حديث في اليوم العالمي للمدرس

0

بقلم:  عزيز لعويسي

يحتفي أساتذة المغرب على غرار نظرائهم في العالم، باليوم العالمي للمدرس الذي يصادف الخامس من شهر أكتوبر من كل سنة، وإذا كانت المناسبة تقتضي تقديم عبارات التهاني وأطيب الأماني لنساء ورجال التعليم، والتنويه بما يضطلعون به من مهام وما يتحملونه من مسؤوليات جسام في سبيل أداء رسالتهم النبيلة، فهي تقتضي علاوة على ذلك، استحضار موسم دراسي شاق مضى، بسبب محاولة تمرير نظام أساسي تراجعي، حمل مفردات التحكم واللاكرامة والحيف والإقصاء، كان كافيا لإشعال فتيل واحدة من أعمق الأزمات التي شهدتها المدرسة العمومية منذ فجر الاستقلال؛

 

معركة ما وصف بنظام المآسي، خلفت بدون شك، خسائر تربوية وتعليمية، يصعب تقدير آثارها على صورة المدرسة العمومية ورمزيتها المجتمعية، وجرد تداعياتها على فئات واسعة من التلاميذ، اعتبارا  لما تم هدره  في معركة البحث عن الكرامة، من حصص دراسية تقدر بالآلاف، كادت أن تعصف بمستقبل  السنة الدراسية، لولا  ما أبانت عنه الوزارة الوصية ومن خلالها الحكومة، من حسنة نية، في الوقت بدل الضائع إذا ما جاز التوصيف، وهذه الخسائر، كان بالإمكـــان تفاديها، لو احتوت الحكومة الأزمة في مهدها، وعجلت بتعديل ما شاب نظام المآسي من مقتضيات، تحكمت فيها مشاعر التحكم والظلم والحيف والتهميش؛

 

واليوم، وبعد أن تم تصحيح الوضع عبر نظام أساسي أرحم من سابقه، تعيش المدرسة العمومية حالة من الهدنة والاستقرار، مهدت لدخول مدرسي آمن ومرن، لابد أن تتحمل الوزارة الوصية مسؤولية الإفراج عما تبقى من القرارات ذات الصلة بتنزيل مقتضيات النظام الأساسي، وفق مقاربة تشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين، للتعبير عن نواياها الحسنة وجديتها، ما يساعد على تحييد كل المشاكل والمطالب المغذية لمشاعر القلق  والتوتر  والتوجس والاحتجاج، وإتاحة ما يتطلبه فعل الإصلاح، من سلم وتعايش واستقرار؛

 

معركة الكرامة، لم تفجر فقط، بؤر التوتر  بين الوزارة الوصية ونساء ورجال التعليم، بل وكشفت عن عورة هذه الشغيلة التعليمية، وما يتعايش داخلها من مفردات الأنانية المفرطة والمصلحة والجشع والفئوية والوصولية والصبيانية وانعدام المسؤولية، في ظل ما أبان عنه الحراك، من ممارسات “المقاطعة” و”التجريم” و”التخوين” و”التهكم” و”التحكم” و”السب” و”القدف” و”التشهير”، وهي الأسلحة المأسوف عليها، التي أشهرها بعض المندفعين والعابثين، في وجه الزملاء، في لحظات نضالية، حضرت فيها “المراهقة النضالية” وما ارتبط  بها من عبث وتهور واندفاع، وغابت عنها الوحدة والمسؤولية والتبصر والواقعية، مما فرض على قطار النضال التوقف الاضطراري، تحت الضغط والإكــراه والوعد والوعيد، وكان الأمل، أن يتوقف في محطة الشموخ والكرامة والكبرياء، لو حضر العقل والحكمة والتبصر وحسن التقدير؛

 

احتفالات هذه السنة، تتزامن والمنتدى الوطني للمدرس في نسخته الأولى، الذي نظم قبل أيام من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين، الذي أثار موجة من الجدل، خاصة حول تكلفته المادية ومدى جدواه، في ظل ما تعيشه الكثير من المؤسسات التعليمية العمومية من مشاهد الفقر والبؤس على مستوى بنيات الاستقبال والوسائل والتجهيزات، ونرى في هذا الإطار، أن تغيير واقع الحال، يحتاج فقط، إلى إرادة حقيقية للإصلاح، مؤمنة أن التعليم هو  الطريق الوحيد ما لم نقل الأوحد، لكسب معارك التنمية الشاملة، والتصدي لما يواجه الوطن من تحديات، وحماية ما يجمعنا كمغاربة من قيم وطنية ودينية واجتماعية، تعيش اليوم حالة مقلقة من التراجع والإفلاس، تفرض دق ناقوس الخطر أكثر من أي وقت مضى؛

 

إذا كان قطار الإصلاح يقتضي المرور الذي لامحيد عنه، عبر إحداث مراجعة شاملة للمناهج والبرامج وتقليص ساعات العمل، والنهوض ببنيات الاستقبال، وإتاحة بيئة تعليمية تعلمية محفـزة وجذابة، تسمح بالخلق والإبداع والابتكار، وافتكاك الأساتذة من بين مخالب كثرة الأعباء المجردة من التعويضات المحفزة، وإرساء نظام مرن للترقي، معـزز لثقافة التحفيز والتقدير والاعتبار، فلابد أن نستحضر ما تعيشه الشغيلة التعليمية منذ أن وضعت معركة الكرامة أوزارها، من أجواء مشحونة، تحضر فيها مفردات التفرقة والشتات والأنانية والوصولية، وهذا الواقع “اللاتربوي”، لن يكون إلا عائقا موضوعيا مشوشا على أي مسعى إصلاحي، لما يشكله من بيئة مشحونة، يصعب معها الحديث عن مفاهيم أساسية في الإصلاح، من قبيل “روح الفريق” و”روح المبادرة” و”التواصل التربوي الفعال” و”مشروع المؤسسة” و”الحياة المدرسية” وغيرها، مما يستدعي مصالحة حقيقية مع الذات، من شأنها تحصين بيت الأسرة التعليمية من كافة الممارسات اللامسؤولة، التي لاتزيد نساء ورجال التعليم، إلا ضعفا وتفرقة وشتاتا، والمهنة إلا تواضعا واحتقارا وإهانة، على أمل أن يرتقي الجميع بمستوى السلوك، وتقديم صـورة حسنة وإيجابية عن مهنة نبيلة، قيل في صاحبها “كاد المعلم أن يكون رسولا”. ونختم المقــــال، بتوجيه أسمى عبارات التهاني وأطيب الأماني، لكل مدرس/ة في عيده العالمي، يعطي لمهنة التدريس معنى وقيمة ومغزى، بسلوكه وانضباطه والتزامه وجديته وتفانيه في العمل، وكفاحه المستمر، لتبقى المدرسة العمومية شامخة وبهية، وحضنا دافئا لأبناء البسطاء والفقراء والمهمشين، الذين  لا حضن ولا مأوى لهم، إلا “مدرستهم الحلوة”…

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.