فاطمة لمحرحر
باحثة في الدراسات السياسية
لقد احتلت الأمثال مكانة متقدمة بين الأصناف المختلفة للثقافة الشعبية، الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال الاستخدام المتكرر لها من قبل مختلف فئات المجتمع؛ فمن خلالها نستطيع إدراك ماهية المجتمع الحقيقية.
فالأمثال نتاج ظروف حضارية واجتماعية، لها عدة وظائف لعل من أهمها وأخطرها وظيفة التنشئة الاجتماعية، كما أنها تعكس أيضا الأدوار المختلفة لأفراد المجتمع، باعتبارها منتجا ثقافيا تربويا يكشف عن العلاقات والتصورات والمفاهيم والقيم السائدة.
هذا، وتشكل الأمثال الشعبية مادة خصبة وترجمة بليغة لمشاعر العامة، وهي جزء من التراث الشعبي لأي مجتمع من المجتمعات، وقد تنوعت تعاريف الأمثال الشعبية لكنها لا تخرج عن أنها جملة مفيدة موجزة ومحكمة البناء بليغة العبارة شائعة الاستعمال متوارثة من جيل إلى جيل، تسهم في تشكيل ثقافة المجتمع وفلسفته وسلوكه وتدفعه إلى التفاعل الايجابي أو السلبي مع الآخرين، فهي المرآة التي تعكس ثقافة الشعوب.
هذه الأمثال والأقوال ليست وليدة مجتمع اليوم ولكنها وجدت مع وجود وتكون التجمعات الإنسانية منذ العصور التاريخية الغابرة، وقد اختلفت الأمثال الشعبية العربية في تناولها لقضايا المرأة، فهناك أمثال عظمت من مكانة المرأة ورفعت قدرها وجعلتها صاحبة الدور الأساسي في تكوين المجتمعات وأخرى كرست دونية المرأة وقللت من شأنها، حيث قدمت الأمثال الشعبية صورا متعددة للمرأة العربية في مختلف جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية.
هم البنات حتى الممات، وظل راجل ولا ظل حيطة، الي ما تعرف تغسل دوارة وتشعل كانون مخدتها في ولد الناس خسارة، أتجوز الأرملة واضحك عليها وخذ مالها واصرف عليها…أتجوز معلقة ولا تتجوز، مطلقة، المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس، البنت لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف، عبارات ظلت ولقرون طويلة تلعب دور القوانين الخفية التي تقف وراء الكثير من المواقف والأحكام المسبقة تجاه المرأة الأمر الذي عمل على تكريس صورة نمطية سلبية عن شخصيتها.
فمن خلال دراسة الأمثال الشعبية نستطيع التعرف على كثير من سمات أي مجتمع من المجتمعات، فهي تجسيد للقيم والعادات والمعتقدات، كما أنها تعكس البيئة التي نشأت فيها، إنها المرآة التي تعكس الواقع الفكري والاجتماعي.
وبالتالي، نستشف أن صورة المرأة في المجتمع العربي تهيمن عليها الإيديولوجية البطريركية، هذه الصورة التي تنتقل من جيل إلى آخر عبر فعل التنشئة الاجتماعية الذي تشكل الأمثال أحد روافده الأساسية.
إلى جانب ذلك، نلاحظ أن الأمثال الشعبية استخدمت في كثير من الأحيان بشكل يسيئ إلى المرأة ويحط من قدرها، والأمر ليس مقتصرا على فئة بعينها أو بلد عربي دون آخر بل إنه يشمل جميع فئات المجتمع العربي على اختلاف مستوياتهم الثقافية، ومن جهة أخرى قد تمارس تلك الأمثال عنفا رمزيا مباشرا في حق المرأة مثل” بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف” حيث تكشف العقلية الذكورية من خلال هذا المثل عن رغبة المرأة في الهيمنة والتسلط فيؤكد المثل على أن التعليم في المنظور الشعبي يمثل خطرا بالنسبة إلى الفتيات لأنه يدعم الاستقلالية ويقوي الشخصية ويفتح أبواب الانحراف والضياع.
إضافة إلى ما سبق، فمجموع التحليلات الاجتماعية في هذا السياق، تؤكد على أن خطاب الأمثال الشعبية هو خطاب ذكوري حتى ولو كان على لسان النساء، فهو يظل ذكوريا بامتياز، لأنه خطاب موجه من الرجل إلى الرجل بشكل أساسي، لكن النساء أكثر استعمالا له.
وتبعا لذلك، يمكن أن نؤكد حقيقة سبق أن انتهت إليها الكثير من الدراسات التي خاضت في موضوع صورة المرأة في الأمثال الشعبية، وهي أنه حتى ولو كانت هناك أمثال تقدم صورة إيجابية عن المرأة، فهي تظل محدودة العدد مقارنة مع غالبية الأمثال التي ترسم صورة سلبية للمرأة، كما أن هذه الأمثال عندما تتحدث عن دونية المرأة فهي تعكسها بكل أبعادها ومن خلال أدوارها الاجتماعية المختلفة (بنت، وزوجة، أم، مطلقة، أرملة…).
وتجدر الإشارة في هذا المضمار، أن الأمثال الشعبية المسيئة للمرأة ليست حكرا على المجتمع العربي، بل هي ظاهرة عامة موجودة في كل المجتمعات، تعبر عن النظرة الدونية التي تنظر بها هذه المجتمعات إلى المرأة، بصرف النظر عن تقدم هذه المجتمعات أو تخلفها أو المكانة التي وصلت إليها النساء في المجتمع.
والأمثال المنتشرة في المجتمعات الغربية عن المرأة لا تقل بشاعة وقسوة عن الأمثال التي تنتشر في البلدان العربية وهذه نماذج من هذه الأمثال من مختلف أنحاء العالم توضح ذلك:
- من ملك امرأة فقد ملك ثعبانا” إنجليزي.
- “النساء يتعلمن البكاء ليكذبن” روماني.
- “لا تكف المرأة عن الكلام إلا لتبكي”، هندي.
- إذ وجدت 3 نساء في البيت فهناك مأتم” فرنسي.
- “المرأة تغلب الشيطان” مثل ايرلندي.
- “المرأة شيطان الرجل” الماني.
- لا تثق بالمرأة حتى وإن ماتت” يوناني.
- “إذا أخفق الشيطان في التسرب إلى مكان أرسل امرأة” صيني.
- “الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة” ياباني.
- “اضرب المرأة قبل الغذاء وبعد العشاء” مثل روسي.
وعليه، فالأمثال الشعبية تعد من أهم المتون الثقافية التي ما تزال متدولة وترسم صورا سلبية عن المرأة، فهي تمارس ديكتاتورية صريحة ضد النساء وتضعهن في قوالب ثقافية واجتماعية مشوهة ساهمت في تشكيل جوانب الحياة العامة للنساء في المجتمع العربي وأثرت سلبا على تنشئتهن الاجتماعية.