قصة طريفة بعنوان: فوضى المؤثرين والمؤثرات في السوشيال ميديا

0
pub top

بقلم: محمد أمقران حمداوي

في قاعة اجتماعات بمصحة نفسية فاخرة، اجتمع ستة أخصائيين نفسيين لمناقشة موضوع يشغل بال المجتمع المغربي: فوضى المؤثرين والمؤثرات في مواقع التواصل الاجتماعي. بدأ النقاش هادئا لكنه سرعان ما تحول إلى تبادل ساخن للأفكار، كاشفا عن أزمة عميقة في التربية والقيم.

الأخصائي الأول، المعروف بحسه الفكاهي، بدا هذه المرة جادا وقال بحزم:
“لقد تحولت التفاهة إلى ظاهرة اجتماعية. مؤثرون ومؤثرات ينشرون تفاصيل حياة الآخرين الخاصة، ويتفننون في الإساءة والسب والقذف. يجب فرض قوانين صارمة ورادعة لكل من سولت له نفسه أن يخدش وينهش أعراض الآخرين. يجب وقف هذا العبث فورا. لو كانت هناك جائزة للتفاهة لفزنا بها عالميا!”

هنا قفز الأخصائي الثاني كأن لدغة عقرب أصابته وقال:
“أين الأسرة من هذا كله؟ لقد أصبح بعض الآباء يشجعون أبناءهم على أن يكونوا مهرجين رقميين لأن هذا يجلب المال. للأسف، أصبح الاسترزاق أهم من القيم! يا للسخرية! لقد تحول الجهل إلى استثمار.”

الأخصائي الثالث نظر من النافذة، وكأنه يشاهد شجارا في الشارع، وأردف:
“المال أعمى الأبصار. الأسر التي تتاجر ببراءة أطفالها تساهم في اغتصاب مرحلة الطفولة، وهي مرحلة أساسية لتكوين شخصية متوازنة. لقد أصبحت القيم ترفا ثانويا. المال … المال … يا سادة … أسرنا أصبحت تؤمن بمقولة: ‘فلوس أولا ، القيم لاحقا’ ، أما الطفولة فهي مرحلة يمكن بيعها لأي مزاد رقمي.”

الأخصائي الرابع بدا وكأنه يؤدي دور الحكيم في فيلم درامي، فرك يديه وأكد بحزم:
“التكنولوجيا سلاح ذو حدين. المشكلة ليست في التكنولوجيا، بل في كيفية استخدامها. يجب أن تكون التربية حاضرة لتوجه الأطفال نحو ما يبني شخصيتهم لا ما يهدمها. هؤلاء الأطفال بدلا من أن يصبحوا مهندسين أو علماء أصبحوا ‘مشاهير تحدي المقالب’، بينما الأسر تقول : انظروا كم هو بارع في التكنولوجيا!”‘

الأخصائي الخامس، طأطأ رأسه وكأنه يتحسر على مستقبل البشرية، وتمتم بحنق:
“أصبحنا نسمع عن أطفال في الثامنة والتاسعة يحملون هواتف ذكية دون أدنى رقابة من الأسرة. بينما أنا في طفولتي كنت أحمل دفتر واجباتي وأخاف من عصا المعلم. الأسر اليوم تقول: نحن لا نستطيع السيطرة عليهم. آه ! يا للأسف! لقد تخلت الأسر عن رسالتها تماما.”

الأخصائي السادس، الذي كان ينظر إلى وجوه زملائه وكأنه يستعد لإعلان نبوءة، قال بصوت متهدج:
“الإصلاح يبدأ من الأسرة. هي المسؤولة الأولى عن غرس القيم ومراقبة السلوك. إذا فوضت الأسرة التربية لوسائل التواصل، فلا عجب أن تنهار منظومة الأخلاق. إذا كان الآباء وأولياء الأمور مشغولين بجمع المال أو يتابعون التفاهة بأنفسهم، فلا عجب أن يتحول الأبناء إلى نجوم في مسرح العبث الرقمي! التربية ليست تطبيقا يمكن تحميله على الهاتف الذكي.”

وفي نهاية النقاش، وبعد سلسلة من التأوهات، وُلد اتفاق تاريخي:
“يجب أن نعيد الأسر إلى مقاعد الدراسة! الحياة الخاصة للأطفال خط أحمر ، والتفاهة مرض مُعْدٍ يجب أن يحاصر قبل أن تتحول السوشيال ميديا إلى مدرسة لإنتاج الجهل! يجب كذلك أن تتحمل مؤسسات التنشئة الاجتماعية( الكُتّاب، المدرسة، المخيم، دار الشباب، دار الثقافة…) مسؤوليتها في التصدي للتفاهة وحماية القيم.”

غادر الأخصائيون القاعة وكل واحد منهم يفكر في مأساة جديدة: كيف ستقتنع هذه الأسر بأن القيم أهم من الإعجابات؟”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.