الخطاب الملكي في الذكرى الفضية لعيد العرش تأكيد لالتزامات المغرب الوطنية والعربية.
كما كان متوقعا، جاء الخطاب الملكي السامي، بمناسبة اعتلاء جلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الميامين، كعرض لما تم القيام به من مشاريع ضخمة، جسدت على أرض الواقع الأوراش الكبرى التي غيرت وجه المغرب، وجعلت منه قوة إقليمية وجسرا للعلاقات شمال جنوب، خمسةُُ وعشرين سنة خَلَتْ، أي من ثلاثين يوليوز 1989 إلى الثلاثين من يوليوز 2024، كانت كافية لتبويء المغرب هذه المكانة الرفيعة في العلاقات الدولية، وبالاخص بين إفريقيا وباقي العالم، خطاب جلالة الملك لهذه السنة ركز على واجهتين أساسيين، الواجهة الوطنية التي ركز فيها جلالته على المشاريع المائية الكبرى التي أنجزت او التي ستنجز مستقبلا، لترشيد وعقلنة استعمال الماء سواء للأغراض الفلاحية او لتزويد كبريات المدن والحواضر المغربية بالماء الشروب ، وتأتي قيمة هذه المنجزات في الظرفية المناخية العصبية التي عرفتها بلادنا طيلة الست سنوات الأخيرة، والتي كانت نتيجة للتغيرات المناخية البنيوية المطبوعة بالإجهاد المائي والاحتباس الحراري، التي عرفها الكوكب الأرضي منذ الثلاث عقود الأخيرة، وقد أكد في خطاب جلالته على الإجراءات الفورية المنجزة في هذا السياق، والمخططات المائية الكبرى التي ستضمن تزويد جل الحواضر بالماء الشروب، وسقي الأراضي الفلاحية، وأهمها السير على خطى جلالة المغفور له الحسن الثاني فيما يتعلق بسياسة بناء السدود، مع التركيز على المناطق التي تشهد تساقطات مطرية مهمة لتجميع الفائض من مياهها وتحويله إلى الأحواض المائية، بآلية الطرق السيارة المائية على شاكلة مشروع ربط نهر سبو بنهر أبي رقراق، الذي بدأت نتائجه المباشرة تنعكس بشكل ملموس في التخفيف من العجز المائي الذي طال حوض أبي رقراق وسد مولاي عبد الله، وفي هذا الصدد أكد جلالته على إنجاز مشاريع مائية كبرى لربط الأحواض المائية الشمالية مع الأحواض المائية التي تعاني من عجز في وسط وجنوب المغرب، كوادي أم الربيع وسد المسيرة، وهو ما سيمكن من منع كميات كبيرة من المياه أن تصب في البحر و توجيهها إلى المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي، وبذلك سيتم خلق منظومة مائية متكاملة تضمن توزيع عقلاني للمياه، بالموازاة مع هذه الإجراءات العملية أشار جلالته إلى إطلاق مشاريع بناء محطات ضخمة لتحلية ماء البحر، التي ستكون الأولى أفريقيا والثالثة عالميا تستخدم فيها الطاقة الخضراء النظيفة، كمحطة الدار البيضاء الكبرى، والداخلة، كل هذه المشاريع ستقوي لا محالة الاقتصاد المغربي وتجعله أكثر استقطابا و تنافسية، اما المحور الثاني للخطاب الملكي السامي فكان هو القضية الفلسطينية، التي عرفت مؤخرا بسبب الحرب على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى الآن تطورا غير مسبوق حيث لحق هذا القطاع، دمارا شاملا راح ضحيته ما يربو عن 39000 شهيد أغلبهم أطفال ونساء وشيوخ مدنيين، وبهذا الخصوص عبر جلالته بصفته رئيس لجنة القدس على تضامن جلالته والشعب المغربي مع الشعب الفلسطيني في محنته، موجها نداء إلى المنتظم الدولي لخلق الجو الملائم لاستئناف المفاوضات، وإقرار مبدأ حل الدولتين الذي سيضمن للشعب الفلسطيني الحق في البقاء والعيش الكريم، من جهة أخرى في غمرة احتفالات الشعب المغربي بهذه الذكرى الغالية أصدر جلالته عفوه على 2476 سجين ومعتقل ليؤكد مرة أخرى على إنسانية الملك الذي منذ اعتلائه عرش أسلافه الغر الميامين لا يدخر جهدا في تقوية الجبهة الداخلية بتقوية العلاقات الاجتماعية بين العرش والشعب و التضامن والرأفة والرحمة طبقا لمبدأ الوطن غفور رحيم، الذي سيبقى السمة التي تميز جلالة الملك محمد السادس نصره الله الملك الإنسان الموحد الباني.
د. حميد المرزوقي