شهد الوطن العربي بعد الربيع العربي، حركية مضطردة على مستوى عدة دول عربية، تونس، مصر، اليمن و ليبيا، تميزت بتدخل مباشر للقوى الدولية للضغط على الأنظمة المستهدفة، وبالأخص في ليبيا، حيث بعد عدة نداءات للمنتظم الدولي بوقف الغارات الجوية والقصف المكثف بالأسلحة الثقيلة على المدن الشرقية التي كان يتركز فيهاالثوار الليبيون، دخلت على الخط كل من أمريكا وفرنسا بواسطة ضربات جوية مركزة لاضعاف القوة العسكرية للعقيد امعمر القدافي، وقد ساعد هذا التدخل الأجنبي كما كان متوقعا في تغليب كفة الثوار الليبيين وانهيار نظام الجماهيرية العربية الليبية بعد إلقاء القبض على زعيمها في مشاهد بطولية وحماسية ذكرتنا بأجواء إجلاء القوات الاستعمارية من الوطن العربي، إلى حد جعل البعض يعتبر ما وقع في ليبيا ما هو إلا بداية لتساقط الأنظمة العربية كاوراق الخريف الواحد تلو الآخر، ولكن لم يكن أحد يظن أن الوضع في ليبيا سيتحول إلى ما يعرف الآن بالمسالة الليبية، التي رغم تدخل مجلس الأمن ومساعي عدة دول لنزع فتيل الحرب الأهلية الضارية التي نشبت بين الفرقاء الليبيين، أنصار النظام السابق والثوار الليبيين في الشرق، ومن ضمن هذه المساعي الوساطة المغربية التي توجت بالتوقيع على اتفاقية الصخيرات بين الحكومة الليبية المعترف بها دوليا والقوى الأخرى التي تعرف في ادبيات التغيير التنظيمي” le changement جorganisationnel” في 17شتنبر 2015، وبالرغم من مباركة كل القوى والمؤسسات الدولية ذات الصلة باتفاقية الصخيرات، إلا أنها لم تتمكن من إنهاء الخلاف، خاصة بعد ظهور الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من بعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر السعوديةوالإمارات العربية المتحدة وغيرها، والحكومة المعترف بها دوليا والتي تدعمها تركيا وبهذا بدأ الوضع في ليبيا يعرف تعقيدا غير مسبوق، ينذر بانفجاره في أية لحظة، غير أنه وبشكل غير متوقع تم الإعلان في بلاغين منفصلين صادرين عن الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، وتنظيم المشير خليفة حفتر بوقف إطلاق النار بشكل فوري، بعد ذلك ونظرا لمصداقية الدبلوماسية المغربية على المستوى الدولي، تم الإتفاق للرجوع مرة أخرى لطاولة المفاوضات بالمغرب لتلعب دورا كان من الضروري أن يلعبه المنتظم الدولي، قبل الاندفاع لتغليب هذا الجانب او ذاك على الآخر، لأن تغيير أي نظام مؤسساتي كيفما كان حجمه سواء على المستوى الداخلي أو الدولي أو حتى على المستوى المقاولاتي يتطلب ما يسمى بالإجراءات المصاحبةles mesures” d’accompagnement ” لأن ما يحدث في أي نظام عندما نريد تغييره هو مانسميه بالتفتيت البلوي” decristalisation ” بحيث أن مكونات النظام بعد أي تغيير تنظيمي يجرى عليه يشبه الانفجار، تتناثر مكونات بناءه في كل الاتجاهات، بإستثناء اذا واكبنا التغيير بالإجراءات المصاحبة التي تحدثنا عهنا، والتي تقوم باعادة تجميع بلورياتها”la recristalisation” المتناثرة بشكل يسمح بإعادة تنظيمها دون أن ننسى التصدي الممنهج والواعي لجيوب مقاومة التغيير”les poches de résistance du changement” التي إن تم إهمالها تتسبب في إجهاضه كما وقع في ليبيا.
د. حميد المرزوقي