تَوَجهاتُنا سامية، ومُخططاتُنا التنموية واعدة، فينبغي أن تكون نُخبتنا بالأهداف واعية، وعلى تحقيقها قادرة عازمة، عن الأنا مُنصرفة زاهدة، وعلى الصالح العام مُقبلة مُتفانية.
حين انخرطنا في مشروع “البراق” كقطار فائق السرعة أحْدثنا له فضاءاتٍ للتكوين والتأهيل، والتكوين المستمر، واصطفيْنا له المتوفرين على المؤهلات، فكانت النتائج مُشرفة، ولبلوغ الأهداف مُحققة.
وحين احتضنتْ بلادنا مشاريع إنتاج السيارات والطائرات كان إكسيرَ نجاحها وسِرَّ المضي فيها تشغيلُ طليعة الشباب بعالي الكفاءات، إلى أن صارت بعض الأقطار ترهن نجاح مشاريعها باستقدام نفس العينة من شباب البلاد.
ومن عجيب المفارقات أننا حين نُقبل على استحقاقٍ لاختيار تمثيليةٍ لعدة سنوات، نُسنِدُ إليها التدبير المحلى والشأن الوطني، ونعقد عليها عريض الآمال، في مواجهة تحديات العصر وتسريع عجلة النماء، فتصير مسؤولة عن حاضر البلاد ومستقبل الأجيال، نفتح الباب على مصراعيه لترشيح ذوي الجاه والمال، وسليلي الأعيان، والمتمرسين بالخطاب والاستقطاب، والوعود المدغدغة للوجدان، وضمنهم أميون بلا عَدٍّ ولا حساب، وآباء يملؤون لوائحهم بالأبناء، ونَكِلُ أمر الترشيح والانتداب لأحزاب ظلت مقراتها مغلقة في انتظار مواعيد الاستحقاق، ليصير همها تحصيل النتائج واكتساح المواقع، ولا عليها في البرامج، فهي تُدَبَّجُ بالاستنساخ والإلصاق، وتحفل بكل بارقٍ خلاَّب.
من هنا ينبعث الإشفاق من الإمعان في مغالطة الذات،
فالتوجهاتُ السامية، والتطلعاتُ الراقية، لن يُحققها إلا ذوو الروح الوطنية العالية، والخبرة الوافية، والرؤى الاستشرافية الطامحة.
ومثل هؤلاء لا يُباشَرُ تنزيلُ أسمائهم في اللوائح بارتجال، إنما يتم إعدادُهم، وإنضاجُ مؤهلاتهم في مقرات حزبية تنشغل بهاجس التدبير والتسيير، وتشتغل على قضايا الشأن المحلي والوطني، فتدأب في دورات تكوينية على رصد وتشخيص الظواهر والمشاكل، وتبحث لها عن الحلول، وتُنضج لها البدائل، حتى إذا حظيت بالفوز، وصارت في موقع المسؤولية، صدرت عن دراية وخبرة، وجاءت ممارستها مُنعشة للآمال، مُستجيبة للانتظارات، مُحققة للطموحات، صانعة للتحولات.
بمثل هذا نَكُفُّ عن مُغالطة الذات، نَرْدِمُ الْهُوَّة، نُعزز الثقة، ونضمن السير في تعبئةٍ واعتداد، على طريق البناءِ والنماء.
عبد الحي الرايس
في03/09/2021