المعرض الدولي للكتاب بالمغرب: احتفال ثقافي تُخفيه أوجاع الكُتاب

0

فاس: محمد امقران حمداوي

يُعد المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب تظاهرة ثقافية سنوية تحظى باهتمام واسع من طرف المثقفين ودور النشر والقراء، ويمثل مناسبة للاحتفاء بالكلمة المكتوبة والتلاقي بين المؤلفين والناشرين والجمهور. غير أن هذا الوجه المشرق يخفي خلفه واقعا صعبا يعيشه الكتاب المغاربة في ظل ارتفاع أسعار الكتب، وغياب دعم فعلي من المؤسسات الرسمية، وتحديات النشر والتوزيع التي تكاد تعصف بالعملية الإبداعية في مهدها.

فثمن الكتاب في المغرب لا يزال مرتفعا مقارنة بالقدرة الشرائية للغالبية، وهو ما يساهم في ضعف الإقبال على القراءة، خصوصا لدى فئة الشباب التي تفضل المحتوى الرقمي المجاني. وقد أصبحت الزيارة للمعرض بالنسبة لكثير من المواطنين مناسبة “للتجول والتصوير” أكثر منها فرصة لاقتناء الكتب، مما يعكس أزمة القراءة في مجتمع لا يزال يعاني من نسبة أمية مرتفعة.

وفي محاولة لتوسيع دائرة المشاركة والانفتاح الثقافي، تم نقل المعرض في السنوات الأخيرة من مدينة الدار البيضاء إلى الرباط، عاصمة الثقافة، في مبادرة جيدة لكنها غير كافية لمعالجة الإشكالات العميقة التي يتخبط فيها قطاع النشر والتأليف بالمغرب. فالكُتاب المغاربة يعانون من ارتفاع تكاليف النشر وغياب التوزيع المهني، مما يدفع كثيرا منهم إلى التوجه نحو دور نشر خارج المغرب، خاصة في دول الخليج ولبنان ومصر، بحثا عن اعتراف أوسع وشروط نشر أقل تعقيدًا.

ويزيد الطين بلة غياب دعم وزارة الثقافة لعدد من الأعمال الجادة التي لا تنتمي إلى “الكتابة الرسمية” أو لا تحظى بشعبية تجارية. فيُترك الكاتب المغربي وحيدا في معركة الطبع والتوزيع، معرضًا لاستغلال بعض دور النشر الخاصة، أو مرغمًا على تمويل طباعة أعماله من ماله الخاص، مع ما يتطلبه ذلك من مجهودات ترويجية وتسويقية تفوق طاقته.

مقارنة بحال الكُتاب في الدول العربية الأخرى، يتبين أن واقع الكاتب المغربي يبدو أقل حظا. ففي مصر مثلاً، يحظى الكاتب بدعم جماهيري واسع، وتتوفر له منصات نشر عمومية وخاصة، كما أن الكتاب يُوزَّع على نطاق عربي واسع. أما في فلسطين والعراق، وعلى الرغم من الظروف السياسية الصعبة، فإن الثقافة ما تزال تمثل خيارًا مقاوما، ويحظى الكاتب هناك بتقدير معنوي ومكانة مجتمعية تليق بدوره التنويري، في حين يبدو الكاتب المغربي كمن يصرخ في وادٍ، لا وزارة تسمع، ولا قراء يتفاعلون، ولا دور نشر تُراعي واقع الإنتاج المحلي.

إن المعرض الدولي للكتاب بالمغرب، رغم أهميته، لا يجب أن يكون مجرد واجهة زاهية لواقع ثقافي متأزم. فالنهوض الحقيقي بثقافة الكتابة والقراءة يمر عبر سياسات واضحة لدعم النشر، وتوزيع عادل، وتحفيز المواطن على اقتناء الكتاب، وضمان كرامة الكاتب باعتباره ركيزة أساسية في أي مشروع تنموي فكري أو حضاري.

فهل ننتظر معرضا آخر كي نطرح الأسئلة ذاتها؟ أم أننا بحاجة إلى ثورة هادئة في السياسة الثقافية المغربية؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.