أمر تنظيم ذلك إلى قانون معين وهو ما قد يترك الباب مفتوحا لهذا الأخير لتليين أو تشديد شروط منح هذه الصفة ,وهو ما قد يفرغ التزامات المغرب في هذا الشأن من محتواها وهو ما ينطبق أيضا على تسليم الأشخاص المتابعين، حيث تركت فرصة تنظيم ذلك للقانون العادي.
هذا بالإضافة إلى تخويل هذه الفئة مجموعة من الحقوق و الحريات, حيث يتمتع عموم الأجانب بحقوق هي من صميم شخصيتهم القانونية كفلتها لهم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو أي وضع آخر، ومراعاة للوضعية الهشة لبعض فئات الأجانب فقد كفلت لهم المواثيق الدولية والقوانين الوطنية حماية قانونية خاصة.
ويتعلق الأمر أساسا بالحقوق المعترف بها للأجنبي باعتباره إنسانا وهي حقوق لا يمكن الحد منها لأنها ولدت مع الإنسان وفي استقلال تام عن الدول، ولا يمكن في إي حال إلغاؤها لأنها لصيقة بالشخصية الإنسانية ومن هذه الحقوق الحق في الحياة نبذ التمييز وحرية العقيدة وحق الأجنبي في اكتساب الجنسية المغربية, هذا بالإضافة إلى مجموعة من الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية .
هذا بالإضافة إلى الحماية القضائية التي يتمتع بها الأجانب بالمغرب والتي تتمثل في الاعتراف لهم بالحق في اللجوء إلى القضاء للانتصاف أمام المحاكم الوطنية والحصول على المساعدة القانونية والقضائية واحترام حقهم في الدفاع والمحاكمة العادلة باعتبارها الحد الأدنى من الحقوق المعترف بها للأجانب,حيث يعتبر توفير سبل التقاضي والانتصاف وضمان ولوج الأفراد إليها احد اللبنات الأساسية لإرساء دولة الحق والقانون هذا بالإضافة إلى مجموعة من الضمانات القضائية الأخرى المرتبطة بالاقتياد إلى الحدود أو الطرد من خلال تخويل إمكانية الطعن في قرار الطرد من التراب الوطني, ومحاكمة المتورطين في المساس بحقوق هذه الفئة والالتزام بمبدأ قرينة البراءة وعدم تجريم الدخول و الإقامة وحظر مصادرة أو تدمير وثائق هوية الأجنبي.
بنا على ما سبق يتضح أن المغرب باعتباره دولة الحق و القانون قد كرس مجموعة من الحقوق والحريات للأجانب كانت من قبل حكرا على المواطنين المغاربة فقط,وبذلك تكون
المملكة المغربية قد بلغت التوفيق بين مسألة الحفاظ على سيادتها من جهة وضمان حقوق المهاجرين من جهة أخرى.

اسماء شكير
باحثة في العلوم القانونية و الهجرة

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.