قصة طريفة بعنوان: فوضى تحرير الملك العمومي
بقلم: محمد أمقران حمداوي
في صباح يوم شتوي ماطر اجتمع أحد عشر موظفا بقسم التعمير في إحدى العمالات يناقشون موضوعا حساسا وشائكا: احتلال الملك العمومي. النقاش بدأ رسميا لكن سرعان ما اتخذ طابعا غير جدي.
الموظف الأول، المعروف بمزاحه، قال بجدية:
“لقد تفشت ظاهرة احتلال الملك العمومي بشكل فظيع في شوارع وأزقة معظم المدن في غياب تدخلات صارمة من قبل عناصر السلطة المحلية. لقد اقتحم ‘الفَرٌاشَة’ والباعة الجائلون كل الأرصفة في مشاهد عشوائية تسر وتعلن عن عودة السيبة.”
الموظف الثاني الذي بدا غاضبا قال وهو يغص بانفعال شديد:
” لقد تحولت بعض الأزقة والشوارع إلى جحيم يومي يقض مضجع السكان والزوار والمارة من مختلف الأعمار. يا لسوء الحظ ! لقد ساهم هذا السلوك في انتشار السرقة بشكل غريب. القطط بدورها توقفت عن التجول خوفا من أن تباع في علب الهدايا.”
تململ الموظف الثالث في مكانه وقال:
“إن هذا الواقع المزري لم يساهم فيه ‘الفراشة’ والباعة الجائلون وحدهم، بل زاده بلة وفسادا أصحاب المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية وفضاءات غسل السيارات الذين استدفؤوا غياب المساءلة والمحاسبة.”
الموظف الرابع قال وهو يحك رأسه بحيرة:
” لقد طالب سكان الشوارع والأزقة المحتلة السلطات الترابية بالتدخل لوضع حد لهذه الفوضى التي يرزحون تحتها يوميا ابتداء من الساعة العاشرة صباحا إلى وقت متأخر من المساء. ربما السلطات المحلية تغض الطرف لأنها تعتبر هذه الفوضى حلا لمشكلة البطالة. يعني ، بدل أن نقول : الشباب عاطل، نقول الشباب مستثمر في الأرصفة.”
الموظف الخامس لم يتمالك نفسه وقال بلهجة شديدة:
“ما يندى له الجبين هو أن الفراشة والباعة الجائلين يتبادلون عبارات نابية أثناء وقوع خلاف بينهم حول نقط وفضاءات البيع. يا لسوء حظ مرضى وسكان يبحثون عن لحظة استراحة هادئة! لقد تحولت بعض الشوارع إلى حلبات ملاكمة لغوية! أي زبون يمر يسمع مجموعة جديدة من الشتائم!”
الموظف السادس قال معاتبا:
“العيب في السلطات المحلية ! أليس استمرار الفراشة والباعة الجائلين في فوضاهم دليل قاطع ومؤشر صارخ على وجود تواطؤ بينهم وبين السلطات المحلية، خاصة وأن أعوان السلطة المحلية من مقدمين وشيوخ يباشرون جولاتهم في الشوارع والأزقة المحتلة ليل نهار كما لو أنهم يشاركون في ماراثون الضمير الغائب!. يا لسوء حظ الساكنة!”
الموظف السابع ابتسم ابتسامة من يصبر على تحمل الأذى وقال:
“ما لا أفهمه وهو أن السلطات الترابية تنفذ حملات لتحرير شارع ما، ثم تترك الشوارع المجاورة وكأنها خارج نطاق الخدمة . يا لفوضى السلطات المحلية بدورها ! تقوم بفوضى تنافس فوضى الباعة الجائلين. أليس هذا سببا حقيقيا لتوالد وتناسل المهن العشوائية؟ أليس في هذه الفوضى تهديدا لسلامة الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة؟”
الموظف الثامن استاء من مشاكل محتلي الأرصفة وقال:
” أعتقد أنه ليس هناك إرادة حقيقية لتحرير الملك العمومي. المشكل يمكن حسمه بقيام الشرطة الإدارية والقائد وأعوان السلطة بمعاينة الشوارع المحتلة ورصد المخالفات ورفع تقارير بشأنها إلى الجهات الوصية لاتخاذ المتعين، لكن تفادي الدخول في صراع مع بعض الباعة ‘المنحرفين’ والمستقوين بالنفوذ ربما هو الذي جعل الرصيف استثمارا شخصيا دون تكاليف.”
طأطأ الموظف التاسع رأسه وقال بنبرة حادة:
” صحيح! إن بعض الباعة يستعرضون عضلاتهم على كل من يحاول الاحتجاج على سلوكاتهم المنافية للقانون والمخالفة للشريعة الإسلامية التي تنص على العيش المشترك وعلى حسن الجوار.”
الموظف العاشر لم تفته الفرصة ليدلي بدلوه:
” لقد ألف المواطنون أن تخرج الجرافات ورجال السلطة بزيهم العسكري ومعهم رجال القوات المساعدة لتحرير رصيف محتل من قبل بائع جائل أو صاحب محل تجاري أو صاحب مقهى، وما أن تنتهي هذه العملية الروتينية وتعود الجرافات إلى مرائبها حتى يعود المحتلون إلى أوكارهم وكأنهم في لعبة الكر والفر . أحيانا أشعر أن الجرافات تعمل لإعادة ترتيب الفوضى لا القضاء عليها.”
الموظف الحادي عشر قال بجرأة نادرة:
” ألا ترى أن هذه الجرافات التي تشتغل لساعات طويلة تستنزف كميات وافرة من الغازوال. يا لسوء حظ المال العام! يهدر يمينا وشمالا بدون حسيب أو رقيب! يا لسوء حظ المرتفقين! الموظفون الذين يواكبون الجرافات يتركون مكاتبهم شاغرة ويجعلون المرتفقين ينتظرونهم في إداراتهم الأصلية إلى أجل غير مسمى من أجل توقيع وإمضاء وثيقة معينة.”
وفي ختام الاجتماع خرج الجميع بتوصية موحدة:
“طالما أن الشرطة الإدارية والسلطات المحلية تكتفي بدور المراقب ستستمر معاناة السكان، وسيزداد جشع المحتلين للملك العمومي. الحل ليس في الكلام والحملات الموسمية، بل في إجبار المحتلين على دفع واجبات الاستغلال، وجزاء عدم احترام القانون وتوقيع نفقات الهدم على المخالف. لو سَنٌَتِ الدولة ذلك لامتنع المحتلون عن احتلال الملك العمومي.”
وفي نهاية الجلسة خرج الحاضرون من الاجتماع وكل منهم يضع خطة سرية: هل يستثمر في عربة بائع متجول أم يفتح مقهى على الرصيف؟