أزيد من قرن ونصف في خدمة الملاحة البحرية بمضيق جبل طارق منارة كاب سبارطيل قيدومة منارات المغرب

0
pub top

 

فاطمة سهلي طنجة
إن منارة كاب سبارطيل، قيدومة منارات المغرب، تنتصب في ملتقى البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي شمال المغرب، وهي واحدة من أقدم المنارات في المملكة
والتي احتفلت في 15 أكتوبر
2014
بذكرى مرور 150 سنة على انطلاق تشغيلها، لازالت قائمة تواصل نشاطها
وتتميز هذه المنارة، بوصفها معلمة وطنية ذات سمعة دولية، بهندستها المعمارية الغنية، وتاريخها الحافل، ودورها الرائد المرتبط بنشاط الملاحة البحرية. وتقع منارة كاب سبارطيل في أقصى الشمال الغربي من المغرب وأفريقيا، بين بحرين اثنين وثلاث قارات، بالقرب من “طنجة البيضاء”. وتعد المنطقة من بين أكثر المواقع جمالا في المغرب بفضل مورفولوجيتها المتنوعة، حيث إن هذا “الفضاء حافظ على اتساقه مع الطبيعة؛ إذ يضم طيفا واسعا من النباتات المختلطة، أفرزه تأثير البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي”. كما يشكل كاب سبارطيل ومنارته فضاء ثري التنوع والتأثيرات، وغالبا ما يذكر بوصفه مكانا أسطوري، وبذلك يعد مفخرة للجهة
بعد انحسار خطر القراصنة الذين كانوا يهددون السفن العابرة للبحر الأبيض المتوسط خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، أصبح غرق السفن هو التهديد الأول والأخطر في هذه السواحل
وتعد حادثة غرق الفرقاطة التعليمية البرازيلية “دونا إيزابيلا” سنة 1860، أخطر الحوادث التي شهدتها المنطقة، إذ أودت بحياة 250 من الطلبة الضباط، مما جعل الحاجة ملحة لتأمين مرور السفن
بعد سنة من ذلك، أمر السلطان العلوي محمد بن عبد الرحمن ببناء منارة في رأس سبارطيل، واستمرت أشغال البناء سنتين تحت إشراف مهندس فرنسي وبيد عمال محليين مؤهلين، فيما تطلب استيراد لوازم الإنارة وتركيبها وضبطها سنة كاملة
أثار تشييد هذه المنارة وافتتاحها في أكتوبر
1864
مخاوف الدول الكبرى من استغلالها في فترة الحرب من طرف الخصوم، لذلك طالبت بريطانيا وفرنسا وإسبانيا السلطان المغربي بإبرام تفاهم يضمن حياد المنارة، ووقعت 10 دول من بينها الولايات المتحدة الأميركية سنة 1865 اتفاقية بهذا الشأن
ويتضمن الاتفاق تكاليف ونفقات تشغيل المنارة وصيانتها، فيما أوكلت مهمة المراقبة للجنة دولية تتناوب الدول الموقعة على الاتفاقية على رئاستها سنويا.
ان المنارة لعبت منذ تشييدها أدوارا متنوعة، سواء على مستوى الملاحة البحرية أو على مستوى الأبعاد الجيوسياسية، وهو ما جعلها من أبرز المنارات المغربية التي تحظى بمكانة خاصة وباعتراف دولي
تتميز منارة رأس سبارطيل بهندسة معمارية مستوحاة من عمارة المساجد الأندلسية، وفق توضيحات وزارة التجهيز والماء، وتتميز أيضا بقاعدتها الواسعة وشكلها الذي يشبه الصومعة النموذجية المغربية. ويبلغ علوها 31 مترا، ولها سلم حلزوني يتألف من 101 درجة، و”درابزينات” من خشب الماهونجي تفضي إلى مصباح المنارة الذي يضم النظام الضوئي، وعند نهاية هذا السلم شرفة تطل على منظر بانورامي رائع لكافة شواطئ المدينة
ان منارة رأس سبارطيل استفادت من أعمال إعادة تأهيل خصصت لها مليوني درهم (192 ألف دولار) لصيانة المبنى والمعدات الفنية، وذلك في إطار خطة وزارة التجهيز للحفاظ على التراث التاريخي والمعماري لمنارات المملكة
وفي يوليو 2021، افتتحت المنارة للجمهور كجزء من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بعد إنشاء المتحف الوطني للمنارات والتشوير البحري فيها. ويعرض هذا المتحف التاريخ البحري المغربي ومجموعة مهمة من المعدات التقنية المتعلقة بالمنارات
لذلك من الضروري استثمار القيمة التاريخية للمنارة وموقعها المميز، لتحقيق مردودية أكبر وجعلها ذات جذب قوي ونقطة رئيسية في المسارات السياحية للمدينة، خاصة خارج فصل الصيف
النظام البيئي في المنطقة يعتبر من أهم النقاط الساخنة من حيث التنوع البيولوجي النباتي والحيواني في طنجة، ومن أندر المشاهد البيئية الساحلية، حيث يوجد تناغم خاص بين المكون القاري الغابوي والمكون البحري العميق نسبيا
وتعد أشجار الصنوبر المكون الأساسي للنظام البيئي في “رأس سبارطيل”، والذي يضم كذلك عدة أنواع نباتية محلية كالدرو مثلا، أو مزروعة كأشجار الأوكاليبتوس
أما من ناحية منطقة الوحيش، فتعتبر المنطقة مرتعا حقيقيا للطيور المستوطنة والمهاجرة، إذ يمكن الاستمتاع بمشاهدة مرور النحام الوردي واللقالق وغيرها من الطيور في مشهد نادر يوثق وصولها من قارة أوروبا إلى أفريقيا. هذا بالإضافة إلى كون غابة سبارطيل تضم العديد من الحيوانات الأخرى، من الزواحف و البرمائيات والحشرات التي تزيد من التنوع البيولوجي والدور الإيكولوجي للموقع، مما يؤشر على غناه وقيمته الاستثنائية
وحصلت منارة رأس سبارطيل على لقب المنارة التراثية لعام 2023 التي تمنحها الجمعية الدولية للتشوير البحري، وذلك بعد منافستها 41 ملف ترشيح من 20 دولة
وأطلقت الجمعية الدولية للتشوير البحري ووزارة المحيطات والبحار الكورية لقب المنارة التراثية سنة 2018، في إطار ما سمي بإعلان أنشيون
هذا الإعلان أتاح النظر إلى المنارات من منظور مختلف، يتجاوز أدوارها التقنية في التشوير البحري وإرشاد البحارة، إلى الاعتراف بقيمتها التراثية وأدوار الثقافية والتاريخية
ويهدف هذا اللقب إلى تسليط الضوء على المنارات ذات الإمكانيات الثقافية والتراثية المهمة، والتي تم تثمينها والمحافظة عليها من طرف المصالح المختصة للبلد، كما تهدف إلى التعريف بهذه المنارات على الصعيد العالمي
ومنذ إطلاقه، حصلت 4 منارات أخرى على اللقب، إذ فازت به منارة كوردون الفرنسية سنة 2019، ومنارة سانتا أنتونيو دي بارا البرازيلية سنة 2020، ومنارة كاب بايرون الأسترالية سنة 2021، ومنارة هوميكوت الكورية سنة 2022

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.