فاطمة سهلي
افتتحت الدورة الـ20 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش مساء الجمعة 24 نوفمبر 2023، بتقديم لجنة التحكيم التي ترأستها الممثلة الأميركية الحائزة على جائزة الأوسكار جيسيكا شاستين، وتكريم الممثل الدانماركي مادس ميكلسن وسط حضور عدد من ألمع نجوم السينما العالمية.
ويعرض خلال المهرجان الذي يختتم أعماله في الثاني من ديسمبر 2023، نحو 75 فيلما من 36 بلدا، تنتمي إلى مختلف القارات، وتمثل ثقافات متعددة، مما يمكن جمهور المهرجان من الاطلاع على إنتاجات مختلفة ومتنوعة
ويخصص المهرجان المسابقة الرسمية المخصصة للأفلام الطويلة الأولى أو الثانية لمخرجيها، أملا في الكشف عن مواهب سينمائية جديدة. فمن بين 14 فيلما تم اختيارها للمسابقة، تشارك 10 أفلام هي الأولى لمخرجيها.
ويبرز المنظمون أن الأفلام المرشحة للفوز بالنجمة الذهبية تنتمي إلى مختلف الفئات السينمائية، من الأساطير الجديدة، إلى الأفلام الوثائقية، مرورا بالفيلم الأسود، إلى السخرية السياسية. ويقوم مخرجوها من خلال قصص الحب والحكايات العائلية، بدفع المتلقي لطرح أسئلة عميقة حول مبادئ التربية، والحفاظ على الذاكرة، والبحث عن الحقيقة، والفهم الدقيق للحرية.
ويلاحظ هيمنة الإنتاج المشترك على أفلام المسابقة الرسمية، بحضور عربي وازن من المغرب وقطر والسعودية، وفلسطين ومصر.
كما يلاحظ الوجود المميز للمرأة في المهرجان، فمن بين 14 فيلما تتنافس على النجمة الذهبية، هناك 8 منها أخرجتها نساء، فيما توجد 7 نساء في لجنة التحكيم، وهو ما اعتبرته رئيستها جيسيكا شاستين أمرا مدهشا.
وأبرزت شاستين أن السينما لها دور كبير في الرفع من وعي الناس والتأثير على سلوكهم، لكنها في المقابل اعتبرت أن الحصول على حماية أوسع ضرورة لحياة الناس على العالم أن يسعى إليه.
على صعيد آخر، يحتفي المهرجان بالفنانين المغاربة ضمن فقرة “بانوراما السينما المغربية” الذي يشمل 6 أفلام روائية أو وثائقية حديثة، منها اثنان تعرض للمرة الأولى هما فيلم “موغا يوشكاد” لخالد زايري و”مروكية حارة” لهشام العسري، فيما تعرض 9 أفلام مغربية أخرى في باقي الفئات.
ويعتبرالحضور المغربي متطورا من سنة إلى أخرى، وأن وجود فيلمين مغربيين “كذب أبيض” لأسماء المدير و”عصابات” لكمال لزرق، في المسابقة الرسمية له دلالات كبيرة، وهما فيلمان متوجان في مهرجان كان، علاوة على وجود فقرة أخرى تسمى “أطلس” تدعم السينمائيين المغاربة الشباب”.
لذلك فان مهرجان مراكش وصل منذ مدة إلى مرحلة النضج ورسم لنفسه هوية خاصة بين المهرجانات العالمية، فهو الآن في دورته العشرين، وهذا دليل على أنه حقق تراكما مهما، وأصبح من المهرجانات الأساسية في المنطق.
ان كل مهرجان يسعى إلى إثبات نفسه، لا بد أن يخلق هويته الخاصة، ويؤكد تميزه عن باقي المهرجانات، خصوصا ذات الطابع الدولي، إذ لو عدنا إلى الدورات الأخيرة للمهرجان، وألقينا نظرة على الأفلام التي عرضت فيه، والأسماء التي حضرته، والتي جرى تكريمها، يمكن القول إنه خلق لنفسه مكانة مهمة على هذا الصعيد.
كما انه عرف تحولا مهما لصالح أفلام هشة بإمكانيات بسيطة لكنها عميقة، لان السينما إمتاع ومؤانسة ودفاع عن إنسانية الإنسان أولا وأخيرا.
إن هذا الحدث السنوي يأثر بشكل غير مباشر، على السينمائيين المغاربة الذين يحضرونه بشكل دائم، ويستطيعون تبادل الخبرات، ومتابعة تطور السينما العالمية وأيضا المغربية، فضلا عن أن النجوم العالميين الذين يكتشفون المغرب لأول مرة، وينبهرون بجماله وقوة ضوئه، يدفع بعضهم إلى العودة من أجل تصوير أفلام جديدة، كما وقع مع المخرجين مارتن سكورسيزي، وريدلي سكوت.
ان المهرجان استطاع استقطاب رموز سينمائية عالمية، وأفلام ذات جودة عالمية تتنافس على النجمة الذهبية.
ان إقامة مهرجان مراكش في وقته، دليل على أن المغرب استطاع أن يمتص صدمة الزلزال وأن يحتوي تداعياته، بالرغم من تكلفته البشرية والمادية، فمدينة مراكش برمزيتها التاريخية وكونها وجهة سياحية عالمية، بدأت تستعيد عافيتها، بعودة السياح، مغاربة وأجانب، وإعادة افتتاح العديد من المتاحف، وعودة عجلة الأنشطة الثقافية والفنية، وعلى رأسها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .
ان إقامة مهرجانات من حجم مهرجان مراكش يبقى له تأثير على صعيد تقريب الفن السابع إلى أوسع جمهور ممكن، خصوصا الجمهور الشاب، وفتح المجال أمام السينمائيين والذين يعملون في المجال بصفة عامة، للاطلاع على تجارب سينمائية مختلفة، وفتح نقاش مع مبدعين في الفن السابع من ضفاف أخرى، وكل هذا لا يمكن إلا أن يمثل قيمة مضافة للسينما في بلادنا
وخلال تكريمه لم يفوت الممثل الدانماركي مادس ميكلسن الفرصة لإظهار امتنانه لمهرجان مراكش، والذي كان فرصة للقائه بملهمه الأول، مارتن سكورسيزي أحد عمالقة السينما، والذي بصم بقوة على مساره الفني حسب تعبيره، كما أن المهرجان كرم قبله ملهمه الثاني النجم روبرت دي نيرو، وهو ما يجعله فخورا بمشاركتهما المنصة نفسها، بحسب قوله.
وتم تقديم ميكلسن الذي سلمه جائزة التكريم السيناريست الأميركي وليام دافو، على أنه إحدى أساطير التمثيل في السينما العالمية بأفلام جاوزت المائة، تقمص مختلف الأدوار الصعبة والحيوية التي تعبر عن الإنسان في كل حالاته النفسية والاجتماعية.
ومن المنتظر أن يتم تنظيم فقرة ثانية تكريمية ثانية وأخيرة يوم الأربعاء المقبل، للاعتراف بعالمية أعمال المخرج المغربي فوزي بنسعيدي ضمن سلسلة من تكريم السينمائيين المغاربة، والتي دأب المهرجان على ترسيخها خلال دوراته المتلاحقة.
لان بنسعيدي مخرج مغربي لديه مواصفات عالمية يحظى بتقدير واسع في المهرجانات العالمية، وهذا التكريم تتويج لمساره السينمائي المجتهد والمثقف ذي الرؤية المتجددة للعالم والمجتمع، إذ يقدم مواضيع آنية بشكل إبداعي وبضبط فني ملاحظ.
وخيمت أجواء من الحزن على ضحايا زلزال الحوز والحرب الإسرائيلية على غزّة، فانعكست على أزياء الحاضرين وكلمات حفل الافتتاح الذي نظم بقصر المؤتمرات وسط المدينة وسط إجراءات أمنية أكثر احترازية، وقدمت فقراته باللغتين العربية والإنجليزية.
وتم إلغاء فقرة التقاط صور النجوم في البساط الأحمر، وعرض الأفلام أمام الجمهور بحضور الفنانين العالميين في ساحة الفنا الشهيرة.
أن المهرجان يعقد هذه السنة في ظروف خاصة، ويأتي بعد أقل من 3 أشهر من زلزال الحوز، علاوة على ما يجري الآن في فلسطين من جرائم في حق الشعب الفلسطيني ، لان منظمي المهرجان فضلوا استمرار انعقاده مع الحفاظ على الحد الأدنى من الأجواء الاحتفالية.
ويأتي تعديل البرنامج، خطوة ببعد إنساني وتضامني تليق بالمملكة المغربية، إذ إن قلوب المغاربة كما بقيت عالقة بضحايا الزلزال، مازالت كذلك متالمة ومتضامنة مع غزة العزة