أدب آلاختلاف باجازة اوالممانعة في الاحتفال بذكرى المولد النّبوي الشّريف
فاطمة سهلي: طنجة
يحتفل المغاربة بعيد المولد النبي الشريف ، شانهم شان كافة المسلمين في كل البقاع في اليوم الثاني عشر من الشهر الثالث من التقويم الإسلامي 1441هـ موافق 10 نونبر2019
ويُعتبريوماً لاستذكار صفات ومناقب أشرف الخلق والمرسلين، فهو النبي الهادي للأمة، الذي جاء برسالة الإسلام السمحة ليمحو التخلف والجهل والطائفية، وينبذ الكفر والشرك، إيذاناً ببدء عهدٍ جديد، وتمهيداً لنزول الرسالة السماوية الخالدة إلى كافة الناس، والتي جاءت بالدعوة الخالدة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وعدم الشرك به، وأداء العبادات جميعها، و الالتزام بأركان الإسلام الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً.
كلما حلت ذكرى المولد النبوي الشريف، تعالت أصوات تَدَّعي أن الاحتفال بها بدعة لا أصل لها، وأن الصحابة وهم أكرم الناس وأشدهم اتباعا للدين،وهلّت التساؤلات والاستفسارات حول مشروعية احياء ذكرى المولد والتّي ينتج عنها في كثير من الأحيان مشادات من كلا الطّرفين المجيز والممانع على حد سواء قد تصل لحد تبديع وتضليل كلّ فريق للآخر ، رغم أنّ هذه المسألة ليست وليدة عصرها بل بحثها علماؤنا الأعلام منذ مئات الأعوام كلا الفريقين قام بمراجعة المسألة من مظانّها الفقهية والتزام أدب الخلاف والحوار في المسألة عملاً بقاعدة لا انكار في محل الاختلاف
حيث ذهب جمهور العلماء إلى القول باستحباب إحياء يوم المولد الشّريف بالذكر والمدائح والشكر والابتهالات، مع التأكيد على حرمة ممارسة البدع وتتبع الخرافات في مثل هذا اليوم المبارك الشريف الذي تتجلى فيه النّفحات .
وهناك مّن قال بجوازه واستحبابه : العلامة الحافظ العراقي حيث ألّف كتاباً أسماه : ” “المورد الهني في المولد السني ” ، والامام الحافظ السّيوطي بوّب في كتابه الحاوي باباً أسماه : ” “حسن المقصد في عمل المولد” والامام العلامة علي القاري حيث ألّف كتاباً أسماه : ” المورد الرّوي “، والامام العلامة ابن رجب الحنبلي حيث حثّ على احياء يوم المولد واغتنام نفحاته بل واستحب صيام هذا اليوم في كتابه : ” لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ” ،و الامام الحافظ ابن حجر العسقلاني في الفتح عند شرحه لحديث صيام عاشوراء الذّي في البخاري ، والإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري: إمام القراء وصاحب التصانيف التي منها: “النشر في القراءات العشر”، وسمى كتابه: “عرف التعريف بالمولد الشريف “والإمام الحافظ ابن الجوزي والامام أبو شامة ”شيخ الحافظ النووي” حيث حثّ على احياء يوم المولد في كتابه “الباعث على إنكار البدع والحوادث” واعتبر يوم المولد من أحسن ما أحدثه النّاس على اعتبار أنّ البدعة تقسم لقسمين عند جمهور الفقهاء : بدعة حسنة وبدعة سيئة أو إن شئت فقل سنة حسنة وسنة سيئة دفعاً للشبه والايهام كما استحسن ابن رجب ، والامام الشهاب القسطلاني ”شارح البخاري”: حيث قال في كتابه: “المواهب اللدنية” والإمام الحافظ السخاوي، والإمام الحافظ وجيه الدين بن علي بن الديبع الشيباني الزبيدي.. وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لاستقصائهم
هذا ومن باب الدقة العلمية والأمانة الشرعية لم يأت دليل صريح في الكتاب أو السنة على استحباب احياء ذكرى مولده صلّى الله عليه وسلّم ، وإنّما هي اجتهادات يستأنس به من إشارات بعض النّصوص ، كي لا يظنّ المؤيد لفعله أنّه من الأمور المتفق عليها فينكر على من لا يقول به وبالمقابل كي لا يظنّ من لا يؤيد فعله أنّه من القضايا المتفق على منعها فينكر على من يقول به
إنّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم، وإنشاد شيء من المدائح النبوية، ثم إكرام الحاضرين بالطعام أو الشراب من غير زيادة على ذلك سُنَّة حسنة؛ لأن فيه تعظيما وتوقيرا لقدر النبي صلى الله عليه وسلّم، وإظهارا للفرح والاستبشار بمولده الشريف، وهو من السُّنن التي أشار إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: ”مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ” رواه مسلم.
وقد دل على هذا الحكم أدلة كثيرة استند إليها العلماء في مشروعية الاحتفال بهذا اليوم العظيم، منها :
قوله تعالى: ”وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ” إبراهيم/5 أي: بنعم الله عليهم، كما فسره ابن عباس ومجاهد وقتادة. “تفسير القرطبي” (9/341)
وولادة النبي صلى الله عليه وسلم هي النعمة العظمى والمنة الكبرى على العالم كله، لا يشك مسلم في ذلك، فالاحتفال بيوم المولد هو من باب الامتثال لأمر الله تعالى بتذكر نعمه وآلائه .
قوله تعالى: ”قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ” ”يونس/58 ”
والاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم مظهر من مظاهر الفرح المأمور به .
عن أبى قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين فقال: ”’ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ – أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ –” رواه مسلم.
فبيان النبي صلى الله عليه وسلم أن سبب صومه يوم الاثنين هو ولادته فيه دليل على أن يوم ولادته له مزية على بقية الأيام، والمسلم يحرص على زيادة الأجر والثواب في الأيام المباركة .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقَالَ: ”أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ” فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رواه البخاري .
قال السيوطي رحمه الله تعالى : ” سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه
أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها كان بدعة حسنة ؛ وإلا فلا ….
قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى ” . .
فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنّ به في يوم معين ، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة .
وقد أجاب القائلون بمشروعية واستحباب المولد على من عارضه بدعوى أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يُقم احتفالا لذكرى مولده ولا الصحابة من بعده ، بأنّ القاعدة الأصولية تقول: “لا يُحتجّ بالترك”، أي كونه لم يفعله لا يعني ذلك عدم الجواز طالما أنّ له أصلا في الدّين، فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما أخبرت السيدة عائشة ما زاد على إحدى عشرة ركعة في ليلة، ومع ذلك فقد صلّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه التراويح عشرين ركعة وأقره على ذلك الصحابة !! كما أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجمع القرآن الكريم بين دفتي مصحف واحد ولم ينقطه ولم يضع الحركات على حروف وغير ذلك من الأمورالتي فعلها الصحابة من بعده على اعتبار أنّ لها أصلاً في الكتاب والسنة ….
سيظلّ يوم المولد النبوي الشريف، يوماً شاهداً على أعظم ذكرى في تاريخ الأمة الإسلامية، وهو يومٌ يمنحنا العبر والدروس، ويحيي فينا الشوق لنبيّنا وحبيبنا محمد، ويؤجّج القوة الإيمانية في نفوس المسلمين بأن يُحفّزهم على العبادة والصلاة والذكر والصلاة على صاحب الذكرى، بالإضافة إلى العمل بسنّة النبي والأحاديث النبويّة الشريفة
ومَن احتفل بيوم مولده صلّى الله عليه وسلّم؛ وسرد سيرته العطرة وذكّر بمناقبه العلية، ولَم يُلبِسه بِشَيءٍ مُنافٍ للشَّرعِ من البدع المذمومة،كما اتفق عليه حشد كبيرمن الطرفين
” المؤيد وغير المؤيد”التزام أدب الاختلاف في المسألة ومراعاة الاجتهاد فيها