الوزير و الباشا

0

-بقلم: عزيز لعويسي

الحملة الانتخابية دخلت في شوطها الثاني والأخير، في انتظار اللجـوء إلى ضربات الترجيح يوم ثامـن شتنبر، التي ستتشكل معها معالم الخريطة الحكومية والتشريعية، وتتوضح معها الهوية الجهوية والجماعية، ولا يمكن إسدال الستار عن  طقوس الشوط الأول، دون  استحضار عدد من  الصور والمشاهد التي تم التقاطها هنا وهناك، لعل أبرزها مشهد الوزير والباشا الذي لقي  موجة من  الجدل والنقاش في مختلف الأوساط الإعلامية والسياسية والحزبية.

 

وتوجيه البوصلة نحو هذا المشهد، يأتي في سياق تغطيتنا لأجواء الحملة الانتخابية التي  بلغت درجات حرارتها مستويات غير معهودة من الانخفاض، بسبب آثار “التغيرات المناخية”، أو بتعبير أصح “التغيرات الانتخابية” التي أثرت سلبا على حقينة سدود الثقـة، وعلى منسوب الإقبال على العمليات الانتخابية، بشكل أطلق العنان  لرياح  اليـأس  وعواصف النفـور والرفض والعــزوف، كما يأتي في إطار حقنا المشروع في إبــداء الرأي، والتفاعلالرصين مع ما تعرفه الساحة السياسية والحزبية والانتخابية بالأساس، من جدل ونقـاش ولغط أحيانا.

 

وحتى  لانـتيـه بين مفردات الغموض وطقوس الإبهـام التي قـد تنفـر القارئ/ المتلقي أو  تدخله عنوة  في حالة من  اليأس أو تدفعه إلى الهروب والمغادرة إلى حال سبيله، نشير إلى أن المشهد المعني بهذا المقـال، يتعلــق بما أقدمت عليه باشا منطقة جليز بمراكش، من توقيف لنشاط  للوزير ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، لحظة إلقائه لكلمة أمام عدد من مرشحات ومرشحي  ومناضلي  الحمامة، وذلكمساء الأحد 29 غشت 2021 بالمسرح الملكي بمراكش، وهذا التدخل  الذي فرضته مبـررات وقائية واحترازيـة،  قـدم لنا حيزا من الصورة وليس كل الصورة، وبالتالي يصعب قــراءة  ما حدث  بالفعل، في غيـاب  ما سبق وما لحق من أحداث وردات أفعال، كما يصعب قراءة الفنجان للتعـرف على المخالفة أو المخالفات التي سجلتها الباشا، والتي كانت مبـررا مشروعا لتدخلها، لكن ومهما كانت حدة عتمة  الإبهــام التي أحاطت  بالواقعة المثيــرة للجدل،  فهـذا لا يمنع من  إبــداء  الملاحظات التالية :

 

–  نقر أولا أن  سلطة القانون لابد أن تسري على جميع المواطنين مهما كان وضعهم الاجتماعي داخل المجتمع، بل وأن يكون هذا القانون كالسيف، لايستثني أحدا، كما قال الفيلسوف الفرنسي، مونتيسكيو، ونقر ثانيا أنه من الصعوبة  الخوض في تفاصيل واقعة  لم نكن متموقعين في صلب طقوسها وأجوائها، حتى نفهم حقيقة ما جـرى أو ما وقع، كما أن الصور أو المشهد الذي تناقلته العديد من وسائل الإعلام، لايسمح ولن يسمح أبـدا بالوصول إلى الحقيقة المرجوة.

 

– فيما يتعلق بالباشا التي لايمكن إلا أن نحييها على شجاعتها لأنها تدخلت  لتطبيق القانون، فيما يتعلق بالإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي وضعتها السلطات العمومية وخاصة تلك التي تخص  تدبير الحملة الانتخابية، ونثمن جرأتها، لأن الطرف الثاني في جميع الحالات، هو وزير وشخصية سياسية وازنة في المشهد السياسي، بل أكثر من ذلك هو رئيس حزب سياسي  لا أحد يمكن أن يجادل في  وزنه وثقله في الخريطة السياسية الوطنية شاء من شاء وأبى من أبى،  لكن هل ما قامت به الباشا من تدخل كان صائبا، خاصة وأنه تم في لحظة كان فيها عزيز أخنوش يلقي كلمته أمام مناضلي حزبه، في  سياق الحملة الانتخابية ؟ ألم يكن من الأجدر  فتح نقاش مسبق مع اللجنة المنظمة لوضعها في صلب الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي وضعتها وزارة الداخلية مراعــاة لحالة الطوارئ الصحية ؟ إذا كانت المخالفة المرتكبة، مرتبطة على وجه التحديد بتجاوز القاعة لعدد الحاضرين المسموح به، أو بانعدام شروط التباعد أو بعـدم ارتداء الكمامات، ألم  تكن  مخالفات من هذا القبيـل، واضحة وجليـة منذ البدايـة، حتى قبـل أن يتناول عزيـز أخنــوش الكلمة، مما كان يستدعي إيقـاف النشاط الانتخابي قبل انطلاقه  أو على الأقل تصويب ما يمكن تصويبــه ؟

 

 ألـم يكن ممكنا على الباشا، التفكير في طريقة “ناعمة” و”سلسة” للتدخـل، غيـر التي أقدمت عليها، تفاديـا لإثــارة أية تأويـلات  من شأنها ضرب مبدأ “حيـاد” ممثلي السلطة في  العملية الانتخابية عموما والحملة الانتخابية بشكل خاص؟  أو تعطي الانطبـاع للبعض، أن التدخل  كان من باب استهداف حــزب الحمامة ورئيسه عزيز أخنــوش ؟  ألم يكن واجبا، من باب الشفافية والوضوح والمصداقية، أن  تكشف الباشا”علنا “عن المخالفة أو المخالفات المرتكبة والتي استوجبت اتخاذ قــرار الإيـقـاف، بدل منع أخنــوش من الكلمة والهمس في أذنـه بكلمات  قبل مغادرته للقاعة بمعيتهـا؟ هل سبقت مداخلات عزيز أخنوش، مداخلات أخـرى من قبل مناضلي الحزب بمراكش؟ أم كان هو  صاحب المداخلة الأولى؟ هل تدخلت  الباشا من تلقاء نفسها، أم  عرضت الحالة على رؤسائها المباشرين، وعلى ضوء تعليماتهم الشفوية، قامت بالتدخـل؟ من يحمي الباشا، في حالة إذا تدخلت من تلقــاء نفسها، وتبين لاحقا أن تدخلها جاء معيبا أو لم يكن منسجما كليا مع سلطة القانون ؟ ألم يكن ممكنا، أن ترتدي زيـها الرسمي  أو على الأقل  تحمل  “بادج” يعرف باسمها وصفتها، من أجل  ضمان تدخل آمن وناجع وشفاف، يقطع مع أي  شنـآن أو تجاذب أو سوء فهـم مع الطرف الآخر؟

 

– فيما يتعلق بالقاعة يبدو – من خلال  الفيديو القصير الذي يوثق لتدخل الباشا- أنها احتضنت عددا من مناضلي حزب الحمامة الذين حضروا لهذا اللقــاء الحزبي، ويبدو أن عددهم  تجاوز العدد الذي  حددته وزارة الداخلية، رغم أن التدابيرالحاجزية كانت حاضرة، خاصة فيما يتعلق بالتباعد واستعمال الكمامات، كما أن رئيس الحزب عزيز أخنوش، لم يكن  حسب ما ظهر في الفيديو، يرتدي الكمامة أثنـاء إلقــاء الكلمة، لكن المكان الذي كان يتموقع فيه، استجاب لشرط التباعد مع الحاضرين، لكن، إذا كان  مبرر الباشا للتدخل هو  عدم احترام المنظمين للعدد المسموح به داخل القاعة، ألم يكن ذلك واضحا للعيان منذ النظرة الأولى، مما كان يستدعي إيقاف النشــاط في حينــه، لتفـادي أية قراءات أو تأويـلات، كان بالإمكان تفاديها ؟ ألم تكن اللجنة المنظمة للنشاط على علم مسبق بقـرارات وزارة الداخلية ذات الصلة بتدبير الحملة الانتخابية في بعدها الوقائي والاحترازي ؟ ألم  تدرك أن عدد الحاضرين داخل القاعة يتجاوز العدد المسموح به ؟ ألم ينتبه عزيز أخنــوش إلى  الشق الوقائي والاحترازي داخل القاعة حتى يتم اتخاذ المتعين، أم أن ذلك من اختصاص  الجهة التي تحملت مسؤولية التنظيم والإشراف على  هذا اللقــاء الحزبي ؟ إذا كان الأمر يتعلق بمخالفة أو مخالفات مرتكبة، ألم يكن ذلك خطأ غير مقبول إطلاقا بالنسبة  لحزب  يتموقــع ضمن  كوكبة الأحزاب المرشحة لقيادة الحكومة المقبلة ؟ ألم تكن الحمامة تدرك أن الأخطاء غير  مسموح بها، في معركة انتخابية حامية الوطيــس؟

 

أسئلة من ضمن أخرى، لم نجد من حرج في طرحها واستعراضها، وليس القصد، أننا نبحث عن الجواب أو الأجوبة المناسبة التي تشفي غليل  ما نحمله من تساؤلات مشروعة، وحتى إذا ما وضعنا اليد على  الأجوبة التي من شأنها أن تنيـر عتمة الإبهام الذي أحاط ويحيط بالواقعة موضوع المقال، فهذا لن يقدم ولن يؤخـر، كما لن  يؤثـر أي تأثيـر  في  المسـار الذي  تحلق فيه الحمامة بسلاسة وأريحيـة في اتجاه محطة ثامن شتنبـر، لكن ما حدث، يدفعنا إلى القــول “أن لا أحد فوق القانـون”، وأنالاعتبارات السياسية والحزبية والاجتماعية، لم تكن يوما ولن تكـون أبدا، وسيلة  لتطويع القوانيـن  وترويضها أو تفصيلها على المقــاس لتناسب الأحجام والأشكال، وما دمنا في سياق الحملة الانتخابية التي دخلت شوطها الثاني والأخيـر، نلـح على أن  الخلفية القانونيـة  التي تحكمت في  التدخل في نشاط الحمامة، لابد أن  تكون حاضرة في جميع الأنشطة الحزبية، في إطار من الحياد والنزاهة والمصداقية ودون محاباة أحـد.

 

وبقدر ما نؤكد على الأدوار المحورية للسلطة في تدبير العملية الانتخابية برمتها، بقدر ما نلـح أن تكون هذه السلطة محترمة للقوانين الجاري بها العمل وخاضعة لهـا، وأن تحرص على  الوقـوف على نفس المسافة  من كل  الأحزاب السياسية بمختلف انتماءاتها ورموزها، وأن تتبنى موقف الحياد الإيجابي في تعاملها مع مختلف المرشحات والمرشحين، مع التحلي بما يلزم من الحرفية والمهنية والتبصر وبعد النظر، في التعامل  مع الحملة الانتخابية الجاريـة أطوارها، من منطلق أن أي تدخل غير متحكم فيه أو  غير مؤطر بسلطة القانون، من شأنه المسـاس بحرمة العملية الانتخابية والتأثيـر على سيرورة البناء الديمقراطي، مع الإشارة إلى أن السلطات الترابية، لابد أن  تفعل آليـات التواصل مع الرأي العام المحلي والوطني، من أجل توضيح  ما تسجله من  خروقات قانونية في حق الأحزاب المخالفة، في  إطار ” الحق في المعلومة” وتجسيدا لروح “الحكامة الرشيدة”، ونرى أن خيار التواصل بات ضرورة ملحة، لما له من أدوار  في القطع  مع المزاعم والادعاءات والتظلمات، ومن تشويـش على رجال السلطة وسمعتهم.

 

 ونختم بالتساؤل : هل أصابت الباشا ؟ أم  أخطأ الوزير ؟ إذا كان من منتصر، فهو  القانون الذي لابد أن يسمو فوق الجميع، وهذا هو المدخل الحقيقي لإدراك دولة الحق والقانون والمؤسسات، ولا يسعنا إلا أن نحيي الباشا التي  تدخلت  لفرض احترام القانون في إطار “ما بدى لها” من مخالفة أو مخالفات للإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي أعلنت عليها وزارة الداخلية، وننـوه  بما أقدم عليه عزيز أخنــوش، الوزير ورئيس التجمع الوطني للأحــرار، الذي احتـرم السلطة وتجاوب معها وامتثل لها في صمت وبرحابة صدر، كما وثقت ذلك عدسات الإعـلام، وبهذه الصـورة وبهذه الممارسة يمكن أن يكون الوزير ورئيس الحزب السياسي والمسؤول  ورجل السلطة والضابط والعسكري والموظف والإعلامي والعامل البسيط …، لأن تقدم الأمم ورقيها، يمر قطعا عبر احترام سلطة القانونوالمؤسسات.

 

على أمل أن تلتزم جميع الأحزاب المتنافسة بما وضعته السلطات العمومية من إجراءات وتدابير وقائية واحترازيـة، تحت طائلة الخضوع لسلطة القانون، وأن تساهم جميعها في “حملة انتخابية” نظيفة ومسؤولة ورصينة تحترم المواطن، وترجع إليه الثقة المفقودة في العمل السياسي وفي الممارسة الانتخابية، التي تعد المدخل الوحيد والأوحد لبلوغ التغييــر المنشود، أما السلطة أو رجال السلطة على الأصح، فلابد أن يتقمصوا دور “الحكم” النزيه والمسؤول والمحايد والعادل والمنصف والحكيم في تعاملهم مع الرهان الانتخابي، وفي جميع الحالات، فإذا نجحنا في استحقاقنا الانتخابي وجودنا ممارستنا الحزبية والسياسية، وشكلنا جبهة واحدة وموحدة لكسب الرهانات التنموية والدفاع عن وحدة الأرض وسلامة التراب، سنكون قد حمينا بيضة الوطن، الذي نتمناه وطنا آمنا وموحدا ومستقرا ومزدهرا، شاء من شاء وكره من كره، وعلى بعد أسبوع  أو أقل، من امتحان ثامن شتنبر، نتمنى التوفيق لجميع الأحزاب السياسية بكل انتماءاتها ورموزها، وأن يكون الحظ، حليف الأصلح والأجود ، لما فيه خير للبلاد والعباد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.