محمية الاحترام والحب .

0
pub top

استغلال الاخرين وسلبهم كل شعور بالقيمة باسم الاحترام والمحبة هو ابشع انواع الاستعمار العاطفي الذي يؤدي بالانسان الى افلاس نفسي اذ يفرغه من كل قدرة على العناية بنفسه. ما يجعل هذا السلوك سائدا ومنيعا امام العلاج رغم الالام التي يسببها والدمار النفسي الذي يتركه في حياة الانسان، هو ان الضحية يتواطئ ويتعاون مع المتسلط على تدمير نفسه ظنا منه انه لا يملك حريته امام واجب الحب وواجب الاحترام . في مجتمع ليس فيه للفرد اي قيمة خاصة به وليس فيه لحياة الانسان الخاصة اي اهمية امام قيمة المجموعة واهمية النحن او امام من نعتبرهم الاكبر، يختلط سلب الحرية بالمحبة وواجب الحب لمقام المزاجات التي لا تعرف معنى الرضا بالاحترام. فيتحول الحب الى فعل فارغ مرهق، والاحترام مجرد شكليات يمارسها الانسان بلسانه وحتى ان كرس لها وقته وشخصه فهو ليس حاضرا لا في الوقت الذي يضحي به ولا عواطفه واحاسيسه موجودة في شخصه الحاضر. هو يؤدي واجبا بينما نفسه تكره هذا الواجب. لكنه يخاف الاعتراض او التمرد ويكرر افعالا تدرب علي تاديتها خوفا ان يخسر مكانته في محمية الحب تلك المكانة التي اساسا لا وجود لها لعل ال ” نحن” تقدر ان تبتلع افرادها وتعيش؟ او لعل فرق السنوات يصبح ضريبة يفرضها الاكبر على الاصغر ليدفع فيها حتى ما لايملكه من وقت او مصادر او قدرة على الارضاء؟ او لعل الاكبر سنا لا يعود يملك من الحياة والحب اي شيء لاننا جميعا تدربنا من البداية ان ننسى انفسنا ونعتبر ان اهمال النفس لاجل الاخرين هو الحب الاعظم وعندما يكبر صغارنا ويرحلون لحياتهم، نستيقظ للواقع المرير انه ليس لنا اي شيء نعيش لاجله . فنبدأ نلاحقهم باعبائنا العاطفية واحتياجاتنا العاطفية التي لا يقدرون ان يلبوها لانهم مهما فعلوا نشعرهم انهم مقصرون ونؤكد لهم عدم امتناننا لاننا دائما نريد الاكثر باسم الحب وباسم الاحترام. الوصية كانت تحب قريبك كنفسك. لم تكن الوصية يوما تحب قريبك او اي انسان اخر بدلا عن نفسك ولم تكن الوصية انت ملزم ان تخدم قريبك او اي شخص اخر ايا كان الثمن، اوحتى لو كانت الخدمة غير ضرورية اوحتى لو كنت عاجزا ان تؤديها. الوصية لم تكن ابدا فليرض كل واحد منا قريبه او الاخر لان رضا الاخرين هو من رضا الله او لان رضا الاخرين امر ضروري كي تبقى السماء معلقة فوق رؤسنا والهواء يسري داخل رئتينا . بل الوصية هي ليرض كل واحد منا قريبه للخير لاجل البنيان. عندما نقول امرا وطاعة للذين يريدون ان يمتلكوا وقتنا وموارد حياتنا وحريتنا ومع ذلك يشعروننا دائما بالنقص والتقصير، نحن لا نفعل الخير ولا نبنيهم وانما نزيدهم غرورا وتسلطا وانتهازا.ونزداد نحن قهرا وكرها لنفوسنا بسبب عجزنا عن وضع حد لمن يستغلنا. نزداد غيظا دون ان نتجرأ ونعلن غضبنا ونزداد تعبا وارهاقا وتراجعا وهدما لشخصيتنا لاننا نخشى المواجهة، نخشى ان نقول لا لمطالبهم غير الواقعية ولمزاجاتهم التي لا تعرف الاكتفاء ولتذمرهم الذي تبلد في عدم الامتنان. نخنع ونكتم قهرنا ويتحول الحب الى كذبة سخيفة باسم الاحترام. ان المجتمع ليس مجتمعا دون افراد، والعائلة ليست عائلة من دون افرادها. ان كان هناك من ” نحن” فهي اولا الفرد القادر والواثق والمسؤول كي تقدر ال ” نحن” ان تكون قوية . لكن حين تحاول المجموعة ايا كانت سواء المجتمع او العائلة او اكبر ما نصب نفسه كبيرا عندما يريدون الاستقواء على حساب اضعاف الفرد والاصغر، فالقوة مؤقتة والدمار هو النهاية الاكيدة للمستضعف والمستبد معا. لان كليهما فرط بواجب المسؤولية تجاه نفسه اولا. كل افرد هو اولا ذات مستقلة، مسؤول اولا عنه نفسه وتجاه احتياجاتها . كل واحد منهم ملزم امام الله ان يعتني بنفسه وان يضع حدا لاي انسان يحاول ان يدمر فيه حس الذات الكريمة وحس الاستقلالية الذاتية. وعندما نمارس جميعنا هذه الواجبات والمسؤوليات تجاه ذواتنا فنبني انفسنا وثقتنا بانفسنا وقدرتنا على مواجهة السلوك المستبد، نصبح المجموعة الواعية القادرة ان يسند كل واحد الاخر ليبنيه .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.