كلمة السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب

0

تغمرني سعادة كبيرة، ليس لأنني حظيت بثقتكم الغالية فقط، ولكن، بالأساس، لأننا تَـمَكَّنا، نحن أعضاء هذا المجلس بمختلف مكوناته، وكمؤسسات حزبية ممثلة في هذه المؤسسة الدستورية، من تجاوز مرحلة يمكن اعتبارها بمثابة امتحان إيجابي مثمر لممارستنا الديموقراطية، وفَتَحْنا الباب لنُباشر أعمالنا والقيام بمهامنا الدستورية مع ما لذلك من انعكاسات إيجابية على عمل باقي المؤسسات وعلى مجمل الوضع الوطني السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

واسمحوا لي بأن أتوجه بالشكر الجزيل إلى كافة الزميلات والزملاء النائبات والنواب المحترمين اللَّوَاتي والَّذِينَ وَضَعُوا ثقتهم في شخصي المتواضع، وأن أعبر عن تقديري واعتزازي بثقتهم، والشكرُ نَفْسُهُ أَتَوَجَّهُ به بالخصوص إلى الزميلات أو الزملاء الذين كان لهم رأي آخر لايَسَعُني إِلاَّ احترامه لأنه ممارسة من صُلْبِ العملية الديموقراطية الحقيقية.

وأغتنم هذه المناسبة لأهنئ جميع الأعضاء على الثقة التي وضعها فيهم الناخبون والناخبات بانتخابهم ممثلين لهم في مجلس النواب.

وأود أن أشكر الأستاذ عبد الواحد الراضي قيدوم البرلمانيين المغاربة، والرئيس الأسبق لهذا المجلس، على مدى أكثر من ولايتين، على حسن رئاسته وتدبيره لجلسة انتخاب الرئيس، وهو ما تأتى له بيسر بفضل خبرته وتبصره. فله التحية والتقدير. والواجب يقتضي أن أتوجه بالشكر إلى السيد رئيس الحكومة المعين الأستاذ عبد الإله بنكيران على ما بذله من جهد في إنجاح هذه اللحظة الانتقالية التي تجتازُها مؤسستنا التشريعية بنجاح إن شاء الله.

 

نعقد هذه الجلسة بعد أن ترأس جلالة الملك محمد السادس نصره الله افتتاح أشغال الدورة التشريعية الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، والذي كان مناسبة أعطى فيها جلالته توجيهاته السامية في ما يخص علاقة الإدارة بالمواطنين والتحديات التي يطرحها أداء المرفق العمومي، وهو موضوع يقع في صلب أوراش الإصلاح التي دشنها المغرب منذ نهاية التسعينيات، والتي ما فتئت تترسخ وتتسع في ظل قيادة وتبصُّر جلالته. وما هذه اللحظة التي نعيشها، وما هذا التمرين الديموقراطي الذي نحن بصدده اليوم، إلا ثمرة لِـهَذَا التفرُّدِ المغربي اللاَّفِتِ للانتباه في محيطٍ مضطرب، وهو ما ينبغي أن ندركه ونُقَدِّرَهُ ونثمنَهُ ونَـحْمِيَهُ ونحصنَه من خلال اعتبار مصلحة الوطن والمواطنين “أمانة جسيمة لاتقبل التهاون ولا التأخير”، كما أكد ذلك جلالة الملك.

لقد أثمرت المصالحات الكبرى التي حققتها بلادنا، مع تاريخها وهويتها ومجالاتها المتنوعة، حالة انتقال ديموقراطي مغربي مبني على الإصلاح والتراكم والتدرج، مما يَسَّرَ استقرار بلادنا، وكان في أساس دينامياتٍ كبرى في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والثقافية واللغوية. وكان من نتائج ذلك كله أن المغرب تَمكَّن من التموقع كقوة إقليمية وقارية جديرة بالتقدير والاحترام على الساحة الدولية، وقوةِ جَذْبٍ اقتصادي، ومَقْصَدٍ للاستثمار، وأفقٍ للأمل والطمأنينة والاستقرار والمصداقية.

وليس سراً في أن إمكانيات ورافعات المغرب اليوم، تكمن في قوة مؤسساته بقيادة جلالة الملك، ورصيد الثقة التي يتمتع بها، وفي خبرات وطاقات أبنائه وبناته، ومهارات نُـخَبِهِ الاقتصادية والعلمية والفكرية والتقنية.

 

لقد حرصتُ على التذكير بهذه الجوانب، لأُذَكِّرَكُنَّ وأذكركُمْ بالمسؤوليات التي نحن مُطَوَّقُون بها في الحفاظ على هذا الرصيد الجدِّي من المكاسب التي حققتها بلادنا. وإننا لَـمُؤتَـمَنُونَ ليس فقط على الحفاظ عليها بل مطالبون بأن نواصل، كمؤسسة دستورية، المزيد من الأداء والـمساهمة في تحقيق مزيد من الإصلاحات وإعمال مقتضيات الدستور وأداء مهامنا وفق ما يقتضيه دستور 2011، إنْ في مجال المراقبة والتشريع وتقييم السياسات العمومية أو في مجال إعمال الديموقراطية التشاركية بما يساهم في تصحيح صورة المؤسسة التشريعية لدى الرأي العام، ويُيَسِّرُ قِيَمَ المشاركة والمواطَنـَة ويرسخ ثقةَ المواطنين في المؤسسات التمثيلية.

وما من شك في أن ذلك لن يتيسر إلا بالثقة وبالعمل الجماعي، وبالتعاون بين السلط كما يقضي بذلك الفصلُ الأول من الدستور، ذلكم أن ترسيخ الاصلاحات والتحديث وتقوية الديموقراطية والتجاوب مع تطلعات مختلف فئات الشعب المغربي في العيش الكريم، والدفاع عن المصالح الحيوية للبلاد، تقتضي من مختلف المؤسسات الاضطلاع بالمسؤوليات المنوطة بها طبقاً لمقتضيات الدستور، كما تتطلب اعتماد منهجية التعاون وقيمة الحوار وسيلة مُثْلَى لتَمَثُّلِ المصلحة العليا للوطن وخدمتها.

لاشك أنكم جميعاً تدركون بأننا مطالبون أيضا بمواصلة تفعيل علاقة البرلمان بباقي المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة، على النحو الذي يجعل هذا التفاعل منتجا لثقافة الحكامة الجيدة، والمسؤولية، والشفافية، وتوخي الجودة في الخدمات والمرافق والتدخلات العمومية التي ينبغي أن تنعكس إيجابا وبالملموس على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم، وبما يُـحَسِّن مداخيلهم، وبما يقوي الانسجام والتلاحم الاجتماعي.

لئن كانت بلادنا قد تمكنت من التموقع كقوة إقليمية وقارية صاعدة، بفضل الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية والسياسية والحقوقية والاقتصادية، التي اعتمدَتْـها، بل وفرضت نَفْسَها كشريك ذي مصداقية، سياسيا واقتصاديا، فإنها         – بدون شك – تواجه عدة تحديات في محيط مضطرب، وفي سياق عولمة مفتوحة على كل الاحتمالات. كما أن صورة المغرب القوية في العَالَم العربي وفي أفريقيا وفي المنتديات والمحافل الدولية تثير حفيظة خصومٍ من كل الأَنواع، وترفع من وتيرة اليقظة والالتحام الوطني، وبالخصوص حاجتنا إلى التمسك بروح الحوار بين مختلف المكونات والعائلات السياسية والفكرية والاجتماعية لضمان المناعة المطلوبة وتقوية البُـنيان الوطني المرصوص. فقد حان الوقت لننظم رصيدنا من الكفاءات الوطنية المختلفة، بتعدد تخصصاتها واختلاف مرجعياتها الفكرية والإيديولوجية والسياسية، حتى نتمكن معاً سوِيّـاً من مخاطبة العالم من حولنا بمختلف اللغات التي يفهمها، وبالمشترك الفكري والسياسي الذي نقتسمه – نحن جميعاً – باختلاف أطيافنا وأفكارنا واجتهاداتنا وعلاقاتنا الدولية مع أشقائنا وأصدقائنا ورفاقنا وشركائنا في مختلف الجهات والجغرافيات والـمَحَافِل.

إن الحقيقة المغربية هي تلك التي تبنيها المكونات المغربية جميعُها.

والمصالح العليا للمغرب تقتضي أن نتحرك، كُلٌّ من موقعِهِ، وبخطابه، ومن منطلق مرجعيته، في اتجاه الكونِ كلِّهِ.

وهذا معنى أن نركز على الحوار كقيمةٍ أخلاقية، وكواجبٍ وطني، وكصيغةٍ مثلى لترتيب الاختلافات وبناء حسٍّ مشترك في عملنا البرلماني والسياسي، وفي حراكنا الدبلوماسي القوي المؤثر والمنشود.

ولست في حاجة إلى التأكيد على دورنا الحيوي المطلوب كمؤسسة برلمانية في واجهة العمل الدبلوماسي، في مختلف الفضاءات والمنتديات الكونية، أولاً ووأساساً في ما يهم قضية الوحدة الترابية للمملكة، قضية قضايانا وأولوية أولوياتنا، والتي تتطلب، إلى جانب الإجماع الوطني الحاصل حولها، والحمد لله، تجنداً دائما ويقظةً مستدامةً وتَصَدِّيا واعيا ومنظَّماً لمناورات الخصوم بشأنها في مختلف المواقع الدولية، دَعَامَتُنَا في ذلك مشروعيةُ قضيتِنا والانجازات التي تحققت على الأرض في الأقاليم الجنوبية، فضلاً عن حقائق التاريخ والجغرافيا والارتباطات الاجتماعية والثقافية الراسخة والمؤكَّدة، وتفهم وتضامن أشقائنا وأصدقائنا في جهات العالم الأربع.

وفي هذا الصدد، نلتزم بمواصلة الجهد المخلص والعمل الفعال على مستوى الدبلوماسية البرلمانية المغربية في مختلف المنظمات البرلمانية متعددة الأطراف، وفي الإطارات الثنائية، من أجل التعريف بمعطيات وعناصر وأبعاد قضيتنا الوطنية المشروعة ودَحْضِ الادعاءات المناوئة والتَّجَنِّيات التي باتت اليوم مكشوفةً للجميع.

من أجل ذلك، ينبغي التأسيس على ما تحقق من التراكمات وإنجازات دبلوماسيتنا البرلمانية التي قادها مختلف رؤساء مجلس النواب السابقين، بمساهمة مختلف مكونات المجلس، واستثمار مواقعنا الدبلوماسية البرلمانية المتقدمة وتثمينها، وبناء خطط عمل والترافع من أجل قضايانا الوطنية كلِّها مسنودين في ذلك، ومستنيرين بالمبادرات الحكيمة والناجحة التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله على الصعيد الدولي، كانت آخِرَها المبادراتُ الملكيةُ القويةُ في الساحة الإفريقية بكل أبعادها الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية والروحية والرمزية، وبما حققته من نتائج باهرة تابعها ويتابعها الجميع باهتمام وإِعجاب وتقدير.

ومن البديهي أن ما ينبغي أن نقوم به سيكون بتنسيق وتشاور مع السلطة التنفيذية وفي إطار ثوابت السياسة الخارجية للمغرب.

في جميع مهامنا واختصاصاتنا، ندرك أن الإدارة البرلمانية تلعب دوراً أساسيا باعتبارها أداة لا مـحيد عنها في أدائنا اليومي. وفي هذا الصدد، أود أن أشيد بما تحقق في مجال إصلاح وتطوير الإدارة البرلمانية داخل هذا المجلس، خصوصاً في عهد الرئيس السابق الصديق والزميل الأستاذ راشيد الطالبي العلمي الذي سهر على إعطاء طفرة هامة لتنظيم العمل البرلماني، خصوصاً في ما يرجع إلى البرلمان المنفتح، والبرلمان الرقمي، وترصيد أرشيف مختلف مراحل الحياة البرلمانية المغربية… وغيرها من المنجزات الفعلية التي تبعث على الاعتزاز والتقدير والشكر، والتي أصبحت تشكل مثالا يحظى بالكثير من الإعجاب والتثمين من طرف شركائنا وأصدقائنا على الصعيد الدولي.

وبروح التراكمِ ذاتِها، وتمثُّلاً لأهمية الوعي بالتاريخ، سنعمل إن شاء الله تعالى على مواصلة البناء على ما تحقق، وتطوير الأداء البرلماني في مختلف الواجهات التشريعية والرقابية والدبلوماسية وغيرها وتحسين وسائل العمل الموضوعة رهن إشارة السيدات والسادة النواب، وتعزيز قدرات ومهارات أطر وموظفي وموظفات مجلس النواب، مستفيدين في ذلك من إمكانياتنا، مستحضرين الممارسات الدولية النموذجية من خلال برامج التعاون الدولي والتوأمة التي تجمع مجلسنا مع برلمانات بلدان صديقة عريقة في الممارسات الديموقراطية.

سنحرص أيضا على الاستفادة من كافة الطاقات والمؤهلات التي يتوفر عليها المجلس في كافة الفرق والمجموعات النيابية وضمنها مساهمات السيدات النائبات والنواب الشباب اللواتي، والذين، ستكون لهن، ولهم، دون شك قيمة مضافة في مختلف مجالات العمل البرلماني.

وختاماً، أود أن أؤكد أنني سأشتغل شخصياً وبـمعِيَّةِ أعضاء مكتب مجلس النواب ورؤساء الفرق واللجان وأجهزة المؤسسة وفق منهجية الإنصات والإشراك والتشاور مع مختلف مكونات المجلس، وأغلبية ومعارضة، من أجل تطوير أدائنا وترسيخ البناء المؤسساتي، وذلك حتى نكون جميعاً عند حسن ظن جلالة الملك محمد السادس نصره الله وتوقعاته وتطلعاته الكريمة، وفي مستوى آمال كافة مكونات الشعب المغربي، وحتى نحصن بلادنا ومكاسبنا ونوطد اقتدارنا كأمة مغربية عريقة في التاريخ، جديرة بهذه الأرض وبهذا الإرث الحضاري والإنساني والثقافي واللغوي الغني، المتنوع الجدير بالاعتبار والتثمين، والذي لن يكون إلا إرثا جماعيا يُـثْرِيهِ التعددُ والتنوعُ والاختلافُ الخلاَّق في إطار الوحدة الوطنية.

مرةً أخرى، أجدد لكم جميعاً شكري وامتناني على ما أُحِطْتُ به من ثقة وما كُلِّفْتُ به من أمانة أرجو من الله تعالى أن يُقَوِّيَني على تحملها وأدائها بإخلاصٍ وصدقٍ وتَفَانٍ، في القَوْلِ والفعل.

وشكراً أيضاً على إصغائكم الكريم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

***

وقبل أن أرفع الجلسة، أحيطكم علما بأن المجلس سيعقد غدا الثلاثاء 17 يناير 2017، ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال، جلسة عمومية تُخصص، طبقا لأحكام الفصل 62 من الدستور ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس، للإعلان عن قوائم الفرق والمجموعات النيابية ورؤسائها وانتخاب أعضاء مكتب المجلس ورؤساء اللجان النيابية الدائمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.