نظمت جمعية ملتقى الشباب للتنمية ، يوم السبت الاخير،مائدة مستديرة في موضوع ، ”أي دور للمثقف المغربي في حياتنا اليوم؟؟ بغرفة الصناعة والتجارة لجهة فاس مكناس.
هذه الندوة التي شارك فيها عدد من الأساتذة الجامعيين، وممثلين فاعلين في المجتمع المدني ،واعلاميين ،والذين تناولوا هذا الموضوع كل من زاوية اختصاصه، وكانت المائدة المستديرة، مفتوحة على تدخلات كل من الأساتذة: محمد العبدلاوي ،وعز العرب الحكيم بناني ، والكاتب ادريس كثير ، والصحافي محمد بوهلال ، رئيس الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للصحافة لجهة فاس من خلال الورقة المؤطرة لهذا الموضوع الهام، والشاعر الزجالة الأستاذة سعاد اليوني ، والاستاذ حسن صابر الباحث في قضايا الطفولة والشباب ،واطار مسؤول بقطاع الشباب والرياضة بفاس ،والاستاذ عزيز نداء
،الفاعل الجمعوي ، وعبد الغني الزياني ، استاذ علم الاجتماع بجامعة فاس ، وعزيز قميشو أستاذ الفلسفة بجامعة المولى اسماعيل /مكناس ،ومحمد منادي إدريسي ، استاذ مادة الفلسفة بجامعة فاس .
وكل المتدخلين انطلقوا من الأرضية التي صاغها المنظمون ،وتلاها مسير الندوة الاستاذ محمد ابو حفص استاذ الفلسفة بجامعة العاصمة الاسماعيلية ،والتي أكدت على أن الثقافة تلعب دوراً جوهرياً في بناء الانسان وتطوير المجتمع وتقدمه ، فهي ضرورية لمواجهة اشكالات الحياة وتحديات العصر.
وتضيف الورقة ، بأن للمثقف دور حقيقي في عملية التوجيه والتأثير في تطوير العقليات ، مع الحرص على التشبث بالقيم النبيلة، وبالتالي فانه يساهم بشكل مباشر في التحولات المجتمعية ومواكبتها . وإذا كان للثقافة دور في صقل شخصية الفرد وتنمية وعيه ، وإكسابه عقلية نقدية لكل ما حوله للتخلص من السلبيات والبحث عن الحياة الافضل ، فإن المثقف يبقى سيد الموقف في بناء المجتمع وتطويره والرقي بسلوك افراده وفاعل في التطور الحضاري والبناء الديمقراطي للشعوب وتحقيق الكرامة والحقوق لا فرادها وجماعاتها .
لقد كانت أهم سمات المثقفين، هي محاولتهم تثوير الواقع في أبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية . فالمثقف حسب لينين يعتمد “منهجية التحليل الملموس للواقع الملموس″. و يظهر ذلك جليا حينما نبحث فقط في تاريخنا الطويل ونتأمل مسيرة الفكر الإنساني عندئذ سنجد حتما أن المثقف هو من ينحت التاريخ ويصنع التغيير. فهل كانت ستكون حقا ثورة فرنسية دون مثقفي عصر التنوير؟ هل كان من الممكن أن تنفجر النهضة الشعبية دون كتابات فولتير؟ دون الأفكار الثورية التحررية التي أبدعها مثقف يدعى جان جاك روسو؟ دون التفكير النير الذي أظهره مونتسكيو؟ لقد سخروا في الحقيقة عقولهم وأفكارهم لإنتاج الجديد لتطوير الواقع ، لكن من الملاحظ في السنين الأخيرة ومن خلال نقاشات المثقفين أنفسهم أن المثقف قد تراجع بشكل ملحوظ عن الظهور ولم يعد صوت المثقف حاضرا في حركات المجتمع بل لم تعد اسماء المثقفين متداولة في التنظيمات المرتبطة بالمجتمع وفاعلة فيها .
لقد كانت كل انتاجات وابداعات المثقف توقع بدور الشباب والفضاءات الشعبية والطلابية وبذلك كنا نلامس قرب المثقفين ليس فقط من قضايا المجتمع بل منا ومن دواتنا اجتماعيا ووجدانيا .
فهل يمكن القول ، تتساءل الورقة، كما يجزم بعض المحللين بأن دور المثقف فقد انتهى فعلا في مجتمعاتنا المعاصرة ليصبح بذلك مجرد تراث من الماضي نستلذ بالحنين إليه؟ أم
كما يحلل بعض المثقفين أنفسهم بأنه أصبح للمثقف دور آخر يتمثل في انتقاله من التعبئة والتأطير إلى التركيز على الابداع والإنتاج الفكري ؟ وأن مهمة التأطير تركها لغيره؟
وتضيف الورقة ، بأن بعض الطروحات ، ان فضاء المجتمع المدني قد افرز مؤخرا مساحات أكبر من الحرية والاستقلالية ، لم تكن متوافرة في السابق ، وكان للعودة إلى الذات ومساءلتها دور مهم في ” انقشاع غيوم الأوهام” وأفضى الدفاع عن النضال من أجل المجتمع المدني والديمقراطية والإصلاح تدريجياً إلى تغيّر وظيفة المثقف ، وانسحاب المثقف العضوي أو الثوري ، تاركاً المجال لأصناف هامشية من المثقفين ‘.’
ويحلل البعض الآخر أن خفوت دور المثقف يرجع إلى الانشغالات البرجماتية والخدماتية التي أصبحت غالبة لمصلحة تحالف المال والسلطة والإعلام . و أن الهجمات على الفكر النقدي التحرري، والتحولات التي عرفها العالم العربي خلال العشرين السنة الأخير جعلت الدور العضوي للمثقف في تراجع ملحوظ، ومن ناحية أخرى ، ما يعرفه دور المثقف نلامسه في الاعلام الورقي الذي تراجع بدوره امام الإعلام الإلكتروني . لقد كانت المنابر الورقية نشيطة على المستوى النشر الثقافي ، بل كانت لها ملاحق خاصة بذلك يقبل عليها المواطن المغربي بشكل ملفت . فلماذا ايضا لم يواكب المثقفون هذا التحول ؟ فهل لأسباب تقنية ؟ أم لسرعة وطبيعة القضايا اليومية المتداولة في الإعلام الإلكتروني ؟
لقد نشأ عصر المعلوماتية تحدّيات عديدة لكل المهن. وفي حال مهنة الصحافة، أدى اعتماد تكنولوجيا المعلومات إلى تغيّر كبير في كثير من معالم المهنة. لقد أحدثت ثورة التكنولوجيا المتطورة، تبدّلاً في الطريقة التي يتلقَّى فيها الجمهور الأخبار والمعلومات ، وحَرمت الصحافة الورقية من الاحتكار الذي كانت تنعم به . وبالتالي لم تعد المنابر الورقية قطب الراحة للمثقفين ايضا . وما نتداوله بخصوص المنابر الإعلامية ينطبق ايضا على النشر بصفة عامة ودور الكتاب بصفة خاصة ، حيث لم يعد للكتابة ذلك الاهتمام من طرف الفاعلين في الحياة الثقافية ، اليس هذا ايضا عاملا من عوامل تراجع بريق المثقفين أن صح التعبير ؟ ويحيلنا هذا النقاش على القراءة بصفة عامة وإلا لماذا ظهر في الآونة الاخيرة الحديث عن آليات تشجيع القراءة والتعابير المرافقة لهذه الفضاءات الجديدة .
وتخلص الورقة ،الى انه ومن المفارقات ، أن التوازي الذي كان يجمع بين الفعل الثقافي ودينامية المجتمع المدني لم يعد له وجود ، إذ أن تحركات المجتمع المدني تضاعفت ولامست كل مناحي الحياة العامة ، في الوقت الذي تدهور الدور الثقافي في حياتنا وانعكس ذلك على الجانب التربوي والسلوكي . وهنا نطرح التساؤل الآخر عن أي دينامية للمجتمع المدني في غياب المثقف العضوي ؟ الم يصبح غياب التأطير الثقافي
والفكري عاملا من عوامل فقر الممارسة الجمعوية بالرغم من اتساع وسرعة تحركها وتعدد مجالات تدخلها ؟ اليس هذا ايضا من عوامل ضعف التأثير التربوي والاجتماعي من قبل الفاعل المدني مقارنة مع المراحل السابقة ؟ .
إنها اسئلة مطروحة للنقاش واسئلة اخرى . وحديتنا عن دور المثقف في نظرنا هو حديث عن التحولات المجتمعية وعن التطورات التي لحقت بكل مناحي الحياة العامة.
واليوم ، وبما أن حياتنا في حاجة ماسة للتوجيه الثقافي والابداع الفني والفكري لترشيد اختياراتنا وتقويم ممارساتنا وتهذيب اذواقنا ، فيجب أن نطرح السؤال الاساسي كيف يمكن ان يحافظ المثقف على دوره الاساسي في حياتنا ؟ .
الندوة عرفت تفاعلات من طرف الحضور الوازن للمثقفين ورجال الإعلام ،وممثلين عن المجتمع المدني ،وعدد من الطلبة والباحثين، والذين اغنوا النقاش،وشددوا على ضرورة استنهاض المثقفين للقيام بدورهم الحيوي داخل المجتمع،وبشكل فاعل ،ليساهموا في بناء المواطن ليكون اساسا لكل تغيير ايجابي ،مع التأكيد على الاعتزاز بالوطن والدفاع عن القيم الاخلاقية والاجتماعية التي باتت مهددة بحكم التطورات المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم.