زلزالٌ وزلازل
خواطر وهمسات
زلزالُ الطبيعة وزلازلُ الإهمال
زلزال الطبيعة قضاءٌ وقَدَر، وزلازلُ الإهمال سُوءُ تدبير وخَلَل
أما زلزال الطبيعة فيُفاجئ ويُذهل، يَهْوِي بالبُنيان، ويَعصف بالأرواح، ومحظوظٌ من تُكتبُ له منه النجاة، ولكنه يبعث على النجدة والإيثار، ويُثير في النفوس الحَمِية ونُكرانَ الذات، وكأن الجميع في الفاجعة سواء، ولقطات بعد الواقعة تَشِي بمدى التلاحم واستشعار هول الكارثة، فهذا يُزيح رُكاماً، ويَشُقُّ مساراً، وذاك ينبش تراباً علَّه يُغيث إنساناً أو حيواناً، وغيرُه يجبر كسوراً ويُضمِّدُ جراحاً، وآخرُ يجلبُ قوتاً، ويُحضِرُ غطاء، وبعد أن تهدأ الأمور، وتعودَ الطمأنينة إلى النفوس، تُستخلَصُ الدروس، يَهُبُّ الجميع للدعم والسند، وإعادة الإعمار وتأمين السَّكَن، وتتفجر العبقرياتُ عن مبادرات من قبيل “كفالة اليتيم”، وتسريع وتيرة “مواصلة التعليم”، وتوفير المأوى في أفق “إعادة التعمير”، وإحداث صندوق خاص للدعم والتمويل، وتكييف الدعم مع خصوصيات الرَّبْع، وتكثيفِ التشاور التماساً لتقليل المخاطر.
وتتكشفُ الواقعة في مُجملها عن قيم الإنسان، ووحدة الأوطان.
وأما زلازلُ الإهمال فتبدأ عند الْمُدَبِّرين من تغييب التشاور والانفرادِ بالقرار، وتتلاحقُ مَظاهر الإخلال، بَدْءاً من تصاميم تهيئة المجال، المتغاضيةِ عن التجاوزات، المُقِرَّة للاستثناءات، المٌقصِّرة في تأمين المتطلبات وتحقيق التوازنات، فمن مُدن يطغى فيها الإسمنتُ على المجالات الخضراء، إلى أخرى تَقِلُّ فيها المرافق، وتغيب عنها الولوجيات، وغيرها يتردَّى فيها حضريُّ النقل، وتتفاقم الاختناقات، تُكتسَحُ فيها الأرصفةُ وتُهمَل الساحات، تعُمها الفوضى، ويُسَاءُ فيها تدبيرُ النفايات.
ولو أن زلازل الإهمال أثارت الْحَمِية، وانتزعت الاهتمام، وبعثت على التعبئة، وأوجبت المحاسبة، وترتب عنها نزعُ الثقة، لعرفنا العدالة المجالية، ولانْتَفتْ مظاهرُ الإخلال، وتضاءلت زلازلُ الإهمال.
عبد الحي الرايس
22/09/2023