– بقلم : عزيز لعويسـي
لعل وزارة الداخلية أحسنت صنعا لما قيدت الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية بحزمة من الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية، تفاديا للوقوع في أية بؤرة أو بؤرات انتخابية محتملة، من شأنها الإسهام في تعقيد الوضعية الوبائية وإثقال كاهل المنظومة الصحية الوطنية، وهي إجراءات وتدابير تباينت بين “التقليـص من عدد الأشخاص في التجمعات العمومية بالفضاءات المغلقة والمفتوحة في حدود 25 شخصا”، و”عدم تنظيم التجمعات الانتخابية بالفضاءات المفتوحـة التي تعـرف الاكتظاظ” و”منع نصب الخيام بالفضاءات العمومية وتنظيم الولائـم”، و”عدم تجـاوز 10 أشخـاص كحـد أقصى خلال الجـولات الميدانيـة”، و“تحديد عدد السيارات المسموح بها في القوافل في 5 سيارات” و“ضرورة إشعار السلطة المحلية بتوقيت ومسار هذه الجولات والقوافل”، و”منع توزيـع المنشـورات على الناخبيـن بالشارع والفضـاء العموميين وكذا بمقرات السكن “، مع “إمكانية وضع المرشحين للمنشــورات بأماكن يمكن رؤيتها والاطــلاع على مضمونها، مع تجنب توزيعها مباشرة بالأيـدي”، و”منع استعمال وسائل خاصة بالإدارات العمومية والجماعات الترابية “…إلخ، والنتيجة التي تتم معاينتها في الميــدان، حملات انتخابية أكثر انضباطا، وأقل صخبا وفوضى وهستيريا، مقارنة مع مواسم ما قبل كورونا.
لكن بقدر ماحرصت السلطات العمومية على الشق الوقائي والاحترازي من أجل تدبير أمثل للحملة الانتخابية، بقدر ما لم تنتبه إلى بعض الممارسات غير المسؤولة الفاقدة لحس المواطنة ولما يفرضه العمل الحزبي من التزام سياسي وأخلاقي، ويتعلق الأمر باستغلال الأطفال الصغار في الحملات الانتخابية أمام الأنظار بدون حسيب أو رقيب، وذلك بالدفع بهم في صلب معارك سياسية بعيدة كل البعد عن وعيهم الإدراكي، وفي هذا الإطار، فقد تناقلت العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورا لحملات انتخابية، تظهر أطفالا صغارا يحملون شارات خاصة بأحزاب سياسية، ويرتدون أقمصة طبع عليها شعار الأحزاب، يتولون مهام توزيع المنشورات على المارة في المنازل والشوارع والأزقة والأحياء، بل ويرددون شعارات حزبية بكل براءة كما يرددون الأناشيد التربوية في حجراتهم الدراسية، وهذه الممارسات غير المواطنة تسائل الكثير من الأحزاب السياسية التي تؤمن بمقولة “كل الطرق تؤدي إلى روما” أو على الأصح، تؤدي إلى الوصول إلى صناديق الاقتراع في أوضـاع مريحة، يتحقق معها رهان الظفر بحصاد انتخابي وفيــر مسيـل للعـاب، ومثير لغريزة العبث والجشع والارتقاء، بشكل يتيح تموقعا آمنا ومطمئنا في الخريطة السياسية لما بعد محطة ثامن شتنبر.
الدفع بأطفال أبرياء في مستنقع انتخابي تسيطر عليه مفردات العبث والأنانية المفرطة واللغط والجدل والمصالح السياسوية الضيقة، هو فعل ماس بالقيم ومغتال للأخلاق، وتصرف يعد انتهاكا لحقوق الطفل وخرقا لبعض مواد مدونة الشغل التي حرصت كل الحرص على حماية الأطفال في مجال التشغيل، ولبعض مقتضيات الاتفاقيات الدولية في مجال العمل ذات الصلة بتشغيل الأحداث، وبما أننا نعيش أجواء الدخول المدرسي، فهـــؤلاء التلاميذ / الأحداث، يفترض أن يتم إعدادهم نفسيا وإبعادهم عن كل المؤثرات الخارجية، ليكونوا في أتم الجاهزية والاستعداد لخوص موسم دراسي جديد وشاق، يقتضي المثابرة والجدية والمواظبة، لكن صناع العبث السياسي، لاحرج لهم في استغلال الطفولة للوصول إلى ما يتحكم فيهم من مصالح معلنة وأغراض مستترة لم تعد تخفـى على أحد.
ونحن على بعد أيام قليلة من استحقاقات ثامن شتنبر، لا يسعنا إلا أن نتوجه إلى السطات العمومية المختصة، من أجل تدارك الأمر، بالتعامل الصارم مع الحالات التي يتم فيها الدفع بالأحداث في حملات انتخابية وفي نزالات سياسية لايمكن أن تستوعبها عقولهم الصغيرة، أو يتم العمل على تشغيلهم طيلة اليـوم لقـاء أجر، لخدمة مصالحهم الانتخابية والسياسية، بكل ما لذلك من آثار صحية ونفسية وسلوكية، ومن تأثيرات مباشرة على الدخول المدرسي الذين يتطلب تلاميذ مستعدين نفسيا وجاهزين ذهنيا، لخوض موسم دراسي جديد مرن وسلس وميسر، أما الأحزاب السياسية ومرشحيها، فليس أمامنا إلا أن نطلب منهم أن يتحلوا بروح المواطنة وما يرتبط بها من مسؤولية والتـــزام، وأن يحرصوا على حماية الأحداث من لعبة سياسية وانتخابية تجـري كرتها بين أقـدام الكبـار، أما الآبـاء والأمهات وأوليــاء الأمور، الذيــن يقبلون أن يتم الدفع بأبنائهم في معركة الانتخابات، أو يدفعون بهم نحو ذلك مقابل الحصـول على أجر يومي، فمسؤولية هـــؤلاء، لا تقل عن مسؤولية الأحزاب السياسية التي تفتح الأحضان للأطفال والمراهقين في إطـار حملاتها الانتخابية، على أمل أن يتم التعامل مع الظاهرة المقلقة كجريمة صامتة، تستحق المسـاءلة والمحاسبة والعقاب.
وفي جميع الحالات، فمن يغتصب بــراءة الطفولة في زمن الانتخابات، في واضحة النهار بدون خجل أو حيــاء لتحقيق أهداف سياسوية حقيــرة، فلن يجـدا حيـاء بعد الفـوز في الانتخابات، في اغتصاب المواطن وانتهاك حرمات الوطن .. ونختم بتوجيه رسالة مباشـرة إلى جميع المرشحات والمرشحين : اصنعوا ما شئتم في حملاتكم الانتخابية في إطار القانون بالطبع، إلا “الأطفال”.. اتركوهم رجاء في عوالمهم البريئـة، فعقولهم الصغيرة، لا تحتمل عبثكم ولا تقو ى على استيعاب ما يتحكم في عقولكم الكبيرة من هواجــس وأهداف معلنة ومستتـرة…