الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها

مثل بليغ كنا نستعمله على طول تاريخنا وأحيانا كنا نضيف له مثل مستوحى من القرآن الكريم الفتنة أشد من القتل ، وهذا لأننا تعودنا على اعتبار كل ما هو غير منظم ولا ينبع من سياسات مجتمعنا الطبيعية يفسد ويخرب أكثر مما ينتج ، في العقدين الأخيرين انتشر تبني مفهوم الفوضى الخلاقة، الذي هو مفهوم غربي بامتياز الهدف منه اجراء تغييرات على مستوى البلاد العربية ابتدا من ثورة الياسمين في تونس، ثم انتقلت الى ليبيا فالسودان واليمن والعديد من البلدان العربية، لكن هل تسألنا ماذا كانت النتيجة؟ هل قامت الأجيال الأخيرة (جيل ز ) بتقييم هذه التجارب المدمرة؟هل أخدت العبرة من المعاناة التي يعيشها الآن الشعب السوداني من مجاعة وقتل بالمآت واغتصاب ، وتدمير لكل البنيات التحتية؟ نفس الشيء يصدق بالنسبة لليمن وحتى ليبيا ، كل هذه الدول التي مرت منها تجارب التغيير عن طريق القوة والعنف هي الآن دول فاشلة تفتقر لابسط مقومات العيش الكريم، والغريب في الأمر عندما اندفعت هذه الاحتياجات في بلادنا ساد توجه عام يساند ما يقع مرددا جملة واحدة مطالهم مشروعة ومن حقهم الاحتجاج لا أحد يختلف مع مضمون هذه الجملة لكن التغيير له أدبيات وتقنيات وهناك العديد من النظريات التي تؤطره وتنظر له، وكل هذه النظريات التي تتحدث عن التغيير، تؤكد على ضرورة التوفر على رؤى واضحة للتغيير، ومنهجية محكمة لتجنب الانعكاسات السلبية للتغيير، كما تؤكد هذه النظريات على ضرورة وجود إجراءات مواكبة ومصاحبة لكل مراحل التغيير، لان كل عملية تغيير نقوم بها تمر عبر ثلاثة مراحل أساسية، المرحلة المرحلة الاولى:وهي مرحلة تأتي مباشرة بعد إعمال التغيير، ويكون مفعولها من الناحية الفيزيائية كالانشطار البلوري او التفتيت البلوري، وهي مرحلة يتم فيها تفكيك كل الأنساق العلائقية والنظم القديمة، لكن لا يتم تعويضها ببديل قادر على احتواء ما يقع، لذلك هذه المرحلة الحرجة يجب ان تتبعها مرحلة ثانية:وهي مرحلة التجميع البلوري الأولى، لاقامة أنساق علائقية أولية ونظم بديلة ومنظمة لاحتواء مفعول الرجة الناتجة عن الانشطار البلوري، وهنا لابد بد من اخد الحيطة والحذر من جيوب المقاومة التي غالبا ما تمنع اي اجراء مصاحب لان هذه الجيوب تتشبت بالوضع القديم وتحن لرجوعه لذلك يكون من الضروري اللجوء إلى مرحلة ثالثة: يتم في إطارها اعادة التجميع البلوري بشكل يضمن خلق أنساق علائقية متجانسة وتجنب الآثار السلبية لجيوب المقاومة باحتوائحا وذلك بإعادة توظيفها وادماجها في نسق التغيير بشكل وظيفي يجعلها تقبل الاندماج وتتخلى عن مقاومة التغيير … لذلك فالابحاث الأكاديمية في مجال التغيير أصبحت تمثل سوسيولوجيا التغيير لا محيد عنها لضمان تغيير سلس لا يعاني من اكراهات ويتجنب الوصول إلى ما وصلت له الدول التي عاشت إحدى أشكال التغيير، لكن لم تتمكن من احتواء آثاره الجانبية، مما جعلها تتحول إلى دول فاشلة …الآن نعيش في بلادنا ارهاصات حركة تدعو للتغيير تطلق على نفسها “جيل ز” او الجيل الأخير وهي حركة عفوية تلقفاها البعض وحاول التنظير لها ووضعها في مسار احتجاجي، لكن اندست فيها تيارات داخلية تهدف إلى إرغام الحكومة الحالية على تقديم استقالتها وإجراء انتخابات مبكرة وسابقة لاوانها ويتزعمها خصوم الحكومة الحالية وهم بالدرجة الأولى اليسارواليسار الجدري يتزعمهم حزبي النهج الديموقراطي والحزب الاشتراكي الموحد والكثلة الثانية هي كثلة حزب العدالة والتنمية التي تضم الى جانب الحزب كل التيارات الدينية المغربية التي لا تتفق مع توجهات الحكومة الحالية الاقتصادية ، والاجتماعية … ان المرحلة التي يمر بها بلدنا مرحلة دقيقة، تتطلب منا التريث وإعمال العقل وتحكيم المصلحة العامة على ما سواها، واللجوء إلى قنوات الحوار الحضاري البناء والابتعاد ما أمكن عن التجارب التي عاشتها بعض الدول عبر العالم، وتجنب ان نصبح بمثابة فئران التجارب لنظريات طوباوية هدامة كنظرية “الفوضى الخلاقة” وان نترك زمام المبادرة بأيدينا والا نرهن حاضرها ومستقبل الأجيال المقبلة للمجهول، في تقليد أعمى وغير مستنير لما يقع في بعض المجتمعات والدول، وأن نرسم حدود واضحة في اية مقاربة في المستقبل لعمل الدولة والعمل الحكومي حتى لا يختلط الحابل بالنابل بحيث تختص الدولة في تدبير المجالات الحساسة في الدولة كالتعليم والصحة والسكن إسوة بالعديد من الدول عبر العالم كألمانيا وأندونسيا وسنغافورة، بينما تتولى الحكومة تدبير باقي المجالات الاقتصادية والاجتماعية الاخرى التي يمكنها ان تسيرها دون اكراهات اجتماعية واقتصادية وسياسية ثقيلة .د.حميد المرزوقي